ثقافة الحب وتجديد الثقافة من الهاوية الأخيرة

2022-03-05

الثقافة الفكرية والتربوية والمنهجية والإدارية والسياسية والاقتصادية والعلمية كل واحدة منها تؤثر على الأخرى باتجاه ايجابي أو سلبي معين فالدول التي تخوض الحروب والتي فرضت عليها الحروب بمنهجية عالمية وتخطيط وبمساعدة رخيصة داخلية من أهل البلد تذوي وتتحطم كل هذه الثقافات بين ليلة وضحاها، يقينا الحروب لا تترك إلّا آثار سلبية على الفرد والمجتمع خاصة بعدما أن تنتهي الحرب وتترك وراءها أزمات، رجال أو أحزاب أو أطياف يصنعون، يخلقون الأزمات ليبقون هم على كراسيهم وتبقى مصالحهم ويضربون مصالح المجتمع عرض الحائط، ما يلفت النظر الثقافة تسقط بسقوط الدولة بيد الإحتلال وإن كان من أهل البلد يمثلها فالاحتلال  الثقافي يجسد ثقافة هزيلة  برموز وصور مختلفة حسب نمط الثقافي للمحتل بتفكيك الثقافة الأصيلة للمجتمع لتصل إلى الثقافة الأسرية والسلوك الفردي الذي يتسبب بتدهور شكلها الأصيل وينشرها ليعود البلد والمجتمع لعهود الظلام الوسطى، فهل يا ترى ثمة بداية تلوح في الأفق لعصر نهضة ثقافية جديدة تبعث مفاهيم الإنسانية والرحمة والحب في الصدور ؟ وهل سيزداد الإهتمام بالقراءة والأدب والفنون ؟

وهل يبدأ الوعي الحقيقي يتخطى قيمته لا مجرد جني المال والجاه والمظاهر الكاذبة وإشباع الغرائز الحيوانية ؟ هل يبدأ العد التنازلي للفساد الذي وصل بعد بيع الوطن علانية إلى بيع النساء والأطفال والصبايا في سوق النخاسة والحياة ؟ نعم بدأت هذه المعاني والرؤى والمضامين والمفاهيم تلوح في الأفق من شدة وعمق رحم الموت والخراب والدمار والفقر وقلة الإنتاج وقلة الواردات وتفشي الغلاء والبلاء وشراهة الحيتان الرأسمالية وإظهار المناصب الطبقية وتتويج العنصرية،   إن الثقافة قادرة على جعل المدن أكثر ازدهاراً، والناس أكثر أمناً، وأكثر استدامة . ويجب أن يستخدم دور الثقافة كمصدر مستدام لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل المدن . هذا ما يُستنتج من التقرير العالمي لليونسكو الذي يتناول الثقافة من أجل التنمية الحضرية المستدامة والمعنون بـ "الثقافة  المستقبل الحضري"، والذي صدر العام الماضي، بالإنجليزية، في كيوتو، الإكوادور، بمناسبة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالإسكان والتنمية الحضرية المستدامة (الموئل 3) . ينتشر العمران بوتيرة سريعة في شتى أنحاء العالم والمتوقع، مع حلول عام 2030، وجود العديد من المدن الكبرى، بحيث يضم كل منها أكثر من عشرة ملايين نسمة . فالمدن الكبرى مثلها مثل المدن الصغيرة، تشهد زيادة في عدد المهاجرين والنازحين والذين يبحثون عن الأمان والسلام، وهذا يعكس زيادة التنوع الثقافي، الذي ينبغي استغلاله كمصدر من المصادر المستدامة التي تحث على الإبداع  والتجديد والتنمية الشاملة للجميع فالمدن باعتبارها مراكز للتبادل الثقافي وللتراث، تحث على استغلال المساحات العامة واستخدامها كوسيلة لتعزيز النقاش والتعبير الإبداعي والتفاعل الاجتماعي . وفي هذا الصدد صرح المدير العام المساعد لليونسكو للثقافة، فرانشيسكو بندارين، قائلاَ : " يجب أن ينصب تركيز المدن المستقبلية على " الأفراد " ( لاحظ قال الأفراد ولم يقل فئة معينة وسياسة معينة وحزب معين وثقافة معينة ..)، وعلى هذه المدن أن تصمد أمام العلاقات الموجودة بين المناطق الحضرية والريفية والمساحات العامة ذات الجودة، وذلك عن طريق توفير مبان ثقافية وبيئة طبيعية صالحة للعيش وهذا يتطلب اتخاذ قرارات مبتكرة ومتكاملة تضع " الثقافة " في صميم التخطيط والإنعاش للمدينة بهدف تحسين الاستدامة ومستوى عيش الناس، في كل هذه الصور المؤلمة أنا متفائل رغم كل هذا الخراب والتيه والضياع والمظاهر القاتمة، لابد أن تستيقظ الضمائر الحية وإن سقطوا حينا من الزمن في هاوية الاحتلال الفكري، ولا بد من دور كبير ومؤثر للمثقف، العالم، المفكر، الشاعر، الفنان، والسياسي النقي والإداري المخلص، والقرار الصائب وكل فرد يجسد قيمة الحياة الثقافية الراقية التي تسمو بالإنسان نحو ارتقاء ثقافة الحب والتجديد الثقافي الذي يظهر في مضمونها حضارة مدنية إنسانية عصرية متجددة، كل واحدة مرتبطة بالأخرى، فالذين يعبدون أصنام الكراسي والمناصب بلا تقديم خدمة للفرد والمجتمع سيأتي يوم وتتكسرهذه الأصنام وسيرميهم التاريخ في قمامة يتعفن فيها الجسد والفكر الوصولي، فالحروب التي مرت عبر التاريخ أعطت وتركت عبراً ودروساً في الحياة فالعجز الثقافي لا بد أن ينتهي فقد صنعته الحروب التي بنت على تجسيد إقصاء الآخر المختلف عنه والتعدي عليه واغتصاب كل حقوقه وموارده، وهذه تعتبر قمة الهاوية الثقافية الإنسانية الساقطة في وحل الاحتلال الفكري التي تعتبر الهاوية الأخيرة، وكأن السقوط في الهاوية الأخيرة هي الأمل الأخير للنهوض، لذلك فإنني متفائل إن ثقافة الحب التجديدية والثقافة التجديدية العصرية السليمة قادمة إن شاء الله .

 

عصمت شاهين دوسكي

كاتب وشاعر من العراق – دهوك

صدر له

مجموعة شعرية بعنوان ( وستبقى العيون تسافر ) عام 1989 بغداد .  ديوان شعر بعنوان ( بحر الغربة ) بإشراف الأستاذة المغربية وفاء المرابط عام 1999 في القطر المغربي ، طنجة ، مطبعة سيليكي أخوان . كتاب (عيون من الأدب الكردي المعاصر) ، مجموعة مقالات أدبية نقدية ،عن دار الثقافة والنشر الكردية عام 2000  بغداد .كتاب ( نوارس الوفاء ) مجموعة مقالات أدبية نقدية عن روائع الأدب الكردي المعاصر – دار الثقافة والنشر الكردية عام 2002 م . ديوان شعر بعنوان ( حياة في عيون مغتربة ) بإشراف خاص من الأستاذة التونسية هندة العكرمي  – مطبعة المتن – الإيداع 782 لسنة 2017 م بغداد .رواية " الإرهاب ودمار الحدباء " مطبعة محافظة دهوك ، بإشراف الأستاذ  الباحث في الشؤون الشرق أوسطية  سردار علي سنجاري ، الإيداع العام  في مكتبة البدرخانيين العام 2184 لسنة 2017 م .كتاب نقدي عن ديوان الشاعر إبراهيم يلدا عنوانه " الرؤيا الإبراهيمية بين الموت والميلاد " صدر في أمريكا وفي مدينة Des Plaines دسبلين ،،، الينوي،،،، ,في مؤسسة Press Teck .. بريس تيك ... 2018 .كتاب عن الأديب الرحال بدل رفو المغترب في النمسا بعنوان " سندباد القصيدة الكوردية في المهجر ، بدل رفو " طبع في سوريا ، مطبعة الزمان الدولية 2018 م  كتب عنه الأديب والإعلامي الكبير أحمد لفتة علي دراسة عن قصائده في كتاب عنوانه ( القلم وبناء فكر الإنسان ) صدر في دهوك عام 2019م

  • كتب أدبية نقدية معدة للطبع : اغتراب واقتراب – عن الأدب الكردي المعاصر .فرحة السلام – عن الشعر الكلاسيكي الكردي .

esmat_shaheen63@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved