يفسر شيوخنا الأجلاء أن التعدّد بسبب النسبة العالية للنساء في العالم. غفل شيوخنا أن في العالم أيضا مجتمعات يزيد فيها الرجال عن النساء، وترتبط المرأة بأكثر من زوج واحد وتجمع بينهم في نفس الوقت. تحضرني اشكالية تعدد الزوجات أو الأزواج كإيجاد الإختلاف في لعبة الفوارق. ذلك أن في المجتمع الشرقي تعدد الأزواج (بوليجامي) هو المصطلح الذي يشير إلى زواج الرجل من أكثر من امرأة، وما يعرف بعدد الزوجات (بوليأندري) ولو أن الغالبية العظمى من الرجال في تلك المجتمعات يرفضون شراكة زوجة واحدة إلا أن الأمر في النهاية مألوف عندهم. والأزواج هناك يعيشون في منزل واحد كما هو الأمر عندنا إلا أن الصورة معكوسة، ويقومون بمسؤولية الواجبات المنزلية كالطبخ وتنظيف البيت وتربية الأطفال وإطعامهم كدور المرأة في مجتمعاتنا. ونجد هذه الظاهرة في "التبت" التابعة للصين وفي النيبال ونيمبا وسيريلانكا. وفي بعض القبائل الدينية المنغولية، وقبائل دينية في الصين وفي أمريكا الجنوبية وقبائل صحراوية من قارّة إفريقيا، وعند قبائل "الماساي" في كينيا وشمال تنزانيا ونيجيريا. وأنواع تعدد الأزواج عندهم شكلا من تحديد النسل. فإن الزوجة تحمل فقط مرات معدودة بغضّ النظر عن عدد الأزواج لديها. لو أن كل رجل في نظرهم تزوج امرأة واحدة سوف يزداد عدد السكان بشكل كبير. وعالجوا مشكلة الغيرة عند الأزواج "الضراير" بحكمة المرأة كما رضخ الأزواج لواقعهم الذي يحتم عليهم التعايش تحت ظل الزوجة، واستطاعوا أن يدبروا حياتهم الجنسية والحياتية بطريقة عادلة وبالصبر حين تكون المرأة في حالة حيض أو نفاس. مفارقة مناقضة في عالمنا العربي الذي يرى أن زواج امرأة من أزواج عدة أمر لا يقبله عقله، بحيث إن دعاها أحدهم وهي حائض، حسب قول أحد الشيوخ، ما دخل له هو في الأمر. عندنا لا يراعى إحساس المرأة ورغباتها الجنسية والنفسية. لنفترض أن الزوجة تحتاج زوجها في اليوم الذي سيذهب عند الثانية أو الثالثة أو الرابعة، ماذا عليها أن تفعل؟ هل تنتظر وكأنها في طابور حتى يأتيها الدور؟ وهل الحياة الزوجية هي فقط جنس ومتعة ورغبات؟ أين دور الأب مع أطفاله حين يتنقل من زوجة لأخرى؟ وهل الحياة هي الإكثار من الأطفال؟ ماذا عن تربيتهم ومنحهم الحب والعاطفة؟ هناك أزواج لهم أطفال كثيرون لا يعرفون طلباتهم ولا حاجياتهم ولا مشاكلهم.
في أوغندا ينتشر فيها عادة تعدد الأزواج والمرأة في بعض المناطق هناك تعمل في أماكن مختلفة وتفضل السفر والترحال بحيث يكون لها أكثر من زوج في أكثر من مكان، وهذا حال زواج المتعة والمسفار والمسياح عندنا. وفي حالة الإنجاب فإن الطفل ينسب في هذه الحالة إلي أمه ولا يهم مطلقا نسبه إلي أبيه. فالزواج في تلك المناطق البدائية، الرجال لا يفضلون العمل ويتركون فرصة العمل للزوجة لتتولى عبء المصاريف والنفقة والمسؤولية كما يقوم الزوج في هذه الحالة بأعمال المنزل التي تعتبر في الطبيعي والمعتاد من الأعمال التي تقوم بها الزوجة وفي هذه الحالة فهو تحت ظل امرأة.
في مجتمعنا هذا الأمر مستهجن. فالمجتمع يستفيد من تعدّد الزوجات ولا يستفيد من تعدد الأزواج. فامرأة يقتل زوجها في حرب أو يقتل في حادث أو زوجة طلبت الطلاق لسبب ما. من الذي يحتويها هي وأبناءها. يرى شيوخنا أن المرأة تحتاج إلى ظل راجل. وأنا أوافقهم الرأي حين يقول بعض شيوخ التطرف وما أكثرهم على اليوتيوب: " ماذا عند المرأة من علم حتى تقدّمه إنما العلم للرجال." من طبيعة الحال نسائهم وبناتهم سيكن من غير تعليم ولا شواهد علمية تؤهلهن للإعتماد على النفس من غير الحاجة إلى ظل رجل. واللواتي يفضلن أن يكن ربات بيت حجال وعبء العمل خارج البيت للرجل. فلتقبل بمقولة ظل راجل ولا ظل حيطة."
تعتبر هذه المجتمعات في نظرنا بدائية وغريبة وشاذة بأعرافهم الإجتماعية، تكون فيها الأنثى هي العنصر البشري المسيطر والتي تقوم بأفعال لا تصلح إلا للرجل في المجتمعات العادية. في بنجاب الهندية يتزوج عدد من الرجال زوجة واحدة وقد يبلغ عدد الأزواج أحياناً ستة أزواج أو ربما أكثر. وإذا حملت الزوجة فيكون الولد الأول من نصيب أكبر الأزواج سناً والثاني للذي يليه وهكذا. ظاهرة تعدد الأزواج في المناطق البدائية الزراعية أمرا شائعا كما هو الحال قي افريقيا وفي آسيا كما هو الحال في التبت والنيبال حيث تكون المكانة الإجتماعية الكبيرة من نصيب المرأة نقيضها في مجتمعاتنا العربية التي فيها الرجال قوامون على النساء. يقول عالم الاجتماع "هيلمي زيا أولكن" لقد ثبت علي مر العصور قدرة الجنس الذكوري على السيطرة والاستمرار وذلك منذ بدء الخليقة، كما ثبت معه أيضا وتأصل مفهوم الزوج الواحد، لكن في بعض المناطق اعتاد السكان علي زواج المرأة من أكثر من رجل، وهذا ما نشاهده في منطقة Fratri باستراليا". ويقول " Hilmi Ziya Ülken" أيضا: "علي الرغم من أن ارتباط المرأة بزوج واحد هو المألوف، إلا أن هناك أسباب أخري دفعت المرأة إلي الارتباط بأكثر من رجل علي مر العصور منها الظروف الجغرافية والمشاكل الاقتصادية، حيث إنه في اعتقاد التبتيين أن زواج المرأة من أكثر من زوج سوف يمكنهم من تقليل عدد الأطفال وبالتالي يكونون قادرين علي تأمين مستقبلهم اقتصاديا إلي حد ما". في حين مجتمعنا الشرقي يشجع على التكاثر والتوالد وتعدد الزوجات. وخرجت لنا موضة جديدة في تحليل الحرام باسم الشرع والدين من مسيار ومسفار ومسياح ومتعة، من غير أن ننسى ملكات اليمين. ومثنى ورباع، وحين يريد الزوج أن يتزوج خامسة، موجود هناك حلّ حلال وشرعي. أن يطلق واحدة من الأربعة حتى يتزوج الخامسة. وفي حالة أنه يريد ابقاء المطلقة رقم أربعة ما عليه إلا أن يرجعها بزواج متعة وقد تبقى معه حياته كلها بعقد المتعة، فقط لايحق لأولادها أن يرثوا بعد وفاته.
مجتمعنا الإسلامي يشجع على التكاثر والزوجة الولود، ويرى أن تعدد الأزواج من امرأة واحدة يعطّل الرجال عن أرحام أخرى كان يمكن أن تحمل منهم. في حين تلك المجتمعات التي بها تعدد الأزواج يروا ذلك حلا للحد من التوالد بسبب ظروفهم الإقتصادية المعيشية البدائية. وبما أن مجتمعنا يشجع التوالد والتكاثر كما أن غيرة الرجل الشرقي وقلبه الرحيم الذي "يتألم" و"يتمزق" لنساء أخريات غير متزوجات، عوانس كانوا أو أرامل بدزينة أطفال. لماذا نراهم يركضون وراء الصغيرات الجميلات العذراوات، بل أن هذا الصنف من الرجال، يسافرون إلى البلدان العربية النامية ليفضون بكارة فتيات قاصرات مقابل مبالغ مال. ولايزال مجتمعنا العربي، يعج بأرامل ومطلقات وعوانس لا أحد يلتفت إليهن. كما لايزال مجتمعنا العربي الكبير مليء باطفال يتامى منهم منتشرين في الشوارع يتسوّلون أو ينظفون زجاج السيارات في الشوارع ويتعاطون المخدرات. أين شيوخنا الذين يتفننون في فتاوى تشجيع الزنا باسم الشرع أن يجدوا لنا حلا لهؤلاء الأطفال المتسكعين من غير والدين أو قد تكون سبب انتشارهم في الشوارع نسبة الطلاق لسبب ظاهرة الزواج المتعدد؟
نعم، تعدد الأزواج مرفوض وغير قابل للعقل، بل يتقزز منه الأذن. وأن المنطق إذا تزوجت المرأة بأكثر من رجل فمن تطيعه منهم؟ وماذا لو أمرها هذا بأمر وأمرها الآخر بخلافه؟ وماذا لو طلب منها أحدهم أن تصحبه في سفره أو تسافر لتقيم معه في مكان بعيد وطلب منها الآخر خلاف ذلك؟ الجواب أن ذلك المجتمع الذي يعدد الأزواج، المرأة هي التي تأمر وتنهى وتطلب وتمنع لأنها هي القوامة إقتصاديا على أزواجها. أما التعجيز الثاني للذين يعارضون فكرة تعدد الأزواج ويجدون الحل لمعرفة الطفل من أبوه بين أولئك الأزواج بواسطة تحليل الحامض النووي تغاضوا على أن في هذا الأمر امتهان كبير للمرأة ونهب لحقوقها وتعريض الزوجة للفاحشة الصريحة والدعارة الرخيصة بحجة القدرة على تمييز نسب الأبناء. لكن الرجال في مجتمعاتنا يمكن أن يثنّون ويثلثون ويربعون ويملكون ويسبون فتلك ليست دعارة وإنما حلالا وشرعا.
فلنترك بصمة على تعدد الزوجات والأزواج ونقول بصوت صارخ أن كلاهما فاحشة وزنا لا يقبلها عقل الإنسان ولا حتّى الحيوان.