تالا : طفولة محجوبة

2021-01-25

ما وصلنا من شفاه جداتنا، ثم قرأنا بعضاً منه في كتب الأساطير، كيف تحول واقعاً كونيا ؟ أعني كيف يتم أسطرة الواقع ؟ ومتى ؟ الآن ونحن في زمنٍ زعيمه العلم التقني وتنويعات العلم والعلوم ؟ أليس في ذلك : خرافة حداثية !! دمغتنا جميعا ؟ في الإساطير سمعنا أن طفلاً عاش مع الذئاب ؟ أو طفلة تربت مع صغار الدببة . ولأسباب حكائية استطاعت تلك الحكاية إقناعنا . لكن الآن ومن خلال وباء كورونا : انعكست ظلال الوباء على جيل لم يتجاوز عمره السنة أو نصف السنة، ضمن هذا الجيل : حفيدتي تالا.. سؤالي الآن عن تالا ومستقبل تداعيات ذاكرة تالا حول طفولتها .

حفيدتي من مياه ٍ وقمر، هي رابع أقمار عائلة أبنتي،  قبل البلاء الكوني بخمسة أقمار هبطت لنا تالا، فازداد الضوءُ ضوءاً ومسرات .

في زمن  الكورونا، وتخوفنا من كل شيء، صار البيت بالنسبة لها هو الكون، وصارت عائلتها هي كل  البشرية، لا تعرف من المجرات سوى غرف البيت، يومها لا ليل فيه ولا نهار: فهي

لم تر الشمسَ ولا القمر...

 معذورة تالا، ويحق لك الصراخ حين صحبك أبواك في نزهة عائلية، فرجعت مع رؤيتك صخب الشارع ورجعّتِ أباك معك.. وها  أنا ضيفتك ولأنني كائن غريب متطفل على عالمك  تتوجسين مني وتحرمينني من لثمك وعناقك،  وتخافين حد البكاء إذا ما احتضنت أُخواتك،  ولا تريدين منهن ممازحتي وعناقي .

على بعد مترين تقفُ، تتأملني بحذر وقلق، أشعر من خلال بريق عينيها بالتوق لحضني،  تقلدني اذا ما ضحكت، تُميل رأسها وكفها اذا ما رقصّت شقيقتها.. فاستبشر خيراً وأسرع إلى ضمِها، فإذا بها تهرب باكية، ً تغطي بثياب أُمها وجهها . ثلاثة أسابيع وأنا أُحاول بكل عاطفة الجدة التقرب من تالا.. وتالا تحاول أن تفهم من أي كوكب أنا.. تالا تفكر، وربما تتهيأ بأفكارها لصد كائن فضائي او اسطوري .

لا ادري كيف تراني ولا ادري بأي صورة ستحفظني ذاكرتها .

البارحة حين غادرنا للنزهة مكثت مع أبيك ولوحتَ لنا بفرح، ربما هي فرحة التخلص من الكائن الغريب الذي هو أنا جدتها...

أحبك يا تالا، ولك الأعذار الكونية كلها،  لكن حبي لك كبير ولم تنالي منه شيئا ولا أريد لهذه  المحبة أن أُثلثها على شقيقاتك .

احتفظُ بالربع الخاص بك يربو مع الايام، ومعك، ومعهن، لعلك وبمرور الوقت تستوعبين عالم أُسرتك الكبيرة، كوني معي ونحن نترقب وندعو ونشتاق : الأيام النظيفة المقبلة نحونا على جياد بيض.. ويترجل لك القمر من جواد أشهب ومن عربة مذهبة تطل عليك شمس الصباح، ولا ترين وجوها ملثمة بالأزرق أو الأسود.. تتدفق الشوارع تحت قدميك وتتقافز الأسماك من أحواضها : تحية ً لك ومن راحتيك الناعمتين يلتقط عصفور أزرق فطوره، ومظلتك من رفرفة الهديل، وتلوحين بيدك اليمنى للمارة فيرشقونك قبلاتٍ من هواء نقي صريح..

 

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved