مشروع شعري يجمع بين الشعر الشعبي العراقي والشعر العربي الفصيح
لابد من مقدمة لهذا المشروع الذي اشتغلت ُ عليه منتصف التسعينيات من القرن الماضي واسميته ب ( شعبيات عربية ) نظراً لأن الأشكال والأساليب الشعرية فيه مستوحات كلها من الشعر الشعبي العراقي ولأنني أعمل هنا على نقلها الى الشعر العربي المكتوب والمقروء في اللغة العربية الفصيحة...
أشتغلُ هنا على نقل أربعة من الأساليب أو ألأشكال الشعرية الشعبية العراقية التي تكون مع أساليب وأشكال أخرى العمود الفقري للشعر الشعبي العراقي..
,هذه الأساليب أو الأشكال هي على التوالي مثلما سيرد هنا: الدارمي ، الأبوذيّه ، الميمر ،العتابة أو العتاب..أماكن شيوع هذه ألأنماط هي الجنوب العراقي، منطقة الفرات الأوسط ، العاصمة بغداد وضواحيها وريفها ، والمنطقة الغربية من العراق والبادية...
لم أعرف أبدأ حين أتتني فكرة الأشتغال على هذا المشروع ان احد الشعراء من العراقيين أو العرب قد جرّب هذا النوع من العمل الشعري على هذه الأنماط الأربعة قبلي ، فبدأتُ العمل مدفوعأ بحبي للشعر الشعبي العراقي وايماني بثراء عوالمه وسعة مدياته وأصالة روحه وامكانيته في الوصول الى قمم الوجد وذرى البوح وبراعته في اقتناص الصور الشعرية الهائلة والخارقة سائراً بهذا جنباً الى جنب مع الآداب العالمية الكبرى انْ لم يكن متجاوزأً لها بعض الأحيان..
ودفعني للعمل على هذا المشروع أكثر حب اثبات ان الشعر العراقي والموروث الشعري العراقي هو كل واحد يتحاور ويتكامل عبر الأزمان وفي كل مناطق العراق ، فشعراء الجنوب يكتبون أيضاً في الأنماط الشعرية الشعبية الشائعة في مناطق أخوانهم أبناء المنطقة الغربية والبادية..
هناك دافع آخر شجعني على انجاز هذا المشروع ألا وهو الرغبة في التجديد والأجتراح والأضافة ، ولمَ لا فالأبداع الشعري في كل لغة وفي كل زمان ومكان يقوم على اساس الأبتكار والتجديد والخلق!!!
وثمة الرغبة في اثراء الشعر العربي ولاسيما ان الشعر الشعبي العراقي - مثل اللهجة أو الأغنية العراقية - محبوب أو كان محبوباً في بلدان عربية اخرى مثل بلاد الشام وبعض بلدان الخليج والمغرب العربي...
هذه الأسباب مجتمعة دفعتني الى العمل على هذا المشروع ومحاولة تعميمه يسندني عشق قديم قدم الطفولة والصبا والشباب المبكر للشعر العراقي الشعبي الذي رافقني في البيت والمضيف والمحلة والمنطقة والمدرسة والجامعة والمقهى وبستان النخيل بل مع أهازيج الفلاحين وغناء الصيادين وحداء الرعاة..
المشكلة الغريبة والتي لا أعرف لها تفسيراً مقنعاً أوتبريراً شافياً الى الأن والتي واجهتني بعد أنجاز هذا المشروع أو انجاز بداياته الأساسية كانت في نشر هذا المشروع ، والغريب انني ماعانيت من نشر نصوصي الأخرى وحينما لم أتمكن من النشر في منبر لأسباب شخصية أوسياسية أوقطرية أوطائفية كانت الفرص العادلة والمشروعة تتهياْ للنشر في منبر آخر...لكن في هذا المشروع تعرضتُ لصعوبة حقيقية في نشره كاملاً حتى في الصحف والمجلات العراقية الصادرة في الخارج آنذاك، وما نشر منه نشر مبتوراً، حتى انني ارسلته مرّة الى صحيفة أدبية يرأس تحريرها ناقد أدبي عراقي لابد ان يعرف الشعر الشعبي العراقي لأنحداره من بيئة شعبية ، أرسلتُ الموضوع اليه وأخبرني في الهاتف ان الموضوع قد وصل وانه ،أي الموضوع ، يشكل تجيدأ في الشعر العراقي وسوف ينشر في أقرب فرصة ، ولكنني اندهشت حقاً حينما وجدتُ ان ما نشر يمثل ربع المشروع فقط رغم ان الموضوع لم يكن طويلاً، وقد جاء الجزء المنشور مليئا بالأخطاء في تلك الصحيفة الأدبية الورقية التي كانت تحرر بالطباعة..
مع هذا المشروع تعريف ضروري جداً ومبسط لهذه الانماط الشعرية الشعبية المنتشرة في المناطق العراقية المختلفة...
الدارمي:
فن شعري شعبي عراقي يتكون من مقطعين - كل مقطع منهما يتكون بدوره من مقطعين صغيرين - والمقطعان ينتهيان بقافيتين .. والدارمي شائع في الفرات الأوسط والجنوب، ويدخل في تركيبة بعض الأغاني العراقية.. نحاول هنا تجريبه في اللغة العربية الفصيحة مع بعض االفنون الشعرية الشعبية الأخرى..
دارميات:
هلْ أدركَ الأمواتْ
ماحلَّ في البيتْ ؟!
أمْ أدركَ الأحياءْ
مايشعرُ الميتْ ؟!
********
أنْ كانَ دمعُ الناس
قدْ أغرق الدارْ
فالدمعُ دمعي فاضْ
غرقاهُ أطيارْ
********
انْ لمْ تكنْ في الدارْ
قدْ كنتَ في القلبْ
القلبُ خالٍ منكْ ؛
خالٍ من اللبْ
********
سبحان مَن سواكْ
بدراً مِن الشذرْ
تأتي فأجني منكْ
شذراً من البدرْ
********
مرَّ الندى في البالْ
والصبحُ مامرْ
اذْ انَّ عذقَ الليلْ
في الروحِ اثمرْ
********
كلُ الذي أرجوهْ
أنْ أغلقَ البابْ
حتى أرى ألأقمارْ
في الروحِ تنسابْ
********
ألأبوذيّه:
فن شعري عراقي وشعبي الى حد كبير، يتكون من أربعة مقاطع، المقاطع الثلاثة الأولى يجب ان تنتهي بنفس الكلمة كقافية ، بحيث تؤدي هذه الكلمة - القافية في كل مرَّة معنى مختلفاً ، أما القافية الرابعة فيجب ان تأتي بكلمة مختلفة تنتهي بالياء والهاء الساكنة ، والفقرة الرابعة مع قافيتها تُسمى بالربّاطة ، ومن الكلمة الأخيرة في البيت التي تنتهي بالياء والهاء الساكنة جاء اسم هذا الفن : أبوذيّه
أبوذيّات:
اذا جنَّ الهوى في القلبِ جنّا
وأسكنَ في صميمِ الروحِ جنّا
أقولُ الحبُ أزهرَ ثمَّ جنّا
زهوراً والضمير المزهريهْ
********
أذا فاحتْ دلالُ البنِ والهالْ
وشعتْ ساطعاتُ الضوءِ والهالْ
تقحمتُ الردى والبينَ والهالْ
جنوناً نحو ليلى العامريهْ
********
اذا دارَ الهوى والكأسُ دارا
وشعَّ الفرقدان سنىً ودارا
ذكرتُ لدى العراقِ الحلوِ دارا
بعيداً في مياهِ الناصريهْ
********
لنا يابصرة الأحبابِ سرُ
بهِ العشاقُ قد حزنوا وسروا
سواء كان انْ فضحوا وسروا
فنحنُ هواةُ ليلى العامريهْ
********
الميمر:
فن شعري شعبي عراقي منتشر في مناطق العراق الغربية والبادية والجزيرة ولكنه معروف أيضاً لدى مناطق وشعراء الجنوب العراقي والفرات الأوسط ، يتكون الميمر من أربعة مقاطع ، المقاطع الثلاثة الأولى يجب ان تنتهي بنفس الكلمة كقافية بحيث تؤدي في كل مرَّة معنى مختلفاً ، اما الفقرة الأخيرة فتنتهي بقافية تكون الكلمة فيها على قافية وايقاع كلمة ميمر أي ان الحرف الأخير في القافية هو الراء الساكنة مثل كلمة ميمر .
ميمر:
يُوحى ولايدري الذي أوحى لهْ
متنسكٌ والنورُ مِن أوحالهْ
لاتسألوا عن لونِهِ أوحالهْ
ياقوتةٌ شعَّتْ بصحنِ المرمرْ
********
كمْ دارة مرَّتْ بهِ من دارهْ
والروحُ لاتسري بهِ من دارهْ
مَنْ دارَ لايدري الذي مَنْ دارهْ
مَنْ ظلَّ يأملُ انَّ فجراً يزهرْ
********
العتابه أو العتاب:
فن شعري شعبي عراقي منتشر في مناطق غرب العراق والبادية والجزيرة ومعروف أيضاً عند بلدان الهلال الخصيب الأخرى ، كما هو معروف في منطقة الفرات الأوسط والجنوب العراقي، يشبه العتاب الأبوذيّه الى حد كبير الّا ان اختلافه عن الأ بوذية هو فقط في القافية الأخيرة التي يجب ان تنتهي هنا بالألف والباء الساكنة ، ومن هنا جاء اسم ( العتاب ) .
عتابه:
اذا جنَّ الدجى والخِلُ مرّا
وأضحى سائغاً ماكانَ مُرّا
كأنَ الفرقدين - سواء - مَرّا
وأمطرت النجومُ على الترابْ