شفافيّة النّقد البنّاء!

2014-06-16
 
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/7fd4b353-3286-422c-be45-479f11749e09.jpeg
ظاهرةُ النّقدِ اللاّذعِ وفي شتّى الميادينِ، شخصيّةً كانت أم عامّةً، باتتْ مُقلِقةً ومزعِجةً جدًّا، خاصّةً وأنّها تُطالعُكَ بها يوميًّا صفحاتُنا الإلكترونيّةُ، أو تَطرقُ بابَ بريدِكَ دونَ إذنٍ منهَ ومنكَ، ليمتلئَ مُتخمًا بها، أو تَهُبُّ بِوجهِكَ ومِن حيثُ لا تدري في المواقعِ المختلفةِ، وبمعظمِها مقالاتٌ تغصُّ بألفاظَ قاسيةٍ وبذيئةٍ ومُهينةٍ ومُجحفةٍ! 
والأسوأُ مِن هذا وذاكَ، أنّ بعضَها مُذَيَّلٌ بتعليقاتٍ مؤازرةٍ للكاتبِ، تُربّتُ على كتفِ قلمِهِ الفذِّ المناضلِ الجريء، أو بتعليقاتٍ مُهينةٍ لأصحابِ المقالاتِ. 
والغريبُ في الأمرِ حقًّا، أنّ النّاقدَ هذا يستلذُّ ويتمتّعُ بالتّعليقاتِ، لدرجة أنّهُ لا يُعيرُها اهتمامًا، بل؛ ويأتي بما هو أكثرُ فظاظةً وتأجّجًا!
وأغربُ ما في الأمر، لا موضوعيّةُ النّقدِ، خاصّةً فيما يتعلّقُ بالمُبدِعاتِ، فإنّ بعضَ النّقّادِ يُعْلونَ شأنَ بعضِ الأسماءِ، ويَضعونَها في مَصاف السّمواتِ العُليا، وفجأةً، ولأسبابٍ خاصّةٍ ومَجهولةٍ، يَنقلبونَ عليها رأسًا على عقب، فيَرقعونَ بهذهِ الأسماءِ وبالمُبدعاتِ في سافلِ الأرضيّات، ودونَ أيِّ وازعٍ أو رادعٍ، سوى ما تتشرّبُ بهِ أفكارُهم المسكينة، مِن بعضِ أقاويل مَدسوسةٍ حقودةٍ وناقمةٍ، مِن هنا وهناك وفي الخفاء! 
لماذا لا يَجرُؤُ مُطلِقوها (صُنّاعُ الشّاعراتِ والمُبدعاتِ المأجورونَ أو الوصوليّون)، أنْ يُجاهِروا بادّعاتهم أو أكاذيبِهم أو افتراءاتِهم علانيّةً إن كانت حقيقةً؟ هل في ذلك إدانةٌ لهم؟ 
إذًا، ما الّذي يدفَعُهُم إلى تزويرِ الحقيقةِ الثقافيّةِ وتشويهِها، بأن يكتبوا لسين مِن المُبدعات، ثمّ تصحو قلوبهم أو عقولههم أو ضمائرهم فجأة، ويدخلونَ في متاهةِ التقوّلاتِ الخفيّةِ والدسائس، وتوظيفِ أبواقٍ جريئةٍ في تشويهِ هذهِ المُبدعةِ أو تلك؟ 
كما يُمكنُ أن نُلامسَ بعضَ عقليّاتٍ ثقافيّةٍ محدودةٍ ومرسومةٍ بفِكرِها المُربّعِ، وقد وصلتْ حدَّ الإشباعِ، ولا يمكنها أن تتقبّلَ أو تستوعبَ أيَّ جديدٍ أو مغايرٍ لفِكرِها، بل وتلجأُ إلى لغةِ التّعالي والاستعلاءِ على الآخر، والتّطلُّع مِن علٍ بنظراتٍ دونيّةٍ لبعضِ مجتمعاتٍ وفئاتٍ، فتَستخدمُ لغةً مدسوسةً تدلُّ على انتفاخٍ وانفتاحٍ لا نظيرَ لهما إلاّ النّاقد نفسه، والحرّيّةُ اللاّمحدودةُ عندَهُ صارتْ حربةً بادحةً صدئةً، تُحلّلُ الذّبحَ، وتقذفُ الآخرَ بصمغِ الانغلاق! 
والسّؤالُ يتلوّى ويتشعّبُ في أدغالِ واقعِنا مُتشابِكِ الأطرافِ والدّوافعِ: 
هل استخدامُ لغاتٍ متعدّدةِ النّكهاتِ تُعطي طاقةً ديناميكيّةً أكبرَ في الاستفزازِ والتّحريضِ؟ 
هل اللّغةُ المدمِّرةُ هذهِ، تُثيرُ الانتباهَ للموضوعِ المطروحِ، وتُحَمّي وطيسَ الجدلِ فيهِ؟
هل اللّغةُ هذه يمكنُ أن تَغرسَ ألغامَ التّمويهِ والبَلبلةِ وإرباكِ الآخرينِ، وكسْرِ الطاسةِ الثقافيّةِ المُتأرجحة؟
ثمَّ، مَن الّذي أوحى أو خوّلَ أو نَصّبَ هؤلاءَ أوصياءَ ورقباءَ على مجتمعاتِنا وثقافاتِنا وحضارتِنا العربيّةِ؟
مَن هو المُوجِّهُ الحقيقيُّ الّذي نَصَّبَهم وجعلَهم أداةً تتحرّكُ بمهارةٍ دؤوبةٍ، لتُنقذَ- بحنانِكَ ونُبْلِكَ- ما تبقّى للمجتمعِ، مِن براثنِ التّلويثاتِ الصّحيّةِ والمُخلّةِ والمُسيئةِ؟ 
هل يمكنُ لهؤلاء النقّاد فعلًا اختراقَ تلكَ الحضارةِ، وحرْقِ جذورِها وأغصانِها وثمارِها وأفيائِها، لتستدفئَ بها قلوبٌ تثلّجتْ بشعورِ النّقمةِ والانتقامِ والدّمارِ؟ 
لماذا هذا النّهجُ والتّوجُّهُ في الدّبغِ والحَرْقِ؟ أحقيقةً ينبعُ مِن غيرةٍ على إرثِنا الماضي والقادمِ، أم ... عكسُهُ الأصحُّ؟ 
هؤلاء مَن يُشنّونَ هذهِ الحملاتِ (الخيريّةِ)، وبهذهِ الكثافةِ مِن الحمولةِ الطّاردةِ، هل فقدوا لغةَ الإقناعِ تمامًا، فلجؤوا إلى استخدامِ لغةٍ نابيةٍ سوقيّةٍ أسهلَ وأكثرَ إقناعًا؟ 
وهل البذارُ الّذي ينثرونَهُ في أرضٍ صالحةٍ، يمكن أن يجْنوهُ غلالَ قمحٍ على بيادرِ الزّوان؟ 
أم أنّ أغمارَ حصادِهم يمكنُ أن يُشعلَهُ نفسُ عودِ ثقابِهم، فيعودُ عليهم وَبالًا؟
لا نستطيعُ أن نكتفي بتذنيبِ هؤلاء النّقادِ فقط، إذ ليسوا وحدَهم المسؤولينَ عن هذا الخللِ المُتفشّي بغزارةٍ دونَ ردعٍ، بل أنّ هناك أطرافًا أخرى هي مشاركِةٌ ومُحفِّزةٌ ومُنشِّطةٌ، لهذه الأقلامِ اللاّدغةِ واللاّذعةِ وسيّالةِ المدادِ السّامِّ، أهمُّها المواقعُ الإلكترونيّة!! 
المواقعُ النّاشرةُ للثّقافةِ الرّاقيةِ تُحتّمُ عليها المسؤوليّةَ، في أن تتأنّى في الشّهرةِ لا التّشهيرِ، وأن تتوخّى الاحتياطَ والحذرَ في اختيارِ الزّبدةِ المُفيدةِ والصّحيّةِ للثّقافةِ، لا أن تسعى إلى شهرةِ مواقعِها، من خلالِ عددٍ أكبر مِن القرّاءِ، على حسابِ تشويهِ فئاتٍ أو مؤسّساتٍ أو شخوصٍ، لأنَّ الأهداف السّاميةَ أرقى وأرفعَ مِن الوسائلِ والسُّبلِ الدّنيئةِ! 
وهنا يَحضرُني قولٌ جميلٌ لإمامِنا الشّافعيِّ مفادُهُ: 
يُخاطبُني السّفيهُ بكلِّ قبح/ فأكرَهُ أن أكونَ لهُ مُجيبا
يَزيـدُ سفاهةً فأزيدُ حِلْمًا/ كعودٍ زادَهُ الإحراقُ طيبا
وبكلِّ المحبّةِ والتّسامحِ، لا يَسعُنا إلاّ أن ندعوَ بالخير والصلاح لهؤلاء وأولئِكَ ولكلِّ المُسيئينَ، عسى الجميع مِنَ العائدينَ التّائبينَ إلى سبيلِ الشّفافيّةِ البنّاءةِ! 

آمال عواد رضوان

كاتبة ، شاعرة وصحفية فلسطينية، محررة الوسط اليوم الثقافي 
 لها : *1- بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/ عام 2005. *2- سلامي لك مطرًا/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/عام 2007. *3- رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2010. *4- أُدَمْوِزُكِ وَتَتعَـشْتَرِين/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2015. *5- كتاب رؤى/ مقالاتٌ اجتماعية ثقافية من مشاهد الحياة/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2012. *6- كتاب "حتفي يترامى على حدود نزفي"- قراءات شعرية في شعر آمال عواد رضوان 2013. *7- سنديانة نور أبونا سبيريدون عواد/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2014 *8- أمثال ترويها قصص وحكايا/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2015 وبالمشاركة كانت الكتب التالية: *9- الإشراقةُ المُجنّحةُ/ لحظة البيت الأوّل من القصيدة/ شهادات لـ 131 شاعر من العالم العربيّ/ تقديم د. شاربل داغر/ عام 2007 *10- نوارس مِن البحر البعيد القريب/ المشهد الشّعريّ الجديد في فلسطين المحتلة 1948/ عام 2008 *11- محمود درويش/ صورة الشّاعر بعيون فلسطينية خضراء عام 2008 صدرَ عن شعرها الكتب التالية: *1- من أعماق القول- قراءة نقدية في شعر آمال عوّاد رضوان- الناقد: عبد المجيد عامر اطميزة/ منشورات مواقف- عام 2013. *2- كتاب باللغة الفارسية: بَعِيدًا عَنِ الْقَارِبِ/ به دور از قايق/ آمال عوّاد رضوان/ إعداد وترجمة جَمَال النصاري/ عام 2014 *3- كتاب استنطاق النص الشعري (آمال عوّاد رضوان أنموذجًا)- المؤلف:علوان السلمان المطبعة: الجزيرة- 2015 إضافة إلى تراجم كثيرة لقصائدها باللغة الإنجليزية والطليانية والرومانيّة والفرنسية والفارسية والكرديّة. * 
الجوائز:
*عام 2008 حازت على لقب شاعر العام 2008 في منتديات تجمع شعراء بلا حدود. *عام 2011 حازت على جائزة الإبداع في الشعر، من دار نعمان للثقافة، في قطاف موسمها التاسع. *عام 2011 حازت على درع ديوان العرب، حيث قدمت الكثير من المقالات والنصوص الأدبية الراقية. *وعام 2013 منحت مؤسسة المثقف العربي في سيدني الشاعرة آمال عواد رضوان جائزة المرأة لمناسبة يوم المرأة العالمي 2013 لابداعاتها في الصحافة والحوارات الصحفية عن دولة فلسطين. وبصدد طباعة كتب جاهزة: *كتاب (بسمة لوزيّة تتوهّج) مُترجَم للغة الفرنسيّة/ ترجمة فرح سوامس الجزائر *كتاب خاص بالحوارات/ وستة كتب خاصة بالتقارير الثقافية حول المشهد الثقافي في الداخل *ستة كتب (تقارير ثقافيّة) حول المشهد الثقافي الأخضر 48: من عام 2006 حتى عام 2015

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved