كان افتتاح معرض "أشرعة نحو الشمال" لمجموعة مدى للفن المعاصر لفناني دول الخليج العربي، يوم السبت 14 نيسان 2012م في العاصمة السويدية ستوكهولم، وبضيافة الفنانين التشكيليين العراقيين في السويد يوما متميزا، فقد تحقق هذا الإنجاز بعد جهود متميزة ومضنية أستمرت لتسعة أشهر قام بها الفنانون من كلا الجانبين وبشكل خاص الفنانة آشنا أحمد والفنان شاكر بدر عطية والفنان محمد العتيق وآخرون.
كان هذا اليوم متميزا حقا، ففي حالة نادرة سقطت الثلوج بشكل كثيف وهو شيء مستبعد في منتصف شهر نيسان، مما أعاق حركة التنقل، بسبب موجة البرد والثلج الكثيف، لكن ما أن دخلنا صالة العرض، حتى شعرنا بالدفء، دفء المشاعر ولهيب اللوحات التي تشع في كل أجزاء القاعة، فمشاعر الفنانين في هذا اللقاء كانت أستثنائياً بحق.،
ساهم في أعمال هذا المعرض 13 فنانة وفنانا من جميع الدول الخليجية ومن العراق، وضم أكثر من خمسين عملا تشكيليا من مختلف المدارس والأشكال الفنية، لكنه خلا من الأعمال النحتية والسيراميك، حضر من المساهمين سبع فنانات وفنانين، ولم يتيسر للآخرين الحضور لأسباب خاصة، كان الحضور يوم الأفتتاح متميزا ونخبويا، طغت الإبتسامة على وجوه الجميع تعبيرا عن السعادة لهذا اللقاء غير العادي، كونه يجمع لأول مرة نخبة من الفنانين من منطقة جغرافية واحدة لكنهم من دول عدة، لكل منها خصوصيتها وثقافتها وتراثها الخاص.
وكانت طقوس الأفتتاح، متميزة أيضا فلم يكن هنالك شريط ومقص، بل أرتدى الفنان شاكر بدر عطية رئيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين زياً خليجيا وهو يدفع سفينة تبحر من الجنوب صوب القطب الشمالي، تتزين بالعلم السويدي تتوسطها شمعة كبيرة، تقدمت سفيرة الامارات العربية المتحدة الشيخة نجلاء محمد القاسمي بأشعالها معلنة أفتتاح المعرض، وقدمت الشكر لجميع من عمل من أجل أنجاز هذه المبادرة الجميلة، كما تمنت التوفيق للجميع. بعدها تحدثت الفنانة العراقية أشنا أحمد عن بداية فكرة هذا المعرض بعد لقائها مجموعة من فنانين خليجيين في الهند العام الماضي، وجاءت الفكرة، وتمت متابعتها والتنسيق لإنجازها بين جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين في السويد، ومجموعة مدى للفن المعاصر لدول الخليج، من خلال الفنان محمد العتيق رئيس جمعية الفنانين التشكيليين في قطر، وحصل الدعم للمعرض من عدة جهات، منها "مؤسسة كتاري" لدعم الفنانين ومن الجانب السويدي "كلتور فورفالتنك في ستوكهولم" و"هوسبي كونستهال". وكان السفير العراقي الدكتور حسين العامري حاضرا وعندما طلب منه الحديث حول الطلب الى رئيس المركز الثقافي العراقي في ستوكهولم لينوب عنه الدكتور أسعد الراشد الذي عبر بدوره عن أعجابه باللوحات الرائعة وعن سعادته بلقاء الفنانات والفنانين التشكيليين، قائلا لقد تجرعت جرعة كبيرة من هذا الفن من خلال الأساليب وتناول الموضوعات، وعكست الفنانات الخليجيات مواقف جديدة فهي تقف موقفا ثقافيا فنيا تقول من خلاله أنا هنا بلا دموع أو آهات، بل تقدم وظيفة اجتماعية مهمة، كما تحدثت رئيسة الملحقية الثقافية الدكتورة بتول الموسوي، مثمنة الجهود الجميلة، وبدوره عبر الفنان محمد العتيق المنسق العام لهذا المشروع عن سعادته وشكره للقائمين على التنظيم ولحفاوة الاستقبال ورحب بالجميع.
الفنانة العمانية عالية الفارسي
كان لقاؤنا الأول مع الفنانة العمانية عالية الفارسي والتي تشارك بأربع لوحات (كولاج وأكريل)، متشابهة من حيث الأسلوب ووحدة الألوان ومواضيعها متقاربة، والتي أهتمت بالفولكلور والأزياء العمانية، والتي تعكس تعلقها بالتراث العماني والبيئة العمانية وحياة المرأة العمانية بشكل خاص، فتجد في لوحاتها وجوها دون فم أو بلا عيون، فالحرية شبه مستلبة، كما أن الظلام أو غياب فهم الحقائق، تعكس واقعا اجتماعيا تحاول عالية قراءته وعكسه مع مراعاة أدخال الأزياء الشعبية الخاصة بالشعب العماني نسائا ورجالا، لما فيه من جمالية وتميز.
لقد حازت عالية الفارسي على جائزة المرأة للإجادة في مجال الفن التشكيلي، كما تم اختيارها ضمن كتاب "رائدات العالم العربي" للكاتب عماد شاهين، ولديها معرض خاص بها تعرض فيه أهم وأحدث أعمالها، كما أقامت ثلاثة معارض شخصية وشاركت في معارض وورش عمل عديدة منها في برلين والصين ومصر والاردن وسويسرا واليابان، وحازت على عدة جوائز وميداليات.
الفنان السعودي زمان جاسم
الفنان السعودي زمان جاسم، جذبتنا لوحاته الأربع (أكريل)، بما فيها من إبهار فني ولوني وأشكال متميزة، وكأنها لوحة واحدة مقطعة الى أجزاء، فاللوحات وحدة واحدة من حيث الألوان والأسلوب والموضوعة والتكامل، والتجانس الهرموني، وكأن اللوحات عبارة عن نغمة أو قطعة موسيقية واحدة، تناول زمان في أعماله المورث أساسا، منطلقا من الطفولة حيث القرية من ثم المنطقة أو المدينة ثم البلد بأسره، مكتشفا بفطريته ان الموروث ذو أبعاد إنسانية أيضا، يشترك فيها جميع البشر أينما كانوا، وهو بهذا يجسد رسالة الفن التواصلية كأسلوب تواصلي بين البشر، يتحسسه الجميع بل يقرب بينهم ويوحدهم بمختلف أنتماءاتهم الجغرافية والعرقية والأثنية، فهو رغم أستخدامه الخط العربي داخل لوحاته لكنه أستعمله بأسلوب فني ذو دلالات يقول عنه، أنه أشبه بحالة روحانية ليس لها دلالة مباشرة بل تعامل معه كحالة موسيقية راقصة.
الفنان السعودي زمان جاسم وهو يتسلم شهادة التكريم
ا الفنان العراقي كاظم دخيل
الفنان العراقي كاظم دخيل، ساهم بلوحتين (أكريل)، أمتازت بوحدة الموضوع والأسلوب، تناول فيهما علاقة المسرح وتأثيره في المجتمع، مبتعدا عن التجريد الكامل والأسلوب الأكاديمي البحت، عكست لوحاته طاقة لونية وفنية كثيفة، طالما أمتازت بها أعماله، فهنالك قوة تعبير متميزة وبأسلوب عميق متميز عن الأعمال المشاركة الأخرى.
الفنانة الكويتية مي عبد اللطيف السعد
الفنانة الكويتية مي عبد اللطيف السعد، لها ست لوحات (أكريل)، لأعمالها نكهة شرقية خاصة، ورغم العتمة التي لاحظناها في معظم لوحاتها، لكنها تمتاز بالثقة في تناول الموضوعات، مستخدمة النصوص الشعرية مستوحية منها روحية الشاعر وشعره، فقد تأثرت بالشاعرة الايرانية فروغ فرخزاد، والتي جسدت صورها وشعرها في العديد من لوحاتها، ففي أحدى لوحاتها تجد صور الشاعرة مع مقاطع وجدانية رقيقة من شعرها باللاتينية والفارسية والعربية، تبحث في أعماق الروح الإنسانية عن الثقب المظلم في دواخله، كما تناولت قضايا المرأة بجانب قضايا الرجل في أبعادٍ غير منحازة، فهي جسدت إنكسار وهزيمة الرجل، وفي لوحة أخرى هنالك إنكسار وهزيمة للمرأة، فليس هنالك فرق بينهما، ولكن لربما المرأة لازالت أكثر هشاشة في مجتمعاتنا الغافية لإشعار منتظر، ولربما تجد المرأة من يقف معها عند الإنكسار، كون شعوبنا تتعاطف مع المرأة، أما الرجل فأنكساره لربما أشد قسوة، وهي مع زميلتها ومواطنتها الفنانة سمر البدر يعملان بوتيرة ومدرسة فنية واحدة، وهما يكونان ثنائيا تشكيليا جميلا.
الفنانة الكويتية سمر البدر
الفنانة الكويتية سمر البدر من الأسماء المهمة، شاركت في العديد من المعارض العربية والعالمية كان آخرها بينالي فلورنسا 2005م، وأقامت عدة معارض شخصية، تقول سمر البدر عن رحلتها مع الفن (الشرق.. كلمة تعني العراقة والأصالة والجمال، كما تعني الغموض والسحر والإبداع، هذا ما أستلهمته من تلك الكلمة ثم نثرته على القماش والورق صورا علّها تعبر عما أكنه من حب وعشق لذلك الشرق العتيد والذي يشرفني انتمائي إليه ويشعرني بالفخر والاعتزاز.. إنها أكثر من صورة.. أكثر من لون على ورق.. هي لمسات من روحي ومواقف مست شغاف قلبي.. وومضات من مشاعري وحياتي.. أترى لوحتي نقلت ما شعرت به! اترك لكم أعمالي.. )، ان سمر تصفحت التاريخ وشمت عبقه وأحالته بأناملها الى نفحات من الإنبعاث الروحي والفني، فقد تناولت تاريخ تلك البلاد ومن حكايات شيخ مجول المصرب، والسيدة الانجليزية الليدي جين ديغبي، خطت بفرشاتها وبألوانها تلك الحكايات لتسلط الضوء على الحاضر بأسلوب فني رهيف. ((الشيخ مجول المصرب من شيوخ قبيلة السبعه من عنزة، الذي تزوج السيدة الانجليزية الليدي جين ديغبي.)).
فهي لها القدرة على نقل مواضيعها على اللوحة برهافة إحساس التاريخ لكن بروحية مختلفة وإحساس حداثي، جميل، تقول عنه عليّ أن أسعد الناظر فنحن جميعا تعبى، فأحاول ان أجعل المشاهد الى لوحاتي يفرح وأنقله الى عوالم وأجواء مريحة.
الفنانة السعودية الشابة فاطمة النمر
الفنانة السعودية الشابة فاطمة النمر تتناول في أعمالها (4 أعمال، أكريل)، حالة الأنسان المعاصر كمناخ متقلب بسبب التغيرات المتسارعة، وأسمت هذه اللوحات بـ "مجموعة كيان"، فالإنسان حاضر في أعمالها سواء كان رجلا أم أمرأة، وتقول، أنا عندما أرسم عملي أركز على الجسد الإنساني بكل تجلياته وحالاته كعنصر رئيسي في هذه الحياة، أحاول إعادة الأعتبار للروح الإنسانية، فجسد المرأة هنا مليئ بالنقوش والمعتقدات العربية والاسلامية والسعودية، فهي طلاسم الحب، لكنه ليس الحب فقط، فأردت من تناول جسد المرأة أن أقول نحن موجودات في المجتمع، وقادرات على العطاء، وإطلالة المرأة ضرورية، فيمكننا أن نبني، أردت أن أبين ثقافة المرأة وتفاؤلها وطموحها بأن تزيح الإنغلاق، وتساهم في بناء المجتمع. لقد جسدت فاطمة كيان الرجل والمرأة جسدا وروحا بروحٍ عفوية رهيفة.
لوحة من أعمال الفنانة العراقية صبا حمزة ساهمت بـ (عملان أكريل)
الفنان القطري محمد العتيق الدوسري
وكان مسك ختام اللقاءات مع رئيس المجموعة الفنان القطري محمد العتيق، والذي بذل جهودا مشكورة لإقامة هذا المعرض، يقول عن أعماله (6 أعمال من القماش والأكريل)، أردت الدخول الى عوالم ومناطق بعيدة عن المتناول، دخلت من الأبواب القطرية القديمة لأستوحي منها، فالمسمار عندما نزيله يبقى أثره في المكان، فتجد هنا الكولاج والحبال، فهي مواد تمس حياتنا السابقة، كوني خليجي، تناولت شجرة السدرة المشهورة في الخليج، لكنني طرحتها بشكل معاصر، مع روح التقنية الحديثة، ومن خلال أشياء بسيطة مهملة في حياتنا، أردت ان يهتم بها ويركز عليها، وبعيدا عن المتناول من المشاهد العامة والمرأة، أنا أصور العديد من المشاهد البصرية التي أريد إيصالها، الخلاصة: الفكر حيث يضع الفنان بعداً فلسفيا، يعتمده مع نفسه، يريد أن يبرزه للآخرين، وأن يقول لهم شيئا.
ومن الفنانين المشاركين الذين لم يحضروا، كريمة الشوملي من الامارات، هيسه من قطر، موسى عمر من عمان، صبا حمزة من العراق، نبيلة الخير من البحرين، جعفر العريبي من البحرين.
وشهد يوم الاحد 15 نيسان لقاءا مع الفنانين في قاعة العرض، تحدثوا فيه عن تجاربهم في أجواءٍ احتفالية وتكريمية حميمية حضرها السفير المفوض بالسفارة العراقية الدكتور حكمت داود جبو، ورئيس الملحقية الثقافية الدكتورة بتول الموسوي ورئيس المركز الثقافي العراقي في ستوكهولم الدكتور أسعد الراشد، كما تم تقديم العديد من الأغاني العراقية من قبل الفنان عبد نور، وألقى الشاعران أحمد العزاوي ومحمود بدر العديد من قصائدهما.
لقد كان المعرض رسالة محبة وسلام وتعارف بين الفنانين التشكيليين العرب، وعكس الروحية الراقية المشتركة بينهم، وتستحق الفنانة العراقية الرائعة أشنا أحمد وساما لمبادرتها هذه، والتي حرصت وهي على الكرسي المتنقل بعد عملية جراحية أجريت لها، ان تكون وسط الجميع وهي تشع الفرح والمحبة بين الجميع.