يكاد لا يخلو بيت من بيوتنا (وأقصد البيوت المشيّدة، وليست تلك التي رصفها الفقراء من صفائح "التنك")، من المواد التي تتم صناعتها من عناصر ومركبات كيمياوية متعددة كمنظفات ومعقمات، أو مبيدات أو معطرات الجو، أو مواد طاقة كالنفط والبنزين وغيرها، الاّ أن شيوع استخدام تلك المواد يختلف حسب الحاجة أليها، فالمنظفات والمعقمات ومعطرات الجو هي الأكثر استخداماً.
توجد ثلاثة آلاف مركب كيمياوي في هذه المواد، 800 منها شديدة السمية و350 مركب يسبب تشوهات خلقية.
ويمكننا أن ندرج المواد التي يستخدمها الناس ولها تأثيرات مباشرة على الصحة، فتشمل: دخان التبوغ، المنظفات، المعقمات، معطرات الجو والنفثالين، النفط والكاز.
ولهذه المواد طيف واسع من التأثيرات ويشمل عدد من أجهزة الجسم، ولكن ومن خلال ممارسة المهنة أتضح أمامنا أن الجهاز التنفسي والجلد هما الأكثر تأثراً، ناهيك عن الجهاز الهضمي والعيون وغيرهما، وكذلك فأن معطيات التأثر تتحدد بـ :ـ
1. نوع وطبيعة المادة المؤثرة (هل هي حامضية التركيب أم قلوية، تركيزها ..الخ).
2. كمية المادة (بعض المواد يتم تناولها بالخطأ، فالتأثير وشدته يعتمد على كمية المادة السامة).
3. مدة التعرّض (تأثير أغلب هذه المواد يكون تأثيراً تراكمياً، أي بمرور الزمن وخصوصاً تأثيراتها على الجهاز التنفسي).
4. عمر الشخص (ما لا يقبل الشك أن الأطفال هم الأكثر والأسرع تأثراً بهذه الموالد خصوصاً وأن جهازهم المناعي هو في طور النمو، ناهيك عن أن أقل كمية ممكنة من هذه المواد تشكّل خطراً حقيقياً على حياة الأطفال بسبب صغر الأجهزة التي تتعامل مع هذه المواد كالكبد مثلاً).
التبوغ:
تناولنا في العديد من المرات تأثير التبوغ على الصحة الشخصية والعامة، ويعد التدخين أحد ملوثات الجو، فالمدخنون في البيوت أنما يساهمون مساهمة مباشرة في التأثير على الأخرين من غير المدخنين (وأعتقد أن وجود مدخن في البيت أنما كل أفراد العائلة يُعدون مدخنين).
تأثير دخان التبوع يكون أكثر وضوحاً لدى الأطفال، وأن تأثير دخان التبوغ وبكل أنواعه هو واحد، بل ومما زاد الطين بلّة هو الإضافات العطرية لتلك التبوغ فيجعلها أكثر سمية، حيث أن تحلل تلك المواد الى عناصرها الأولية السامة يعجّل من نفاذيتها الى الجهاز التنفسي وبالتالي امتصاصها من قبل الأنسجة المخاطية، علماً أن تأثير دخان التبوغ تراكمي حيث ينتهي الى أن تكون الدرجة السمية لمكونات التبغ عالية التركيز نادراً ما يتخلص الجسم منه.
لاحظنا وبالملموس أن فرد أو أفراد العائلة المصابين بمشاكل الجهاز التنفسي، تتفاقم مشاكلهم الصحية بسبب وجود مدخّن في البيت، وحقيقة مهما حاول المدخن أن يتجنب تأثير التدخين على أفراد العائلة فأنه لا يفلح في درئ المخاطر الحقيقية عنهم، خصوصاً الذين يعتقدون ببدائل السكائر كالناركيلة والسيكارة الألكترونية.
المنظفات والمعقمات:
وتشمل منظفات الملابس والأواني والأرضيات وغيرها ( مساحيق كمنظفات الملابس، سوائل كمنظفات الأواني ومنظفات الأخشاب، وسائلة تحتوي على مواد غازية كالكلور، جل كمنظفات الأرضيات، صلبة كالصوابين)، وكل الإحصائيات تشير الى إصابة ملايين الناس (وخصوصاً الأطفال) سنوياً وعلى مستوى أنحاء العالم بهذه المواد، والإصابة تحديداً تشمل التسمم جراء استخدام ما يقارب ألف مادة كيمياوية موجودة في هذه المنظفات.
أن الدراسات العلمية الحديثة تحذّر من المنظفات والمعقمات خصوصاً تلك التي تحتوي على تراكيب تعطل العصب الحسي وتلحق الضرر بالكبد والكلى والبنكرياس والجهاز العصبي المركزي.
أن هذه التأثيرات يمكن حصرها بـ :
1. الحساسية الجلدية والطفح وحروق جلدية والأكزما الكيمياوية.
2. حساسية العيون والأنف والبلعوم.
3. تناولها عن طريق الفم وألحاق الضرر بالكليتين والكبد وخصوصاً الأطفال والتي ربما تسبب الوفاة.
4. تعد مواد مسرطنة، وخصوصاً في الاستخدام المستمر لهذه المواد.
ولأجل أيضاح الأمر فلابد من ذكر الحقائق التالية:ـ
أولاً ـ تناول هذه المواد عن طريق الفم (خصوصاً الأطفال) يسبب تهرئ الغشاء المخاطي للمرئ وربما ثقب المرئ نفسه، بل وفي الكثير من الأحيان نحتاج الى تداخلات جراحية متعددة.
ثانياً ـ عدم شطف الأواني بشكل جيد بعد استعمال المواد المنظفة يؤدي الى إتحاد بقايا تلك المواد مع الأطعمة الساخنة وخصوصاً الإتحاد بينها وبين الكلور، فأن ذلك يسبب مشاكل صحية في الجهاز التنفسي والمعوي.
ثالثاً ـ أن السوائل المستخدمة في الغسالات الأوتوماتيكية تحتوي على مواد كيمياوية مضرة بالجهاز العصبي وكذلك مواد عالية السميّة للكبد ومواد أخرى كالفسفور والذي يسبب الطفح الجلدي والحساسية.
رابعاً ـ أذا لم يتم شطف الملابس بشكل جيد بعد غسلها، فأن المواد الكيمياوية يمكن أن يمتصها الجلد وتعبر الى الدم.
خامساً ـ أحد أخطر المواد الكيمياوية المستخدمة بشكل واسع هو الكلور (والمعروف محلياً بالقاصر) أنه مادة فعالة جداً، مخرشّة ومخدّشة، حارقة ومسرطنة، غالياً ما تسبب حساسية الجهاز التنفسي كونه مادة طيّارة وعالية النفاذية الى الرئتين وتسبب تقلصات شديدة في القصيبات الرئوية وبأمكان هذه المادة من أن تهشّم الحويصلات الرئوية.
سادساً ـ ملامسة الجلد لهذه المواد يحفز الجهاز المناعي ويتعامل معها كأجسام غريبة، فتتجمع الخلايا المناعية وتنقسم منتجة جزيئات بروتينية مضادة نطلق عليها الأجسام المضادة والتي يحصل بينها وبين الأجسام الغريبة تفاعل معقد ينتج عنه خروج محتويات نطلق عليها الـ (هستامين) والتي تمدد الأوعية الدموية في الجلد، مما يسبب تهيج النهايات العصبية مسببة الحكة والهرش والذي ربما يتطور الى الأكزما والتي ربما تتسبب بالالتهابات الجلدية الحادة أو المزمنة متمثلة بحويصلات وفقاعات وبثور. أن هذا النوع من الأكزما واسع الانتشار بين ربات البيوت اللاتي يكثرن من استخدام هذه المواد بشكل يومي وبدون استعمال الكفوف.
سابعاً ـ نسبة عالية من إصابات العيون تحصل بالخطأ وخاصة أثناء استعمال المواد السائلة وهي تحتوي على مادة حامضية أو قلوية والنوعين يشكلان خطراً كبيراً على العين، وإصابات العيون أما سطحية (تشمل الجفون والقرنية والملتحمة) أو عميقة (تسبب تهتك أنسجة العين)، وفي جميع الأحوال فأن الحالة تمتاز بحرقة شديدة، آلام، احمرار شديد، إفراز الدموع بغزارة، عدم القدرة على فتح العين.
ثامناً ـ للأطفال خصوصية خاصة في موضوعنا، ودون الخامسة من العمر تحديداً، والذين غالباً ما تتمثل إصاباتهم بتناول المواد السائلة والتي تسبب حروق حول الفم، حرق اللسان واللثة، نزف دموي وحروق الأغشية المخاطية أضافة الى تأثيراتها على المرئ والمعدة، ومن أخطر المضاعفات التي تحصل في المرئ هي الألتصاقات وتضييق مجرى المرئ، وكثيرة هي إصابات عيون الأطفال جراء ملامستهم لهذه المواد الناتجة عن إهمال الوالدين. أن شرب النِفط من قبل الأطفال ربما يتطور الى ما يُعرف ب(ذات الرئة الكيمياوي).
ـ يتبع ـ