تحية الى صديقي الطاهر الولي الزكي في صيف سنة 2006 نظمت مؤسسة الجاحظية ، اسبوعا ثقافيا في الجزائر، على شرف تجربتي الادبية ، اشتمل على لقاءات مع مثقفين وفنانين واكاديميين واعلاميين وطلبة ، في الجزائر العاصمة ، بمبادرة كريمة من الصجيق الروائي الطاهر وطار ، رئيس الجاحظية . وكانت تجربة مفيدة ومثمرة ومثيرة حقا . ومن بين عدة مقالات ، اعيد نشر المقال التالي ، هدية الى روح الصديق الطاهر وطار ، وتقديرا للثقافة الجزائرية على تعدد مصادرها ومنابعها .
( اللامي ) " وقائع " ـــــــــــــــــ الجاحظية : لا إكراه في الرأي تذكر"الجاحظية"، فيعرف المتتبع المثقف، أنك تقصد "الجمعية الثقافية الجاحظية" بالجزائر، ويعي المستشكل عليه أمرنا، الآن كما في ماضينا، أنك في حضرة "الجاحظ" و"البصرة" ومدرسة العقل في قديم العرب وحاضرهم، ولكن في الجزائر الآن. واذا ما حالفك الحظ، أو ألقت بك عصا الترحال، وزرت الجزائر (العاصمة)، فيمم وجهك صوب "شارع رضا حوحو"، حيث ستجد هناك مبنى أرضياً متواضعاً، هادئاً الى حد الصمت، ثم ادخله بسلام، من بداية المبنى، أو عبر الباب المفضي الى مقهى الجمعية، لتجد نفسك بين أربعة آلاف عنوان كتاب، ومعمل للتصوير والتسجيل الموسيقي الحديث، وصفوفٍ لتعليم اللغة الانجليزية والعربية.. والطاهر وطار، الذي ارتبطت "الجاحظية" به، من دون إغفال لأدوار زملائه أعضاء الجمعية، الذين يواصلون معاً رحلة العمل في ظروف غير مثالية، بل محبطة أحياناً، أو أولئك الذين فضلوا العمل في مستويات أخرى، أو منظمات رديفة من منظمات المجتمع المدني في الجزائر. تأسست "الجاحظية" سنة ،1989 ونمت بسرعة، فأصدرت مجلات: "التبيين" و"القصيدة" و"القصة"، كما أنها تنظم نشاطاً ثقافياً اسبوعياً، وجائزة مغاربية للشعر سنوياً، بينما يقوم مختصون بتقديم دروس في القيثارة والنحو، وتوجه دعوات سنوية لشعراء وكتاب للتعرف إلى تجاربهم، وتعريف المشرق على المغرب. قال لي الروائي الطاهر وطار، ونحن في طريقنا من مطار "هواري بومدين" الى فندق "السفير" وسط العاصمة، "نحن منظمة ثقافية مستقلة تماماً عن إرادة سياسية مهما كان موقعها، في السلطة أو خارجها، يهمنا تعميق الممارسة الثقافية الديمقراطية في مجتمعنا، وشعارنا هو: لا إكراه في الرأي". ويعرف غيري أن "الجاحظية" إطار ثقافي ينضوي بين جنباته مثقفون يساريون ووطنيون وعلمانيون، وأن مقرها معبر لتجليات الطيف الثقافي الجزائري، من دون نكران الانتماء الخاص لأي عضو من اعضائها، بل هناك مختلفون سياسياً وفكرياً، لا يجمع بينهم إلا معضد احترام الرأي والرأي الآخر. غير أن هذا لا يمنع القول ان هناك آراء أخرى، ومواقف متباينة، لا ترى ما يراه اعضاء "الجاحظية" ولا يعبأون بتراث "الجاحظ" في الجزائر. "لهم دين ولنا دين"، هكذا يقول "الجاحظيون" من دون أي تردد، وهم يحتفظون باحترام اختلاف غيرهم، وينسجمون مع اختلافهم مع غيرهم. وهذه طفرة في المشهد الثقافي الجزائري، بعد فترة غير قصيرة من "ثقافة الحزب الواحد" التي تمتد جذورها إلى ما قبل الاستقلال. قال لي كاتب شاب: "أنا اختلف مع الطاهر وطار وجيله. هم ليسوا آباءنا. نحن من دون ماضٍ. لكنني أحتفظ بحقي في الاختلاف، وأحترم وجهات نظرهم في تمييز أنفسهم". هذه "الثقافة" تنمو ببطء في جزائر الشهداء والمجاهدين والاسلام والفرانكفونية، غير أنها تترسخ يوماً بعد آخر.
جمعة اللامي
امارة الشارقة
2006-06-08