في ذلك الزمان..
الدم الأسود يصرخ ويزمجر في العروق حيث تعقد الصفقات بين التجار المحليين والعرب والأجانب في مرفأ زنجبار للسفن المعدة لنقل العبيد،إنه الإقلاع نحو النسيان . في قاع السفينة أجساد مطروحة داخل العنابر المظلمة، في الذاكرة تقفز صور الماضي ..عنف الأنهار.. هدوء الغابات.. غناء العصافير الغريبة.. الدرب إلى كوخ الأهل..الساحة حيث يجلس حكماء القرية، كل ذلك إختفى عند وقت الإقلاع فلا صوت إلا " صوت القيود التي تحز باللحم والأطواق التي تكبل الأعناق". ولعل ما تجسده لنا الكاتبة التشيلية (إيزابيل الليندي) في روايتها(الجزيرة تحت البحر) خير مثال على معاناة العبيد المأسورين على سفن النقل بين أفريقيا وجزر الأنتيل خلال سفرتهم الطويلة والمضنية، تقول الكاتبة الجميلة: ( كان البحارة يرمون الموتى والمرضى من حافة السفينة، ثم يأخذون بعض الأسرى ويجلدونهم للمتعة، ويربطون أشدهم تمادياً من المعصمين وينزلونهم ببطء إلى الماء الذي يعج بأسماك القرش، وعندما يرفعونهم لا يكون قد بقي منهم سوى الذراعين)، أما مَنْ يصل في نهاية الرحلة إلى محطته الأخيرة فلن يجد إلا سماءاً غريبة وعيوناً غريبة.
مضى على خروجهم قرون، وأنت في بحثك الدائب والمستمر قد يلتقيك أحد أحفادهم في مقهى منزوي في إحدى عواصم العالم أو شارع تدفئه شمس الشتاء في منفاك الطوعي، ينزل في ضيافتك ويسألك عن الجذور.
يستمع وبإصغاء عن شعبه الموزع على زوايا العالم الاربع: حوذي لنبيل أو حارس حانة في نيويورك، عامل تبغ أوموسيقي شعبي في كوبا، مخصي في قصر أميرٍ للنفط أو سمسار، مرتزق أو تاجر.
إنها الكوارث التي لم ترحم والريح التي نزعت عنهم أجنحة البراءة . مصيبتهم إنهم عاشوا بعيدون عن الوطن.
macklm@hotmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش ـ تخطيط الفنان شاكر بدر عطية.