مستويات عالية منه في المنتجات الغذائية تؤدي دورها في انتشار السِّمنة
غالباً السكر الذي نتناوله يتجزأ ويجري امتصاصه بكميات صغيرة في الأمعاء الدقيقة. وتقوم مجموعات من الإنزيمات المتخصصة بمهاجمة الجزيئات الكبيرة له لتحويلها الى ثلاثة انواع من السكريات البسيطة، اهمها الغلوكوز glucose، وكذلك ايضا الغالاكتوز galactose (جزء من اللاكتوز lactose سكر الحليب) والفركتوز fructose سكر الفاكهة). كما ان هناك خطوات اخرى قليلة اضافية لتحطيم النشويات في الخبز والبطاطا وما شابهما، لكن وفي نهاية المطاف ينتهي الامر بالنشويات الى التعرض الى المصير الهضمي ذاته.
ويقوم الكبد بحصافة بتخزين بعض الغلوكوز الممتص على شكل غلايكوجين glycogen، وهو جزيئة يمكن تحويلها ثانية الى غلوكوزعندما نتوقف عن الأكل لفترة من الزمن. لكن اغلبية المواد السكرية يجري توزيعها فورا، مما يعني ارتفاع معدلات الغلوكوز في الدم ويصبح البنكرياس منغمسا في العمل، حاقنا الانسولين الذي تحتاجه خلايا الجسم لتحويل الغلوكوز الى طاقة.
* مؤشر السكر الارتفاع المفاجئ لنسبة الغلوكوز والانسولين بعد الوجبات الغذائية هو طبيعي جدا ولا يمكن تفاديه. ولكن اذا كان هذا الارتفاع عاليا جدا، وكثيرا ما يحدث، فانه مضر. وقد طوَّر الباحثون الكنديون «مؤشر السكر» (GI glycemic index) لتسهيل كيفية قيام الأطعمة المختلفة بالتأثير على مستويات السكر في الدم ومقارنتها، فكلما كان رقم GI عاليا كلما كان ذلك يعني زيادة أكبر في سكر الدم. وقد وجد عدد من الدراسات ان الاشخاص الذين يتناولون الكثير من الاطعمة العالية في المؤشر GI كالكعك والحلويات والمعجنات الحلوة والبطاطا والخبز المصنوع من الطحين النقي المكرر، يعانون من معدلات اعلى من مرض السكري والامراض القلبية.
وتأتي جميع خلايا الجسم مجهزة بإنزيمات تتيح لها التحكم بالغلوكوز. لكن الانزيمات التي تستقلب (أي تقوم بالتمثيل الغذائي) الفركتوز تدعى «فراكتوكنيز» fructokinase وهي موجودة فقط في خلايا الكبد. ولكن بالرغم من ان الفركتوز له دور في استقلاب الغلوكوز بشكل غير مباشر، إلا ان استقلاب الفركتوز هي عملية متخصصة. ونتيجة لذلك فان تناول الفركتوز يبقي مستوى غلوكوز الدم والانسولين ثابتا. واذا شكلت زيادة الغلوكوز والانسولين مشكلة كما يدل مؤشر GI فان استبدال الفركتوز بالسكريات الاخرى الموجودة في الطعام قد يكون هو الحل.
لكن المشكلة أعقد من ذلك بكثير، فرغم كل السوء الذي يسببه الغلوكوز والانسولين، إلا أنهما يحركان بعض التغيرات الهرمونية المساعدة، اذ ان مستويات الـ«لبتين» leptin وهو هرمون الشبع، او التخمة، الذي يمنحنا الشعور التام بالامتلاء، ترتفع عندما ينطلق الانسولين بكميات كبيرة، في حين تنخفض مستويات الـ«غيرلين» ghrelin هرمون الجوع. وثمة دلائل واضحة على ان الفركتوز له تأثير معاكس، لانه يخفض اللبتين، وبالتالي ليس من الضرورة الشعور بالامتلاء بعد وجبة غذائية غنية بالفركتوز، كما انه لا يخفض ال"غيرلين" كما يخفضه الغلوكوز. لذلك نبقى نشعر بالجوع. ولهذا السبب يرى بعض الخبراء ان الوجبات الغنية بالفركتوز تساهم في ازدياد النهم والتهام كميات اكبر من الطعام.
وثمة مشكلة اخرى وهي ان زيادة عملية التمثيل الغذائي للفركتوز تجعل الكبد ينتهي بفرز الشحوم الثلاثية التي تدور في مجرى الدم. وهذا ينطبق ايضا على الغلوكوز، لكن عن طريق استهلاك كميات اكبر.
* الفركتوز الفركتوز هو سكر طبيعي وتجده ايضا في العسل والخضار (بكميات قليلة) وطبعا في الفواكه. وليس جميع السكر في الفاكهة هو من الفركتوز. وهذا احد الاسباب (نقص الالياف السبب الآخر) في ان بعض الفواكه، كالبطيخ الاحمر (الرقي) مثلا يملك مؤشرا سكريا عاليا.
غير ان معظم استهلاك الناس من الفركتوز هو من الخضار والفواكه الذي تنخفض كميته بسبب ما يحصلون عليه من السكروز الذي يعرف عادة بسكر المائدة، او السكر العادي، ومن شراب (قطر) الذرة ذي الفركتوز العالي التركيز. والسكروز هو جزيئتان من السكر تتألفان من الفركتوز والغلوكوز. وشراب الفركتوز المركز من الذرة هو شراب جرت معاملته لزيادة مستوى الفركتوز فيه لكي يكون مذاقه حلوا. والتشكيلة الشائعة منه مؤلفة من 55 في المائة فركتوز و45 في المائة غلوكوز. وفي الولايات المتحدة حل شراب فركتوز الذرة المركز محل السكروز كمادة للتحلية، لا سيما في المرطبات وسائر الاطعمة الاخرى ايضا. وقد وصفته سالي سكوايرس محررة شؤون التغذية في «واشنطن بوست» بأنه أحط الدركات في عالم السكريات لكونه احلى من السكروز وأرخص منه كلفة، لكن بعض المستهلكين ينظرون اليه بعدم الثقة والرضا.
ويتساءل الخبراء عن مدى مسؤولية شراب فركتوز الذرة المركز عن داء البدانة المتفشي بين الاميركيين وارتفاع نسبة الاصابة بالسكري من النوع الثاني. واولئك الذين يرون مثل هذه العلاقة يلاحظون ان مشكلة زيادة الوزن لدى الاميركيين وزيادة تحلية المأكولات عن طريق هذا الشراب الذي يشك في امره حصلا في الوقت نفسه، كما يشيرون الى ان استقلاب الفركتوز كانت نتيجته زيادة نسبة الشحوم الثلاثية.
والمشككون في هذا الشراب يعتمدون على آراء وتحاليل كثيرة، خاصة ان السكروز وشراب فركتوز الذرة يحتويان على الكمية ذاتها من الفركتوز والغلوكوز (نسبة 50 الى 50 مقابل 55 الى 45)، لذلك من دواعي التساؤل ما اذا كانت تأثيرات الاستقلاب مختلفة الى هذا الحد، وكانت الكثير من دراسات التمثيل الغذائي قد استخدمت جميع المحاليل المكونة من الفركتوز. والمشكلة ان جميع السكر المضاف الى وجباتنا الغذائية الذي ليس له اي قيمة غذائية، ليس له شكل معين من هذا السكر.
ولكن الى اين يقودنا كل ذلك؟ بالتأكيد انه لاينبغي التوقف عن تناول الفواكه خشية الفركتوز الذي قد تكون بعض الابحاث الخاصة به مضللة، خاصة ان أغلبية انواع الفواكه غنية بالقيمة الغذائية والفيتامينات والأملاح والألياف، كما انها تملك القليل من الفركتوز والسكريات الاخرى.
ثم هل شراب فركتوز الذرة العالي التركيز مضر؟ من الصعب القول ذلك في هذه المرحلة، مع ان مسألة المرطبات المحلاة به واضحة ومقنعة، رغم انها قد تنحصر في زيادة عدد السعرات الحرارية.