ليس الجنون لدى المجنون بارزاً، بقدر ما هو
لدى العاقل الذي يُجَنّ، ذلك بأنه يستعمل جميع
قوى الذكاء، لكي يرفع بالعقل انفجار الحماقة"
(شكسبير)
كان عقد السبعينات من القرن الماضي في المملكة المغربية مهرجاناً ثقافياً. كان "الثقافي" فيه يعيد صياغة حتى مواقف "السياسي". وفي تلك الأيام كان اتحاد كتاب المغرب، خريطة قائمة ومشخصة.
وقبل ذلك، في الجزائر، أو في عقد الستينات، كان يكفي الاطلاع على قصيدة للشاعر الجزائري ابوالقاسم الخمار، للقول بأن الثقافة خيار الذين ينظرون الى المستقبل بثقة.
وفي بغداد، قبل 14 تموز ،1958 عندما كانت إحدى صالات السينما تعرض فيلماً أمريكياً، ولنقل إنه "الأرض الطيبة"، المأخوذ عن الرواية الشهيرة، فإن ذلك يعني تعالي الهتافات داخل الصالة المغلقة، بحياة الجزائر وفلسطين وعبدالناصر.
في بغداد أيضاً، قُبيل بداية عقد سبعينات القرن الماضي، كانت حديقة "اتحاد الأدباء العراقيين" تتحول إلى صالة مفتوحة من الأبعاد الستة، لأن أحدنا كان يلقي قصيدة، أو يقرأ بحثاً، أو يلعب دوراً في مسرحية.
ولمجرد إنعاش ذاكرة البعض، أذكر هنا أننا كنا نزور منزل القاص الراحل جليل القيسي في كركوك، لكي نلتقي ببعضنا، أو نتفكر في شأن قصة مترجمة، أو نقرأ قصيدة لشاعر نشرتها احدى الصحف السيارة.
وفي بيروت، في بداية عقد سبعينات القرن الماضي، تقدّمنا الشاعر الراحل خليل حاوي، صاحب قصيدة "اليعازر" الشهيرة، لكي نُنزل نزار قباني من منصة الشعر، لأننا شعرنا أن ثمة عطوراً فرنسية فائضة في تلك القاعة.
في الثمانينات الماضية، التقينا، نحن المجموعة العربية والجزائرية، في "مقهى جيفارا" قرب ميدان بورسعيد، بالجزائر العاصمة وألقينا "البيان السوريالي الأول" بصوت عال.
في مصر، قبل سنة، حضرت أمسية شعرية في "كرمة ابن هانئ". منزل "شوقي" المعروف، حيث أنشد شعراء مصر سحراً حلالاً.
وفي القاهرة، في الزمالك تحديداً، قبل سنة تحديداً، استمع جمهور من صفوة أدباء مصر، الى رجل منا يتحدث في شأن الخطاب العربي الصحيح.
تلك إشارات للثقافة العربية، عندما نذهب جميعنا، أو أغلبنا الى مصادر ثقافتنا. أما عندما نذهب الى ما يشبه "السوبر ماركت الثقافي" فإننا لا نجني غير الزبد.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com
juma_allami@yahoo.com