إسرائيل والفاتيكان: مفاوضات المقايضة بشأن القدس

2014-11-05
 
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f322008e-761e-4a41-9abb-f22d36432d3e.jpeg
لم تخرج ديانة غانمة من "نوسترا آيتات"، أي من برنامج حوار الكنيسة الكاثوليكية مع الأديان غير المسيحية عقب مجمع 1965، مثلما خرجت اليهودية. حيث اكتشفت الكنيسة الكاثوليكية على حين غرّة، بعد قرابة الألفي سنة، أنها كانت على ضلال طيلة تلك العهود في قراءتها للكتاب المقدس بشأن الذين هادوا. انجرّ عن ذلك انقلاب مباغت بمئة وثمانين درجة. فلسطين عانت من تبعات ذلك ولا زالت، وآخر فصول هذا التحول مفاوضات المقايضة بشأن المواقع المقدّسة الجارية بين إسرائيل والفاتيكان، والتي ستشهد في يونيو القادم آخر مراحلها.
منذ زهاء إحدى عشرة سنة والمفاوضات جارية على قدم وساق بين الجانبين، أي منذ الاعتراف المتبادل بين الدولتين سنة 1993. الصورة الرائجة أو المروَّجة عن تلك المفاوضات أنها تتعلق بالإعفاءات الضريبية من عدمها، وبموضوع التأشيرات لرجال الدين، وبالأوضاع القانونية لبعض المناطق المقدسة المسيحية والتي من مجملها عليّة صهيون، موضع العشاء الأخير للسيد المسيح مع حواريه، وهو المكان الذي يُرجَّح أنه يضمّ مقام النبي داود والمصلّى الصغير الذي يُعرف بكنيسة الحواريين. وقد بقي المكان طيلة عهود سابقة تحت رعاية عائلة الدجاني المقدسية إلى أن تم ضمّه إلى وزارة الأديان الإسرائيلية، وهو في الوقت الحالي في قبضة المتدينين اليهود.
في الحادي عشر من فبراير المنقضي أوردت صحيفة "لوسّرْفاتوري رومانو"، اللسان الرسمي لحاضرة الفاتيكان، بلاغا عن لجنة المفاوضات الثنائية بين الكرسي الرسولي وإسرائيل بشأن ترتيبات الاتفاق الجاري بشأن القدس. لم يشر البلاغ إلى مضامين الاتفاق، ولا إلى المقايضات الدائرة، واكتفى بإيراد قائمة طويلة بأسماء أعضاء الوفدين المشاركين من كلا الجانبين، دون أية إشارة إلى فحوى الاتفاقات. لم يثر الأمر تململا ولا تساؤلا في أوساط أعضاء الأسلاك الدبلوماسية العربية النازلة لدى حاضرة الفاتيكان، أو كذلك لدى ممثلية الجامعة العربية في روما، وكأن الأمر لا يعنيهم. لم يستفسروا مضيّفيهم عما يجري بشأن المدينة السليبة، وهو أضعف الإيمان في التقاليد الدبلوماسية.
الشيء الذي طفح على أعمدة الصحف الإيطالية، أن المفاوضات سائرة باتجاه القبول بالأمر الواقع، والإقرار بسيادة إسرائيل على القدس، مقابل الاعتراف بتسيير الفرنسيسكان، فصيل الرهبنة التابع لكنيسة روما، لموضع العشاء الأخير وإقامتهم القدّاس في المصلّى الصغير. أي الاستغلال التام مقابل التنازل التام عن الملكية. عملية المفاوضات تجري بقيادة المالطي أنطوان كاميلاري الذي خلف سلفه إتوري باليستريو، بعد أن أُبعد إلى كولومبيا جراء تورطه في التستر على عمليات فساد أخلاقي.
كأن العرب لا يعنيهم من الأمر شيئا، تجري المفاوضات مع الفاتيكان وباسم الفاتيكان، وإن تم تشريك بعض رجال الدين المسيحيين العرب. ذلك أن صياغة النص بين الطرفين لا تشير إلى عمليات الضمّ والاحتلال العسكري للأراضي الفلسطينية بعد 1967, وهو ما يعني التمرير باسم المسيحيين العرب المشاركين شكليا في المفاوضات لعمليات المقايضة. فبدون توضيح لنقطة الاحتلال 1967 فإن المفاوضات تمثل اعترافا ضمنيا بسلطة الاحتلال على تلك المواقع، ودحضا ونفيا للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. فالنص يستدعي تحويرا وإلا سيكون انحيازا فاضحا لإسرائيل ضد الحقوق الفلسطينية المشروعة، واعترافا بضمّ إسرائيل للقدس الشرقية. في وقت ينبغي أن يكون فيه جليا أن الاحتلال العسكري هو خطيئة ضد الله والإنسان، وأن اللاهوت الذي يبرر هذا هو لاهوت تحريفي وبعيد جدا عن التعاليم المسيحية. بناء على ما أقرته وثيقة "وقفة حق" (2009) الصادرة عن قيادات مسيحية فلسطينية مرابطة في الأرض المحتلة.
ثمة إضعاف للموقف المسيحي الفلسطيني، يروّج له عربٌ ويساهم فيه عربٌ، داخل البلاد العربية وخارجها. أحيانا ناتج عن ترديد ساذج لمقولات الكنيسة الغربية دون تروّ، وأخرى عن مشاركة مقصودة في هذا التمشّي. يدفع باتجاه جعل الميراث المسيحي في أرض فلسطين تحت الوصاية والانتداب الجديدين لكنائس غربية عابرة للقارات. والسعي لإعطاء الكنيسة الغربية صورة المخلص لمسيحيي البلاد العربية. أداته الأساسية في ذلك التخويف المفتعل من الإسلام ومن كل ما يمت بالإسلام، والتغاضي عن ممارسات الجانب الإسرائيلي. فالمشكلة في إسرائيل وليس في المسلم الفلسطيني الحزين. والتحليل الذي يجعل دواعي معاناة المسيحي الفلسطيني موزّعةً بالتساوي بين المسلم الفلسطيني وإسرائيل هو كما يقول المثل في بلاد المغرب: "الدبرة في الحمار أتوا بالحصان يكوُونه". والأوْلى بتلك الكنائس التي تذهب ذلك المذهب و"ألاّ تعمل على إعطاء غطاء لاهوتي للظلم الذي نحن فيه أي لخطيئة الاحتلال المفروض علينا" كما جاء في وثيقة "وقفة حق" المشار إليها. لذلك لم نستغرب حين قال بيير باتيستا بيتسابالا المكلّف الفاتيكاني بحراسة الأراضي المقدسة: ليس هناك اضطهاد (في إسرائيل) بل هناك حرية دينية، في تصريح لـ"فورميكي" بتاريخ 26-10-2013.

د. عزالدين عناية

 هو كاتب ومترجم تونسي متخصص في علم الأديان، أستاذ جامعي في جامعتيْ روما لاسابيينسا والأورينتالي في نابولي. حصل على الأستاذية والدكتوراه من جامعة الزيتونة في تونس في اختصاص الأديان والمذاهب

مؤلفاته

  • الدين في الغرب، الدار العربية للعلوم، بيروت 2017.
  • تخيل بابل: مدينة الشرق القديمة وحصيلة مئتي عام من الأبحاث،(ترجمة من الإيطالية)، تأليف: ماريو ليفراني، كلمة، أبوظبي 2016.
  • المنمنمات الإسلامية، ترجمة من الإيطالية، دار التنوير، لبنان 2015.
  • رسالة إلى أخي المسيحي، دار نون، رأس الخيمة 2015.
  • الأديان الإبراهيمية: قضايا الراهن، دار توبقال، المغرب 2014
  • العقل الإسلامي عوائق التحرر وتحديات الانبعاث، دار الطليعة، بيروت 2011.
  • نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم، دار توبقال، المغرب 2010.
  • الاستهواد العربي في مقاربة التراث العبري، منشورات الجمل، لبنان 2006.

ترجماته

  • الفكر المسيحي المعاصر، (ترجمة من الإيطالية)،دار صفحات، سوريا 2014.
  • السوق الدينية في الغرب، (ترجمة من الإيطالية)، دار صفحات، سوريا 2012.
  • أوروك: أولى المدن على وجه البسيطة، (ترجمة من الإيطالية)، تأليف: ماريو ليفراني، كلمة، أبوظبي 2011.
  • مدخل إلى التاريخ الإغريقي، (ترجمة من الإيطالية)، تأليف: لوتشانو كنفرا، كلمة، أبوظبي 2011.
  • علم الاجتماع الديني، (ترجمة من الإيطالية)، تأليف: إنزو باتشي كلمة، كلمة، أبوظبي 2011.
  • الإسلام الإيطالي: رحلة في وقائع الديانة الثانية، (ترجمة من الإيطالية)، تأليف: ستيفانو أليافي، كلمة، أبوظبي 2010.
  • الإسلام في أوروبا: أنماط الاندماج، (ترجمة من الإيطالية)، تأليف: إنزو باتشي كلمة، أبوظبي 2010.
  • عظام الحبار، (ترجمة من الإيطالية)، تأليف:أوجينيو مونتالي، هيئة أبوظبي للثقافة و التراث، أبوظبي 2010
  • علم الأديان، (ترجمة من الفرنسية)، 2009.

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved