"الخروج عن الوطن عقوبة"
(حديث شريف)
"طرق أحدهم باب منزله في ساعة من عصر أمس،
فلما فتحه قائلاً: "مرحباً بالضيف"، وجد أمامه امرأة عربية تقول له
: "أنا الساعدية، أنا الزاملية"، فكانت هذه الكلمات - بعون من الله".
***
ثلاثون حولاً ـ يا ابن الغريبة ـ انقضت، والهوى ميسان. وها أنت، كما أنت، منذ كنت، تحمل العراق في جراب على كتفيك، كأن الوطن هو مستقبل الذاكرة، وتردد مع ابقراط: " يُداوى كل عليل بعقاقير أرضه، فإن الطبيعة تنزع الى غذائها ".
نعم. دواء العليل عقاقير أرضه. فكيف حال الذي أرضه من الشام لبغدان، ومن نجد إلى يمن، ومن تطوان لخولان، ومن بُصرى لميسان، إلى الحيرة والرمس، وأوراس وخضرة المحيط؟
السلام على أرض العرب.
السلام على ضاد، هو غاية الأرب.
والسلام على غربة بأرض الضاد، هي نعمة وامتحان وحنين وتحنان، وشعر لا ينتهي، ومساقط حمى يلاعبها الماء، ويجالسها الرمل. فأنى يمّمت وجهك، فثمة الضاد، ومحمد، والصدق، والعهد، والبلد الأمين، وقيس وخولة وابن الدمينة.
والسلام على جالينوس، المخاطب كل غريب بقوله: " يتروّح العليل بنسيم أرضه، كما تتروّح الأرض الجدبة ببلل المطر" .
فأين أنت، يا مطر العروبة؟
بل، أين أنت، يا مطر الله، وقد التفت الساق بالساق، وقيل من ذا هو المشتاق، الى رقدة في ظل نخلة ميسانية، أو فزعة في يوم قارعة عربية؟
وما لنا لا نصاول الذين أخرجونا من ديارنا بغياً؟ ولماذا ننام غفلاً عن نفائسها، ويجول بين أرجائها الغرباء والأوباش واللصوص، وأبناء الجارية؟
ما لنا، رحماك يا رب المؤمنين والكفرة، صرنا كذلك الجالي عن أرضه ومسقط رأسه، فريسة لكل سبع، وقنيصة لكل ضار، ورمية لكل رام؟
فمتى - يا رسول الله - يبترد الفؤاد؟
ومتى.. ومتى..؟ و..
متى يستريح القلبُ؟ إما مجاورٌ
حزين، وإما نازح يتذكرُ
فلا تحزن ـ يا ابن لام ـ ولا تهن، وتوكل على رب الناس، إله الناس، وأدرع بطن السمكة العربية النافقة، وقل للناس: أيها الناس.
ما من غريبٍ، وإن أبدى تجلدهُ
إلا تذكّر عند الغربة الوطنا
ولطالما ناحت الحمائم، وهدلت اليمامات، وشقشق الخطباء، وقال الفصحاء: دلّونا، يا غرباء الديار، إلى الطريق، فقد طال بنا الطريق.
سلام عليك يا خير منزل.
وسلام على رفيق الحرف الذي بشرقان، الذي قال لي ذات يوم:
إذا اغترب الكريم رأى أموراً
محجّلة، يشيب لها الوليد
سلام للغرباء المهاجرين في كل مكان
جمعة اللامي
www.juma-allami.com
juma_allami@yahoo.com