اختلف سياسيان من كوستاريكا على كومة قذارة فعلها مجهول على الحدود المنزلية بينهما . تبادلا الشتائم والإتهامات، هتفوا بالشعارات، نظّموا القصائد الهجائية واحد ضد الآخر. قذفوا بمساعدة مؤيديهم الحجارة وما طالته الأيدي كل على منزل الآخر. جنّدوا أعضاء حزبيهما لمزيد من الصراع، رفعوا الشعارات ونظّموا المهرجانات دعما من كل واحد منهما لموقفه الذي يتهم جاره إنه المسؤول عن ذلك الشيء الكريه على الحدود الفاصلة بين منزليهما، أصبحت حكايتهما أشبه بحرب داحس والغبراء عند بدو الصحراء العربية .
الإتهامات تواردت، كتبت مقالات تشهيرية ضد بعضهما، لكن ذلك الشيء كريه الرائحة بقي كدليل يستعمله كل جانب ضد الجانب الآخر .
كان الصراع شديدا، المنتمين لكل جانب أججوا الصراع بالشوارع أيضا . تبادلوا الضرب بالأيدي، وعندما اعتقلت الشرطة بعض المشاركين بالأيدي بالطوشة السياسية بين الجانبين، هوجمت الشرطة واتهمت بالقمع السياسي والعمالة للإستعمار الأمريكي . وبقي الجمهور بحيرة وعدم معرفة دوافع وتفاصيل هذا الخلاف السياسي والكراهية العمياء بينهما، بينما عدوهما واحد .
الوضع رغم تأزمه الشديد، إلا أن المفاوضات لتشكيل كتلة سياسية تخوض انتخابات البرلمان، ضمانا لعدم البقاء خارج البرلمان الكوستاريكي وخسارة الدخل الشهري والتمويل السياسي للأحزاب، فرض نوعا من الهدوء، لكن التوتر لم يختف .
كان الزعيمان يتراشقان أيضا باجتماعات التفاوض لتشكيل قائمة برلمانية واحدة بكل التهم الممكنة، لدرجة اعتبار ذلك الشيء كريه الرائحة نتاج النشاط السياسي المبتذل، غير الوطني والمتهاون أمام السلطة العميلة للإستعمار الأمريكي التي يجب اسقاطها، لكن الإتفاق بين المعارضين ما زال متعثرا .
الحقيقة المؤكدة بالرؤية ان القائدان السياسيان، كانا يتبادلان العناق قبل كل لقاء ويشربان الويسكي سوية، ويتضاحكان، ويتهامسان بعيدا عن سائر الموجودين عن ضرورة التوحد والنشاط سوية من أجل الوصول لعضوية البرلمان وربما للتوزير في الحكومة الوطنية الجديدة، التي يمكن إقامتها بفضل انتصارهما، ويتهامسان ما ينتج عن التوزير من دخل إضافي هام وخدمات كبيرة، يمكن بجزء صغير جدا من هذه المداخيل بناء حائط مرتفع يمنع تكرار حدث مشابه بان يوجد شيء كريه الرائحة على الحدود الفاصلة بين منزليهما، دون التأكد من الفاعل، ربما هي عملية من عملاء الإستعمار لتفسيخ وحدتهما . وهنا يشتد الحوار وتعود الإتهامات التي تصر أن ذلك الشيء المقرف من فعل الطرف الأخر، لكن لمصلحة الوحدة، ومع اقتراب موعد الإنتخابات، بدأ تبادل الاتهامات يجري همسا وبدون ان ينتبه الأخوة المشاركين بمفاوضات الوحدة للاتهامات المتبادلة، وذلك ضمانا للوحدة الوطنية والانتصار المتوقع لهما والمشاركة بتشكيل الحكومة اذا توصلا لاتفاق.
عندما وصل الأمر لتحديد مكان كل واحد بالقائمة، اشتد الخلاف وعاد الصراخ، وتبادل الاتهامات، لدرجة مشاركة المتواجدين كل الى جانب سيده. بمثل هذه الحالة كان الجيران المنزعجون من الضجيج، يطلبون الشرطة، فما ان تسمع صفارات سيارات الشرطة، وإذا الهدوء يسود وتجهز القوة، وتوزع الفناجين، وتدخل الشرطة وترى ان شكوى الجيران مبالغ فيها وان ما يجري هو تبادل حديث ورواية طرائف وضحك، وكأن ما يجري جلسة انس ومسامرة بين أصدقاء بالروح. ولا يتبق امام الشرطة الا الطلب بأسلوب لطيف ان يقللوا من ضجيج ضحكاتهم التي تزعج الجيران.
لكن المشكلة لم تحل، وكان وقت الانتهاء من تشكيل القائمة البرلمانية يقترب من نهايته.
أقيمت لجنة وفاق عامة من شخصيات لها خبرتها في حل المشاكل وعقد رايات الصلح العشائري بين العائلات فانتدبت لبناء التفاهم والصلح بين السياسيين، ضمانا لأن ينجحوا بدخول البرلمان.
قررت اللجنة أولا ان تحضر خبيرا دوليا لفحص ذلك الشيء الكرية، لمعرفة صاحبه، وهذا سيحل 50% من المشكلة، والاقتراب من يوم الانتخابات كفيل بحل ال 50% المتبقية من الخلاف الشخصي في التركيبة البرلمانية. وقال رئيس اللجنة انه سيعد وثيقة يوقع علها القائدان، وانه لن يكشف تفاصيل الوثيقة حتى لا تتسرب لعملاء الاستعمار الأمريكي ويفشلوا الوحدة الوطنية بين المرشحان.
وعليه قبل اقتراح اللجنة ورئيسها.
استدعي خبير أوروبي، جاء مع مساعديه ومعهم مختلف الأدوات والمواد التي تساعد على تحليل ذلك الشيء كريه الرائحة لمعرفة صاحبه، وهو ما يحل 50% من الخلاف.
اخذت عينات للمختبر الميداني. جرى مقارنة العينات بارشيفات المواد المضرة الموجودة بسجلات المختبرات الأوروبية.
بعد أسبوع من الفحص والتحليل الكيماوي، والمقارنة، توصل الفريق الى نتيجة يمكن اعتمادها بنسبة 75%. بان الفاعل هو من عملاء دولة عظمى، لا يريدون تسميتها بالاسم حتى لا تسوء علاقة دولة الخبراء بالدولة العظمى المعادية لكلا الجارين، لأنهما يعلنان غيرتهما الوطنية صبحا ومساء. وان ذلك الشيء الكريه هو نوع من تدفيع الثمن لأعداء الدولة العظمى ورافضي سيادتها على وطنهم الكوستاريكي، الأمر الذي قد يشكل خطرا على بقاء شعبهم في الوطن ويقوي المؤامرة لترحيله والاستيلاء على ما تبقى من أراضيه، وايضا تفسيخ صفوفهما الوطنية وهزيمتهما في الانتخابات البرلمانية المقتربة. وعليه جرى استئجار شركة جمع النفايات لإزالة ذلك الشيء كريه الرائحة، وتعانق الجانبين، وتبادلا القبلات لكن على الجبين وليس على الفم وأعيدت الوحدة الوطنية واستبدلت شعارات الخلاف، بشعارات جديدة تبرز الوحدة والتآخي والهدف المشترك. لكن في الصباح الأول بعد ظهور نتائج الإنتخابات، ظهر جسم غريب جديد على الحد الفاصل بين منزلي الزعيمين، فتجدد الصراع وتبادل الشتائم، وعاد مؤيدي الجانبين للشوارع وهم يهتفون فريق ضد الآخر ويتوعدون بعضهم بعضا بالحساب العسير .