أكدت تقارير إعلامية أن هناك خمس محاكم بريطانية تعتمد على أحكام الشريعة الإسلامية في أحكامها، بعد أن وافقت الحكومة البريطانية على قيام محاكم شرعية إسلامية لها صلاحية النظر في القضايا المدنية الإسلامية. وفي واقع الأمر، فإن هيئات التحكيم الإسلامية قد نظرت في أكثر من مائة قضية منذ أغسطس/آب 2007، خاصة فيما يتعلق بطلاق المسلمين وقضايا الإرث.
وكان أحد الدعاة الرئيسيين لتطبيق الشريعة الإسلامية هو أحد القادة في الكنيسة الأنجليكانية، وهو روان ويليامز، رئيس أساقفة كانتبري، والذي تسبب في جدال واسع عندما قال في فبراير/شباط الماضي إنه يجب التفكير في إدخال بعض عناصر الشريعة إلى القوانين الإنجليزية، نظراً لأن هناك حوالي 1.7 مليون مسلم يعيش في بريطانيا. ولاقى هذا الاقتراح اعتراضات واسعة، ليس فقط من جانب معظم السياسيين، ولكن أيضاً من جانب الكثير من المسلمين البريطانيين، الذين يرفضون تطبيق القوانين الدينية المتشددة.
القانون البريطاني يسمح بوجود طرق تحكيم مختلفة
والآن، عاد الجدل مرة أخرى إلى الساحة بعد أن نشرت صحيفة "صانداي تايمز" البريطانية أن هناك خمس محاكم تطبق الشريعة الإسلامية في بعض حالات النزاع وهي محاكم لندن وبريمنجهام وبرادفورد ومانشتستر ونونياتون ومن المقرر إقامة محكمتين أخريين في جلاسكو وأدنبره. وتعتمد هذه المحاكم على الشريعة الإسلامية خاصة في قضايا الطلاق والنزاعات المالية، بالإضافة إلى العنف المنزلي كما تستمد شرعيتها من قانون سن عام 1996، يسمح بوجود هيئات تحكيم خاصة، تعتمد على طرق تحكيم مختلفة عن القانون البريطاني في بعض الحالات الخاصة.
والشرط الرئيسي لتطبيق هذه الطرق الاستثنائية للتحكيم، هي موافقة الطرفين المتنازعين على القبول بأحكامها. وقد كانت محاكم "بيت دين" اليهودية تمارس أعمالها بمقتضى قانون التحكيم ذاته، وإن كانت قد بدأت نشاطها في بريطانيا منذ حوالي مائة عام، وكانت تمارس صلاحياتها بموجب أحكام تشريع سابقة لهذا القانون.
مخاوف من شدة الأحكام الدينية وتضاربها مع القوانين البريطانية
لكن هذا القرار لاقى بعض الاعتراضات، حيث أعرب سياسيون وقساوسة عن قلقهم من أن يكون هذا القرار بداية لـ"نظام قضائي مواز" يقوم على أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لبعض المسلمين البريطانيين، وانتقد المحافظون المعارضون الحكومة، وقال المتحدث عنهم، دومينيك غريف إنه يعتبر قرارات هذه المحاكم الشرعية غير قانونية، مؤكداً أن أحكام القانون البريطاني تبقى هي القوانين الوحيدة السائدة. كما نشرت جريدة "ذا سان" استطلاعاً للرأي، يؤكد أن أغلبية البريطانيين يرفضون تطبيق الشريعة في محاكمهم. وكذلك يرى بعض المدونين على شبكة الانترنت أن تطبيق الشريعة في بريطانيا يعد انهزاماً ورضوخاً.
رئيس هيئة التحكيم الإسلامية يؤكد أنه لن يتم تنفيذ أحكام مثل الرجم أو الجلد لكن رئيس هيئة التحكيم الإسلامية، الشيخ فايز الأكتب صديقي، لا يرى من جانبه أي تعارض بين تطبيق الشريعة الإٍسلامية والالتزام بالقوانين البريطانية، حيث يقول: "لقد أدركنا أننا نستطيع بموجب قانون التحكيم أن نصدر أحكاما يمكن تنفيذها في البلاد وأمام المحاكم العليا، فالقانون يسمح بحل النزاعات عن طريق استخدام البدائل ومنها التحكيم. ويطلق على هذا النظام حل النزاعات البديل، وهو يعني بالنسبة للمسلمين ما تقوم به المحاكم الشرعية". كما أكد أن القضاة المسلمين يدركون أن أحكام مثل الرجم أو قطع الأيدي لن تقبل في بريطانيا، مشيرا إلى أن هناك إمكانية للتزاوج بين الشريعة والقوانين البريطانية، وأضاف: "نعلم أن القوانين في البلاد ملزمة لكل المواطنين. ونحن لا نحاول أن نفرض الشريعة على أحد".
وبينما أكد مجلس المسلمين في بريطانيا أن من حق المسلمين إنشاء محاكم إسلامية شرعية، طالما هناك محاكم يهودية، أكدت ميلاني فيليبس أن المحاكم اليهودية تلتزم بالقوانين البريطانية بشكل كامل، وأعربت عن مخاوفها من تغير هذا الأمر ومن أن تصبح هناك قوانين لكل فئة. وترى صحيفة "صنداي تايمز" أن هناك قلقاً فيما يتعلق بالمرأة، حيث أن الشريعة الإسلامية تميل لصالح الرجال، على حد قولها، مشيرة إلى أن قوانين الميراث الشرعي تعطي للذكر مثل حظ الأنثيين.
المحاكم الإسلامية والاندماج
لكن الباحث الألماني في شؤون الهجرة، كلاوس ج. باده، لا ينصح بإتباع المثال البريطاني في هذا الأمر، مشككاً في أن يؤدي النظام القضائي المنفصل إلى مزيد من الاندماج بالنسبة للمهاجرين. وأضاف في هذا الإطار: "من يريد العيش في ألمانيا، يجب أن يلتزم بالقوانين الألمانية ويحترمها". لذلك فهو يرفض تطبيق الشريعة قائلاً :"هذا الأمر سيعيق عملية الاندماج من جانبين، أولاً لأنه سيمنع اندماج المهاجرين أنفسهم، ومن ناحية أخرى، لأنه سيقلل استعداد الأغلبية لاستقبال الأقليات".