لا يفكرُ حكّامُ العرب بالتحرير والتنمية الشاملة طريقاً للنهضة والتطوّر . بل بالعمالة والخيانة .
إذْ يهدي حكامُ العرب النفط إلى الغرب لدعم اقتصاده ودولاره، على الضدّ تماماً من مصالح العرب والمسلمين .
وعن الفايننشيال تايمز في 15/04/2016 قال الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق :
For 30 years the Gulf region led by Saudi Arabia was controlling the oil price for them (the west) — and what did we gain in return? When the price used to drop too much they would say, ‘Control the price’. Yet when the price would go up, they start screaming, they call us a cartel, and say, ‘You can’t do this’.”
تقاسمَ الغرب بلاد العرب في أعقاب الحرب العالمية الاولى على أساس توزيع نِسَب النفط بين الامبراطوريات الاستعمارية، التي كرّست ولا تزال، تخلّف العرب والمسلمين، وتفتيت بلادهم، ومنعهم من الاتحاد والنهضة لتسهيل استغلالهم ومواصلة السيطرة عليهم. ومما نجم عن ذلك اصطناع مستعمرات كارتونيّة هشّة، غنيّة بالنفط، وضعيفة في مواردها البشريّة، وفي التراكم الثقافي، والوطني .
وحرصَ البريطانيون على عزل هذه المستعمرات عن محيطها العربي والاسلامي، وزَرعها بعشرات الالاف من البريطانيين والغربيين يعملون في القواعد العسكريّة، وفي مختلف المجالات لضمان استدامة النهب . كما استورد الحكام ملايين الناس للعمل والاقامة في الخليج، الذي لا تتعدى نسبة مواطنيه الان 10% من مجموع السكان . مما له تاثيراً خطيراً على مستقبل البُنية السكانية للمواطنين، وهويتها وثقافتها العربيّة والاسلاميّة .
ويُعاني العبيد المستورَدون من ظلم شديد: "... يمكن ان نموت من العمل لأجل الشركة ولن تعطينا مكافأة إضافية . لا فائدة من تقديم تضحيات للشركة - نحن نعمل بالفعل 13 ساعة في اليوم، على مدار 365 يوما في السنة ...” ومن هذا الاستغلال الفاحش " الجمع بين جماعات إثنية عديدة تتبادل العداوة ... فعنصرية المهمشين هي جزء من "معمار السلطة" ( محمد تريكي الربيعو، قراءة انثروبولوجية لحيوات العمال المهاجرين في الخليج . ضواحي النفط .. أحلام الهجرة والأساطير الجنسية، القدس العربي 29/07/2017 ) .
وهناك تآكل وإهدار مداخيل الخليج بمؤامرات الغرب على خلفية النفط الرخيص والسياسة المبتذلة بالقوّة والكذب :
- يفرضُ الغرب بيع أسلحته إلى الخليجيين بمئات مليارات الدولارات لقتل أنفسهم بحروب من صنع الغرب ... ولاستخدام هذه الأسلحة في الاستعراضات "الوطنية" ... وحكام العرب يراكمون الاسلحة جزية للاستعمار لابقائهم على كراسيهم . فهل استُخدمت أسلحة وجيوش الخليج لمناصرة الشعب الفلسطيني ؟ أو في التصدّي للغزاة والمحتلين ؟ أو لإسناد قضايا العرب والمسلمين ؟...
- الاستثمار في الغرب، وليس في بلاد العرب والمسلمين . وهذه الاموال هي أسيرة المصالح الغربية، التي تضع يدها على مدّخرات المستعمرات بالتجميد، كما في حالة إيران في أعقاب ثورة 1979 . أو بالنهب، كما حصل مع أموال صدام والبعث بعد غزو العراق عام 2003 . أو كما هو حاصل مع عشرات المؤسسات الاسلامية والافراد بحجّة ارتباطهم بالارهاب ...
- العمار الحداثي العبثي المُكلف، الذي لا يتلاءم مع البيئة المحيطة . وما ناطحات السحاب، والتكوينات التخطيطية – المعمارية الا مساكن للنوم والراحة بلا عمل منتج، ومادة بلا روح، وإنسان بلا ثقافة ووطنية، وحاضر بلا مستقبل ... وتطرّف ديني مزوّر، وثراء فاحش محاط بفقر مدقع وتخلّف وجهل ... مدن لاحاجة وظيفية لمواطني البلاد بمساكنها وخدماتها الاجتماعية التعليمية والصحية ... ومرافقها العامة من ماء وكهرباء ... ومبانيها الادارية ... لكن يبرع حكّام الخليج في إرضاء أسيادهم بتنمية الحجر وليس البشر . فعمار الخليج صدى معماري للرأسمالية المالية يصبّ فوائداً وأرباحاً في اقتصاد الغرب وشركاته، التي تُصدِّر كل شيء لهذا العمار من خرائط الدراسات الهندسية إلى مواد البناء والتأثيث ... والمهندسين ... بينما لم يحصل عرب النفط والجهل على غير الانبهار بارتفاع العمائر، والبناء في الماء، والتزحلق على ثلوج القاعات المبنية على الرمال ... وأطول مبنى ... وأكبر “مول” ... في العالم ...
وأفرزتْ هذه السريالية التاريخية عمالة أجنبية كثيفة، وعطالة محلية ! .
ويُسمّي الاعلام الغربي الارهابي الكذاب كل هذا القُبح والتزوير والفساد والخداع التاريخي ... بمعجزات وجواهر في الصحراء.
وغداً سيعلِن الغرب أن بلدان الخليج إرهابية ... ويفتعل أزمات للابتزاز المالي، كما في الكويت زمن صدام، والان في قطر ... لضرب هذا العمار ونسفه في أسبوع . وبذلك يكون المال المصروف قد حطّ في اقتصاد الغرب ... في دورة البناء والتخريب الاستعمارية الخبيثة، والتي تدرّ أرباحاً عظيمة كما النفط .
- الاستهلاك الشيطاني الحلزوني . إذ يقوم الاقتصاد المحلي على بيع النفط واستيراد جُل مايُستخدم في الخليج من الطائرة الفارهة المُزخرفة بالذهب ... إلى أقلام الكتابة ... من أوربا وأمريكا واليابان والصين في دورة استهلاك نهمة ومتصاعدة بسطوةِ الموضة والتفاخر بالكماليات، التي لا تتوقّف : بينما لا الغذاء ولا الدواء ولا السلاح ... يُنتج محلياً . وفي الوقت الذي لا يجد الاوربي بسهولة بضاعة اليابان في أوربا، والعكس صحيح، ففي الخليج هناك بضائع من مختلف أنحاء العالم، التي تمتصّ عوائد الخليج من النفط والغاز .
- تمويل حروب الغرب: فيتنام، محاربة الشيوعية، أفغانستان، العراق، ليبيا، سورية، اليمن ... ودعم شركات الارهاب الغربي مثل القاعدة وداعش ... وتمويل الحملات الانتخابية لساسة الغرب ...
كلُّ هذا وغيره يقوم على اقتصاد ريعي مالي، وغير منتج للبضائع والسلع ... وهو اقتصاد بيع النفط، وتأجير المباني، والاستيراد ... والاستهلاك العالي والرفاه والتسلية .
كان الأجدى والأجدر استخدام المال الخليجي لبناء الانسان وتنمية الوعي بالاستقلال الحقيقي وبأهمية العمل المنتج وتطوير الزراعة والصناعة والبحث العلمي وتنويع الانتاج ومصادر الدخل والتهيؤ لما بعد النفط ... ومساعدة شعوب المسلمين المحتاجين ...
ومنذ عقود والمثقفين يكتبون بضرورة موازنة تصدير النفط بانتاج البضائع الصناعية والزراعية ... لكن الحال لايزال عند المطالبات الأكاديمية. فهل يعي حكام النفط ماينتظر أجيال المستقبل؟.
لا أحد يرجو أن يفيق العرب يوماً بعد نفاذ نفطهم وهم مكبّلون بالتخلف والتبعية والديون، يستوردون النفط بأسعار خيالية، أو يعتاشون على صدقات أغنياء الغرب، الذين كوّنوا ثرواتهم من برميل النفط العربي بعد أن باعه أصحابه رخيصاً بوطنه وثقافته وأجيال شعبه .
وبينما حصدت بلدان العرب الثرية بالنفط استعماراً وإرهاباً وحروباً وكوارث وصراعات وعشرات ملايين القتلى والجرحى والايتام والارامل والمهجّرين ... وخراب البوسنة وأفغانستان والصومال والعراق وليبيا وسوريا واليمن ... بعيداً عن قصور الحكام ... ففي روسيا والبرازيل وفنزويلا وأمريكا والنرويج وإيران ... اقتصاد يتطور باستمرار بموازاة الاعتماد على طاقة النفط والغاز، بتطوير مختلف مجالات الاقتصاد الوطني بتواصل وتوازن .
كان بإمكان حكام العرب استخدام ترليونات دولارات عوائد مداخيل النفط والغاز في الإحياء الاسلامي المعاصر، الذي أفرزَ عصره الذهبي التاريخي ثقافة مفيدة وجميلة ومتوازنة للمسلمين وللعالم . بينما كانت حصيلة قرن النفط المنصرم هجرة القرآن أساس تفجير الثورة الاسلامية في القرن السابع للميلاد ... والقبول بالاستعمار وعملائه، الذين ينشرون الجهل والتخلف والكراهية والتمزّق والتفرقة والدمار والخراب في عالم المسلمين .
وما لم تتكوّن طبقة وسطى وظيفياً، وتتقوّى نتيجة تراكم المعرفة والانتاج، وليس ب"كرم" الدولة العميلة ... ستبقى مستعمرات الخليج في مهبّ رياح الاستعمار. إذ لا سيطرة لدول الخليج على الوجود العسكري والمدني الغربي على أراضيه، كما لا سيطرة على موارده وعوائده من النفط والغاز .
اضغط على الصورة للتكبير