سياحةُ الانتحار لعبةٌ ترفيهيّةٌ مغايرة!

2010-12-11
سياح//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/5d1cd457-6092-41a3-abc1-2b1efffd77a6.jpeg ة الانتحار؟ يا إلهي.. استوقفني عنوان الإعلان المستهْجَن، وأنا أبحث في صفحات السياحة، فعاجلتُ الحروفَ لأًصِلَ إلى المعنى.. وكيف لا تعجب! عِشْ، تَرَ عجبًا!
شركةٌ خاصّةٌ بسياحةِ الانتحارِ ومُرخّصةٌ في سويسرا، تضمنُ لمَن يَرغبُ في التّرفيهِ عن نفسِهِ طرُقًا غيرَ مؤلِمة، وبتكاليفَ مقبولةٍ، كما تضمنُ مدافنَ ومقابرَ للأجانب، ممّن يرغبونُ في الانتحار!
تبريرُ الشّركةِ ومزاعمُها أنّه و"حسب تقريرٍ قدّمتْهُ منظّمةُ الصّحّةِ العالميّةِ فإنّ:
مليون وستمائة ألف شخص يقتلون سنويًّا بطرق عنيفةٍ، نصفُهم عن طريق الانتحار"، ففي كلّ عام يموت 873 ألف إنسان بعمليّات انتحار ناجحة ومختلفة التنفيذ!
أكثرَ من 63 ألف سويسريّ انتحروا عام 1995 دونَ مساعدةِ أحد، وأنّ معدّلَ الانتحار في الصين 287 ألف في العام، وفي بريطانيا يُماثلُ حالَ الصّين، وفي أمريكا معدّلُ المنتحرين 18.526 في العام الواحد، أمّا في فرنسا فهناك 40 ألف محاولة انتحارٍ سنويًّا، وفي اليابان 30 ألف ياباني سنويًّا، وتشهد الدّولُ الإسكندنافيّة وأوروبا الشّرقيّة نسبةً كبيرةً من المنتحرين سنويًّا، أكبر من دول آسيا وأمريكا اللاّتينيّة، ففي مصر 750- 1200 حالة انتحار، وفي اليمن بين الأعوام 1996- 2002 ما يزيد عن 4100 حالة، وفي الاردن اكثر من 1200 حالة، وفي السعودية اكثر من 700 محاولة قضى منها 470 حالة، وفي اسرائيل عام 1991 بلغ 1204 حالة، وعام 1997 بلغ 2400 حالة، وعام 2002 بلغ 6000 حالة، وفي ألمانيا عام 2007 بلغ 9402 ، وقد طالتْ يدُ الانتحار السجون والأسرى ففي فرنسا بحسب وزيرة العدل انتحر 75 سجينًا عام 2007، وَ 112 سجينًا عام 2008، لينخفض إلى 96 سجينًا عام 2009، عام 2009 بلغ عدد المنتحرين بالجيش الأمريكي 140 عسكريا، في أمريكا عام 2002 بلغ عدد المنتحرين أكثر من 31 ألف حالة وهنالك 5 ملايين أمريكي حاولوا قتل أنفسهم، و ويقدم نحو 25 الف شاب وفتاة على الانتحار في العام الواحد، ونسبة الانتحار زادت 60 بالمائة خلال النصف القرن الماضي!
وتُفيدُ الإحصائيّاتُ أنّ عددَ المنتحرينَ ثلاثةَ أضعافِ القتلة، ومحاولاتُ الانتحارِ والفعليّ عند الذّكور أكثرَ مِن الإناث، إلاّ الصين هي الدّولة الوحيدة في العالم الّتي يزيدُ فيها الانتحارُ بينَ النّساء عنه بين الرّجال، والأرقامُ مخيفة، فهناك 3000 حالة انتحارٍ في اليوم، ومقابلَ كلّ حالةِ انتحار، هناك 20 محاولة للانتحار.
وحسب إحصاءات الأمم المتّحدة، فإنّ هنالك 450 مليون شخص يعانون مِن اضطراباتٍ نفسيّةٍ وعصبيّة، وأكثر من 90 % مِن حالاتِ الانتحارِ يرتبطُ انتحارُهم باضطراباتٍ نفسيّة ويأسٍ وكآبة!
أمامَ الأرقامِ المُفزِعةِ الّتي ينهارُ الإنسانُ على أعتابِها انتحارًا، تنعقُ الغربانُ مُوَلوِلةً، ترثي حالَ هذا البرجَ البشريَّ البائسَ روحيًّا وما آلَ إليهِ، حينَ أخذتْ تصفُقُهُ رياحُ الظّلمِ العاتية، وتلطُمُهُ أمواجُ العصرِ الهادرة، وتُلوّحُ بهِ في فضاءِ التّيهِ والضّياعِ مناديلُ الغموض!
أينَ تحُطُّ نواقيسُ الذّعرِ والهلع بالإنسان يا ترى؟
أعَلى أرصفةِ الذّلِّ والتّهميش، تتناوشُهُ مناقيرُ العذابِ المعقوفةِ، فيذوي في بؤرةِ الفراغ كآبةً؟
أم علَى هاوياتِ القهرِ والعجْز، تنهشُ كرامتَهُ عيونُ الشّفقةِ الكاذبة، فتمتصُّ لبَّهُ وقلبَهُ كمدا؟
هل الانتحارُ خطيئةٌ فيها تعرّضٌ حقيقيٌّ لحربٍ روحيّة مع الذّات؟ أم هو جريمةُ قتلٍ، يُعاقِبُ عليها القانونُ والدّين مَن ينجحُ ومَن يفشلُ أيضًا؟ كيف؟
الانتحارُ بحسبِ المسيحيّة خطيئةٌ فادحةٌ، إذ هو تمرّدٌ وتجذيفٌ على سلطةِ الله وإرادتِه، حينَ يُقصّرُ الإنسانُ رحلةَ عمرِهَ، لتقودهُ خطاهُ إلى بحيرةِ النّار، وما مِن تبريرٍ يتشفّعُ له، لأنّ السّيدَ المسيحَ نفسهُ صُلِبَ من أجل الخطيئة، ليفتديَ المؤمنين بالله، والانتحار يراهُ الكتابُ المقدّسُ مساويًا للقتل!
كذلك الإسلامُ حرّم الانتحار، اعتمادًا عل الآيةِ (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ، إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)! (النساء)/ وهو أمر إلهيّ يجب ألاّ نخالفه. حديث شريف :عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا! فهل (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)[النساء:30]، فيالتخويف والترهيب رادع؟
في جميع الدّيانات والرّسالات السّماويّة، يُعتبرُ المنتحرُ في حُكم الجاني والمجنيّ عليه معًا، ودينيًّا يُعتبرُ قد أزهقَ نفسًا، ولا يجوزُ الصّلاة أو التّرحّم عليه.
لكنّ الإنسانَ في شرائحِهِ العُمريّة؛ أطفالاً وشبابًا، مراهقين وشيوخًا، بفئاته ذكورًا وإناثًا، جنودًا أسرى ومرضى، فقراء وأثرياء، مثقفون وأميون، يتدحرجُ بعضُهم على مدارجِ الانتحار، وما مِن سفوحِ إنسانيّةٍ تحمي أو تُضمّدُ جراحَ تُعسائِها، فتقفُ عقاربُ الضّمائرِ في عجْزِها أمامَ مساءلات تتلوع حسرة:
كيف بشيوخ تحوّط مسيرةَ عطائِهم مناخاتُ الاكتئاب، حينما يتمكّنَ منهم سلطانُ العجْز وقلّة الحيلة حتّى في خدمةِ أنفسِهم، فلا يجدون من يسعف كرامة شيخوختهم وعجزهم! وهل أشقى من أولائك؛ مَن امتدّتْ كفوفُ أعمارِهم بذْلاً وعطاءً وتضحيةً، لينتهي المطافُ بما يقابلونَهُ من قلّةِ رعايةٍ وعنايةٍ ورأفةٍ بشؤونهم الأساسيّة، وهُم في أمَسّ الحاجة للآخرين؟
كيف تَفرَغُ الحياةُ فجأةً مِن دفْءِ العلاقاتِ الأسريّة والاجتماعيّةِ والعواطفِ الحميمة، فلا تحتضن مراهقيها وشبابها وفتياتها وأطفالها وأناسَها بحنانٍ يقيها وحشة المآسي؟
كيف تتمكّن العزلةُ القاتلةُ على أبراج الإنسانيّة، وكيف تستولي والوَحدةُ على قِيمِها، فتنهارُ النفوس أمامَ جبروتِ المادّيّات؟
وهل أقسى من مشاعرِ اللاّجدوى في حياةٍ حافيةٍ مِن مباهجِها، وفارغةٍ مِن شحناتِ طاقاتِها؟
كيفَ نُغيّرُ أنماطَ سلوكيّاتِنا للأرقى، ونُخفّفُ مِن معاناةِ مَن نُبصرُهُم ونُجاورُهم، بحيث نُعزّزُ مكانةَ الإنسانِ الحيِّ منّا وفينا، في جميع مراحلِ عمرِهِ، حتّى لحظةَ تفيضُ روحُه، وهو يشعرُ بقيمةِ وجودِهِ المُبارَك، وفائدتِهِ المرجوّةِ لمجتمعِه؟
هل الانتحارُ جريمةٌ بجُلِّ أبعادِها ومقاييسِها دائمًا، أم أحيانًا؟ ما هي دوافعُ الانتحارِ والأسباب؟

آمال عواد رضوان

كاتبة ، شاعرة وصحفية فلسطينية، محررة الوسط اليوم الثقافي 
 لها : *1- بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/ عام 2005. *2- سلامي لك مطرًا/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/عام 2007. *3- رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2010. *4- أُدَمْوِزُكِ وَتَتعَـشْتَرِين/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2015. *5- كتاب رؤى/ مقالاتٌ اجتماعية ثقافية من مشاهد الحياة/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2012. *6- كتاب "حتفي يترامى على حدود نزفي"- قراءات شعرية في شعر آمال عواد رضوان 2013. *7- سنديانة نور أبونا سبيريدون عواد/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2014 *8- أمثال ترويها قصص وحكايا/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2015 وبالمشاركة كانت الكتب التالية: *9- الإشراقةُ المُجنّحةُ/ لحظة البيت الأوّل من القصيدة/ شهادات لـ 131 شاعر من العالم العربيّ/ تقديم د. شاربل داغر/ عام 2007 *10- نوارس مِن البحر البعيد القريب/ المشهد الشّعريّ الجديد في فلسطين المحتلة 1948/ عام 2008 *11- محمود درويش/ صورة الشّاعر بعيون فلسطينية خضراء عام 2008 صدرَ عن شعرها الكتب التالية: *1- من أعماق القول- قراءة نقدية في شعر آمال عوّاد رضوان- الناقد: عبد المجيد عامر اطميزة/ منشورات مواقف- عام 2013. *2- كتاب باللغة الفارسية: بَعِيدًا عَنِ الْقَارِبِ/ به دور از قايق/ آمال عوّاد رضوان/ إعداد وترجمة جَمَال النصاري/ عام 2014 *3- كتاب استنطاق النص الشعري (آمال عوّاد رضوان أنموذجًا)- المؤلف:علوان السلمان المطبعة: الجزيرة- 2015 إضافة إلى تراجم كثيرة لقصائدها باللغة الإنجليزية والطليانية والرومانيّة والفرنسية والفارسية والكرديّة. * 
الجوائز:
*عام 2008 حازت على لقب شاعر العام 2008 في منتديات تجمع شعراء بلا حدود. *عام 2011 حازت على جائزة الإبداع في الشعر، من دار نعمان للثقافة، في قطاف موسمها التاسع. *عام 2011 حازت على درع ديوان العرب، حيث قدمت الكثير من المقالات والنصوص الأدبية الراقية. *وعام 2013 منحت مؤسسة المثقف العربي في سيدني الشاعرة آمال عواد رضوان جائزة المرأة لمناسبة يوم المرأة العالمي 2013 لابداعاتها في الصحافة والحوارات الصحفية عن دولة فلسطين. وبصدد طباعة كتب جاهزة: *كتاب (بسمة لوزيّة تتوهّج) مُترجَم للغة الفرنسيّة/ ترجمة فرح سوامس الجزائر *كتاب خاص بالحوارات/ وستة كتب خاصة بالتقارير الثقافية حول المشهد الثقافي في الداخل *ستة كتب (تقارير ثقافيّة) حول المشهد الثقافي الأخضر 48: من عام 2006 حتى عام 2015

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved