تعلقي بالنخيل

2021-06-21

في عام 2001 وعندما كانت شركات قصب السكر تلوّث مياه كارون، فغدا الماء غير صالح للشرب، أنشأت الحكومة أماكن لبيع الماء الزلال .
وكنا نشتري كل برميل بلاستيكي (20 ليترا) بـ 750 ريالاً إيرانياً، وكنت أجلب برميلين في كل مرّة على دراجتي الناريّة . 

ليس هذا ما أردت أن أجنح إليه، وإنّما كنت ولا أزال أحبّ النخيل حبّا شديدا حتّى عزمت على أن أشتل فسيلة عند باب بيتي، وتحديدا على الرصيف حين كنت أسكن حيّ العبّارة في المحمّرة .
ولكن كلما حاولت وشتلت الفسيلة، ماتت بعد فترة قصيرة أو طويلة، وباءت محاولتي بالفشل، فحزنت كحزن الفلّاح الذي يفقد نخلة (برحيّة) مثمرة .

ولم تنجح اقتراحات أصدقائي الكثيرة، منها : أن ألفّ الفسيلة بكيس جنفاصي، أو أن أزوّد الأسمدة الحيوانيّة، أو أن أبدّل التراب بتراب أحمر ...
حتّى جاءني صديق من قرية (الشنّة) بفسيلة، وقال إنّه يعرف أين تكمن المشكلة، إنّ المشكلة تكمن في الماء الذي أسقي به الفسيلة .
فشتلها بيده ولفّها بسعف النخيل الذي جلبه معه وشدّها شداً قوياً، ثمّ قال متفائلا :
اسقها بماء عذب، وسترى أنّها سوف تثمر لك رطبا جنياً بعد أقلّ من خمسة أعوام .

ودأبت أسقي الفسيلة من الماء العذب الذي أشتريه من الصهاريج وأنقله بالدرّاجة .
فكنت كلما شربت كأسا، تذكرت الفسيلة فخرجت فسقيتها كأسين .
وبين شتل الفسائل وزرع النواة، أخيراً أصبح السعف يتراقص في طرفيّ باب المنزل؛ ما يدلّ للطارق على أنّ هذا البيت بيت عربي .

وعندما عزمت أن أغيّر محلّ سكني وأشتري بيتا في حيّ آخر، كنت أدخل مع أمّ شروق في العقارات المعروضة للبيع ونتفحص الحُجر والمطبخ والصالة والحيطان وكلّ شيء .
لكنّني لمّا رأيت النخلات في باحة أحد البيوت في حيّ بستان، لم أدخل مع أمّ شروق لأرى الحجر والمطبخ والصالة، وإنّما وقفت أتأمّل النخلات، أنظر إلى جذوعها وسعفها وجمالها نظرة ذي علق، وقد أذهلني جمالها وخلب عقلي وقلبي خلبا ! فأخبرت زوجتي بأنّي رغبت البيت .
قالت في دهشة : ولكنك لم تر الحجر بعدُ !
وسرعان ما اشتريناه .

وتراني عندما نتمشى في شوارع المحمّرة وكثيراً ما نتمشى ليلاً، ونجد جذع نخلة ممدوداً، أقف حزيناً أحدّق فيه وألوم من اقتلعه، حتّى تجرّني أمّ شروق من يدي لنواصل المشوار، أو بالأحرى لتبعدني عن الجذع المقتول لتقلّل من حزني .

هذا بعض الوصف لتعلقي بالنخيل وبأرض النخيل، فما بالك بأبناء أرض النخيل إذا ما مسهم أيّ مكروه، أو نزلت بهم أيّة نازلة، أو تطاول عليهم أي حاقد ؟!
حزني عليك يا نوارس الأهواز طويل !

 

سعيد مقدّم أبو شروق

 مدرس فرع رياضيات

يسكن  الأهواز

نشر قصصه في العديد من المواقع

نُشرت له مجموعة من القصص القصيرة جدا

saeed135057@gmail.com

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved