ومنذ فجر التاريخ ظهرت سيدات رفعن لواء الحق ، بعضهن خُلدت أسمائهن كأمثال جميلة بو حريد ، هدي شعراوي ، صفية زغلول وأندريرا غاندي، وأخريات لم يُمنحن حقهن وتغيب أسمائهن عن مخيلة بعض الأجيال ، وفيما يلي نستعرض بعض النساء الخالدات اللاتي قدمن خدمات جليلة إلي البشرية وقدمن شجاعة لا تقل عن شجاعة الرجال فى ساحات الحرب والنضال الوطني.
جميلة بوحيرد
الجزائرية جميلة بو حيرد من أبرز المناضلات من أجل الحرية في القرن العشرين، وبطلة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي .
ولدت بوحيرد في عائلة متوسطة الحال، وقد تلقت تعليمها في مدرسة فرنسية، لكنها سرعان ما انضمت لحركة المقاومة السرية عن طريق شقيقها، وقد عملت خلال أعوام انطلاقة الثورة كمسئولة ارتباط وتولت لبعض الوقت مسؤولية العمليات المسلحة في العاصمة، الجزائر.
كانت الثورة الجزائرية 1954-1965 واحدة من أقوى حركات النضال ضد الاستعمار، والتي اجتاحت في تلك العقود آسيا وأفريقيا، وقد انطلقت العملية الأولى للثورة في الأول من نوفمبر 1954، عندما هاجم فدائيو جبهة التحرير الوطني قوة جزائرية في جبال الأوراس الشرقية وكانت المعنويات الفرنسية آنذاك تعاني الكثير بعد الهزيمة المذلة التي لحقت بقواتهم في معركة ديان بيان فو الشهيرة، والتي خطّت سطور نهاية الاحتلال الفرنسي للهند الصينية، وبالتالي نهاية الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية.
قدم الشعب الجزائري ضحايا بالآلاف يومياً، وبلغ عدد شهدائه أكثر من مليون، وكانت جميلة بو حيرد واحدة من الآلاف المؤلفة من المناضلين الذين كتب لهم سوء الحظ أن يسقطوا في قبضة العدو، فقد ألقي القبض عليها أثناء غارة شنتها القوات الفرنسية الخاصة، واتهمت بزرع الكثير من المتفجرات والعبوات الناسفة في العاصمة، مما أودى بحياة الكثير من الفرنسيين. وبعد عمليات تعذيب يصعب تصورها، قدمت للمحاكمة في يوليو 1957، فحكم عليها بالإعدام.
لكن محاميها الفرنسي، وهو مؤمن بقوة بحق الشعوب في تقرير مصيرها، لم يكن مستعداً لتقبل الهزيمة في قضيتها، وهكذا قام المحامي، وهو جاك فيرجيس، بحملة علاقات عامة واسعة غطت العالم بزواياه الأربع، واكتسب من وراء هذه القضية، وما تبعها من قضايا مماثلة، شهرة عالمية. وكان من نتائج الضغط الكبير الذي مارسه الرأي العام العالمي تأييداً للبطلة جميلة بوحيرد أثر حاسم في إجبار الفرنسيين على تأجيل تنفيذ الحكم بإعدامها. وفي عام 1958، نقلت إلى سجن ريمس.
وعلى الصعيد السياسي، وبعد خسائر بشرية باهظة للجانبين، تم في مايو 1962 توقيع اتفاقيات إيفيان وإعلان استقلال الجزائر، وكانت فرنسا قد بدأت قبل أشهر، ومع تقدم سير المفاوضات، بإطلاق سراح الأسرى الجزائريين تدريجياً، وعندما أطلق سراح جميلة، تزوجت بعد أشهر من محاميها الذي أشهر إسلامه واتخذ اسم منصور.
بعد الاستقلال، تولت جميلة رئاسة اتحاد المرأة الجزائري، لكنها اضطرت للنضال في سبيل كل قرار وإجراء تتخذه بسبب خلافها مع الرئيس آنذاك، أحمد بن بلة، وقبل مرور عامين، قررت أنها لم تعد قادرة على احتمال المزيد، فاستقالت وأخلت الساحة السياسية، وهي ما تزال تعيش في العاصمة الفرنسية حتى الآن، متوارية عن الأنظار، لكن المرات القليلة التي ظهرت فيها أمام الناس أثبتت أن العالم ما زال يعتبرها رمزاً للتحرر الوطني .
جان دارك
شغلت الفرنسية الجميلة "جان دارك" التي ولدت عام 1412 م بمدينة "دومريمي" شمال شرق فرنسا، الكتاب والمؤرخين الأوروبيين المتابعين لتاريخ العصور الوسطى .
نشأت جان دارك في كوخ صغير على مقربة حدود مقاطعتي شمبانيا واللورين ، وسرعان ما نضجت شخصية وعقلية جان دارك بسرعة غير عادية فعندما بلغت الخامسة كانت تصلي وتدعو الله وهي تجثو على ركبتيها وعندما سألتها أمها يوما : لماذا تجثين على ركبتيك وأنت تصلين فأجابت الطفلة إن أقل شيء نفعله لله الذي خلق لنا كل شيء أن نجثو على ركبتينا ونحن نصلي له .
عندما بلغت دارك العاشرة من عمرها كانت تسمع أصوات تحدثها بانها الخلاص لوطنها لتحرير فرنسا، وبالفعل تمكنت دارك من رفع حصار قوات الاحتلال الإنجليزية عن مدينة "أورليانز" الفرنسية عام 1429؛ حيث استطاعت جان دارك لقاء الملك الفرنسي "شارل السابع" بمدينة "شينون" وأقنعته بالمهمة العسكرية التي نذرت نفسها لها وهي تخليص أورليانز من براثن الإنجليز.
وتقدمت جان التي كانت تبلغ حينها 13 عاما على رأس جيش صغير وتمكنت من الانتصار في معركة بمدينة "باتاي" وطرد جيش الاحتلال من أورليانز .
وعرفت جان دارك منذ ذلك الحين باسم "لابوسيل دورليانز" (La Pucelle d'Orleans) أي عذراء أورليانز.
وتوفيت عام 1431م في التاسعة عشرة من عمرها بمدينة "روون" في إقليم نورماندي شمال البلاد بإعدامها حرقا من قبل قوات الاحتلال والتي اتهمتها بالإلحاد. تعتبر جان دارك أبرز وجوه مقاومة الاحتلال الإنجليزي لقطاعات من بريطانيا أثناء حرب المائة عام، بين بريطانيا وفرنسا (1337-1453).
رايتشل كوري والقضية الفلسطينية
رايتشل كوري
رايتشيل كوري ناشطة أمريكية شابة ولدت عام 1979 في مدينة أولمبيا عاصمة ولاية واشنطن الأمريكية ، كانت مند نعومة أضفارها نهرا متدفقا من الأحاسيس والمشاعر الإنسانية الطيبة، نعم في العاشرة من عمرها، وهي في الصف الخامس قالت كلاما أكبر من عمرها، لقد قالت في محاضرة في مدرستها حول الجوع في العالم : "إنني هنا من أجل الأطفال الذين يعانون في كل مكان، لأن أربعين ألف شخص يموتون في العالم يوميا بسبب الجوع، أنا هنا لان معظمهم من الأطفال، نعلم بأن الفقراء في كل مكان حولنا، لكننا نتجاهلهم، يجب أن نفهم بأن هده الوفيات يمكن تجنبها، يجب أن نفهم بأن في العالم الثالث شعوبا يضحكون ويبكون، هم بشر مثلنا، لكن الفرق بيننا وبينهم أنهم يعانون، يجب أن نفهم بأن أحلامنا هي أحلامهم، يجب أن نفهم بأننا منهم وهم منا، أن حلمي بأن انهي المجاعة في سنة 2000م ، حلمي أن يمنح الفقراء فرصة، حلمي إنقاذ أربعين ألف ممن يموتون يوميا ،حلمي يمكن أن يكون حقيقة، إن نحن تطلعنا إلى مستقبل مليء بالخير و النور ".
ولذلك كرست كوري حياتها من أجل الدفاع عن الإنسان بغض النظر عن عرقه أو لونه ، ولهذا انضمت رايتشل كوري إلى حركة التضامن الدولية بعد أحداث 11 من سبتمبر عام 2001 ، ثم قررت السفر إلى قطاع غزة أثناء انتفاضة الأقصي الثانية من أجل الدفاع عن حق شعب احتلت أرضه وانتهكت أعراضه وتهدم بيوته يومياً .
ومنذ وصولها الى قطاع غزة تأثرت كوري بواقع الشعب الفلسطيني , وهي تقول من خلال الرسائل التي أرسلتها إلى والديها بأن كل ما طالعته في الولايات المتحدة عن هذا الصراع مختلف كل الاختلاف عما لمسته على أرض الواقع .
وبعد 20 يوماً قضتها رايتشل وسط معاناة الشعب الفلسطيني أحست كأنها جزء من هذا الشعب ، فصارت لديها عائلة إذ تقول في إحدى رسائلها أن بيت العائلة تعرض للقصف و أصبح لها أخ اسمه نضال وجدة تتشح بالسواد كغالبية الجدات العربيات تنصحها بالإقلاع عن التدخين حتى أن رايتشل كانت تناديها "بتيتا" لقد أصبحت رايتشل فلسطينية الروح .
كوري سجلت بدمائها قصة بطولة
كانت رايتشل برفقة سبعة ناشطين أمريكيين وأوربيين آخرين، بهدف منع أعمال التجريف والهدم التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في رفح، والذي ترك أكثر من 12000 فلسطيني دون مأوى منذ بداية الانتفاضة الثانية في سبتمبر/ أيلول2000م .
إلى أن جاء ذلك اليوم الذي سجلت فيه رايتشل بدمائها أروع قصص البطولة والشهامة ،في 16مارس2003 وقفت رايتشل بمكبر الصوت أمام جرافة إسرائيلية تزن تسعة أطنان ومن صنع أمريكي تنادي سائقها بالانجليزية: " توقف .. هنا عائلة آمنة .. هنا أناس أبرياء " ، لكن سائق الجرافة تجاهل نداءاتها وقام بدهسها بوحشية ، وماتت ناشطة السلام الشجاعة وهي شامخة أثناء صد الجرافة في حي السلام بمدينة رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة.
ريتشل التي دهستها جرافة أمريكية الصنع تزن تسعة أطنان، كانت في العشرينات من عمرها وجاءت إلى قطاع غزة، لتعلن تضامنها مع الفلسطينيين وتدعم حقهم في الحرية والحياة بسلام.
ماريا اكتيبرسكايا
بطلة الاتحاد السوفيتي ماريا اكتيبرسكايا ، ولدت في قرية كيات بشبه جزيرة القرم قضت طفولتها في مدينة "سيفاستوبل" بعد أن أنهت الصف السادس الابتدائي انتقلت إلى مدينة سيمفيروبل حيث عملت في بدالة المدينة.
وفي عام 1940 رحلت إلى مدينة كشينيوف برفقة زوجها الضابط في قوات المدفعية. في اليوم التالي لبداية الحرب سافرت برفقة عوائل الضباط الآخرين إلى مدينة تومسك بسيبيريا.
بنهاية صيف 1941 تلقت خبر استشهاد زوجها وجميع أفراد عائلتها فقررت التبرع بجميع ما تمتلكه من اموال للجبهة من اجل صنع دبابة نوع " تي - 34 ، على اثر ذلك حررت رسالة إلى ستالين تضمنت تفاصيل وضعها وطلبت السماح لها بالاتحاق بالجبهة. رد ستالين على هذه الرسالة بالموافقة وشكرها على موقفها.
في 3 مايو 1943 بدأت تتدرب على قيادة الدبابة في مدرسة الدبابات وفي أكتوبر شاركت في أول معركة دبابات على الجبهة الغربية.
في 17 يناير عام 1944 أصيبت دبابتها وأصيبت ماريا في رأسها إصابة بليغة نقلت الى المستشفى في سمولينسك حيث وافاها الأجل في 15 مارس عام 1944