سميح صباع شاعر غادرنا قبل الأوان

2020-07-13

سميح صباغ

انت حي بشعرك أيها الشاعر !!

 

تحل في هذه الأيام، الذكرى السنوية لوفاة الشاعر سميح صباغ الذي رحل قبل أوانه، مخلفا وراءه تراثا شعريا أصيلا في مضمونه، ورائعا في أصالته الفنية، وساحرا في صياغاته ورؤيته الشعرية، وبليغا في لغته وحلمه الإنساني .

ولد الشاعر سميح صباغ، لعائلة مستورة الحال، في 1947 – 06 – 19 في قرية البقيعة التي تقع في الجليل الأعلى من بلادنا فلسطين، ذو الطبيعة الساحرة. يقول الشاعر حسين مهنا، أقرب أصدقاء سميح : ' كان لقرية البقيعة الجليلية، وطنه الصغير هذا ... نصيب وافر من العشق الصوفي الذي ألهمه بواكير قصائده متغنيا بعيون مائها وخضرة هضابها وعبق عبيرها ... مؤمنا إيمانا مطلقا بأن من اتسع قلبه لقريته اتسع لهذا العالم... '

على مقاعد الدراسة الثانوية تفتحت شهية سميح للأدب العربي وللشعر العربي، وقرر أن يكون معلما للغة العربية التي أضحت معشوقته الأبدية، فالتحق بعد الثانوية بدار المعلمين العرب في حيفا .

سميح صباغ لم يلفت أنظار نقاد أدبنا المحلي، فهو من ' قبيلة قليلة عددها'، ولا يمت بصلة القرابة أو الصداقة أو الجيرة أو المصالح السياسية – الأدبية لأي من نقادنا في زمن حياته القصيرة والثرية بالإبداع الشعري . وما عدا مراجعة أو اثنتين، نسي سميح، واندثرت ذكراه الاّ من قلوب القليل القليل من محبيه شاعراً وانساناً .

كنت قد كتبت مراجعة ثقافية عن ديوان سميح صباغ الكامل الذي صدر بعد وفاته، ونشرته في كتابي 'الآنطلاقة' الصادر عام 2002 عن دائرة الثقافة العربية في الناصرة، وأجزم أن ديوان سميح لم يلق أي التفاتة ثقافية أخرى .

بأسى شديد أقول ان تجاهل الشاعر سميح صباغ ، هو معيار سلبي يعكس حالتنا الثقافية ، حالة تردي المقاييس الثقافية، وغياب الذائقة الأدبية .

حقا لم يكتب في سنواته الأخيرة الشعر .. ربما حالته الصحية الصعبة انتصرت على الشاعر وأصمتته. وهو الذي عاش حياته متحديا رافضا الذل، فكان منذ بداياته على وعي سياسي ووطني أصيل ، كانت فترة نشوئه هي فترة سيطرة الحكم العسكري على جهاز التعليم ، وعلى كل تفاصيل حياتنا .

 أفتقد اليوم هذه المصداقية الأدبية والانسانية التي ميزت شعر سميح صباغ، افتقد للموقف الانساني المستقيم الذي لم يتردد في دفع أغلى ثمن يملكه الانسان، ثمن لقمة العيش في سبيل المصداقية الشخصية والأدبية .

ان تجاهل هذا الشاعر الأصيل الرائع والمبدع والجريء سياسيا وثقافيا، في فترة سوداء وبالغة الصعوبة من تاريخنا السياسي والثقافي .. هو أمر مخجل لنا ثقافيا، ومخجل أكثر حين نقرأ عن مهرجانات التبجيل والتتويج لشعراء بلا لغة وبلا ثقافة وبلا أبسط رؤية أدبية وفكرية، ولندوات شعرية بلا شعر، ولنصوص بلا معنى .

 تمر الأعوام وما زال التوهج الشعري في قصائد سميح صباغ متقدا، وأختصر كل الكلام في هذا الموقف المؤلم لاقرباء وأحباء شادي الريف (كما كان ينشر بهذا الاسم حتى لا يحرم من سلك التعليم، لكن الأمر لم يساعده وعرف من هو شادي الريف ولم يحصل على حلم حياته ان يكون معلما للغة العربية)– ولسميح صباغ ، وللغيورين على ثقافتنا ، أقول : انت حي بشعرك أيها الشاعر !!

يروق لي أن أعطي نموذجا شعريا كاملا لشاعرنا الراحل عنا والباقي في روح ثقافتنا، قصيدة نشرها في (1967–07–06) ووقعها باسم “شادي الريف” ومنشورة في ديوانه الكامل أقرأوا معي هذه القصيدة الرائعة:

اني بغير كرامتي لن أشبعا – للشاعر سميح صباغ

نغــم يضـج بجانبــي ملوعــــــا

يحكـي شكاياتـي فيقطــر ادمعــا

ارنو الى الماضي الكئيب مفجعا

فيكاد قلبـي ان يشــق الأضلعـــا

وتهــزنــي أصــداؤه فيــذيبنـــي

نغماً على لهب الحروف موقعــا

سنتان من عمري وليس بهيـّــن

عهد الشباب يمر أقتم موجعـــــا

حبسوا القصيد ولم يزل في مهده

رياّن يدفــق بالمشاعـــر طيّعـــــا

*****

 

يـا لقمـة حبست نشيــدي حقبــــة

ايظـــل لحنــي خلفهـــا متقنعـــــا؟!

قـدر يعـذبنــي ويـدمـي خاطـــري..

فينز من دمــي النشيــد ملوّعـــــا

دربان في قلبي الجريح تصارعــا

فوقعت بينهما اخاف المصرعــــا..!

قـيــد الطـغــاة بأضلعــي متربــــعٌ

ونداء حرفـي لــم يــزل متوجعـــا

يــا لقمــة وقــع الفـؤاد بقيدهــــا

انـي بغيـر كرامتـي لـن أشبعــــــا

سأخـط دربــاً لي، جديـداً نيّــــراً

فـي موكـب العمـال زاهٍ مطلعـــــا

ولسوف احكي للطغاة مصيرهــــم

بقصائدي والشعب يصنع مصرعا

تمر السنوات.. وما زال التوهج الشعري في قصائد سميح صباغ متقدا، وأختصر كل الكلام في هذا الموقف المؤلم لأقرباء وأحباء شادي الريف – سميح صباغ، وللغيورين على ثقافتنا، وأقول:

أنت حيٌّ بشعرك أيها الشاعر!!

 –nabiloudeh@gmail.com

 

 

 

نبيل عودة

 
- ولد في مدينة الناصرة (فلسطين 48) عام 1947.
درس الفلسفة والعلوم السياسية في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو .
كتب ونشر القصص القصيرة منذ عام 1962.
عمل نائبا لرئيس تحرير صحيفة " الأهالي 
شارك سالم جبران باصدار وتحرير مجلة "المستقبل" الثقافية الفكرية، منذ تشرين أول 2010
استلم رئاسة تحرير جريدة " المساء" اليومية .
يحرر الآن صحيفة يومية "عرب بوست".
من منشوراته : 1- نهاية الزمن العاقر (قصص عن انتفاضة الحجارة) 1988 2-يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها ( بانوراما قصصية فلسطينية ) 1990 3-حازم يعود هذا المساء - حكاية سيزيف الفلسطيني (رواية) 1994 4 – المستحيل ( رواية ) 1995 5- الملح الفاسد ( مسرحية )2001 6 – بين نقد الفكر وفكر النقد ( نقد ادبي وفكري ) 2001 7 – امرأة بالطرف الآخر ( رواية ) 2001 8- الانطلاقة ( نقد ادبي ومراجعات ثقافية )2002 9 – الشيطان الذي في نفسي ( يشمل ثلاث مجموعات قصصية ) 2002 10- نبيل عودة يروي قصص الديوك (دار انهار) كتاب الكتروني في الانترنت 11- انتفاضة – مجموعة قصص – (اتحاد كتاب الانترنت المغاربية)  

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved