طقس العاشق : نزهة...... بالإستعادة

2014-10-26
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/71fb3c80-0bd4-4277-b877-c568b31b787c.jpeg
في إصياف تسعينات القرن الماضي..في حديقة بيتنا،على وقع شاي العصر بفتيت النعناع، يسلمني أستاذي محمود عبد الوهاب  النسخة الأصلية من (العمى والبصيرة) للناقد بول د ي مان وهي من ترجمة الصديق الجميل سعيد الغانمى وحين لاأرى توقيع الغانمي ، يوضح استاذي: دسَ سعيد هذي النسخة في جيبي ،حتى لايكتشفها رواد مقهى حسن عجمي..
أقلّب الكتاب الصقيل الغلاف،استروحه فالحصول على نسخة أصلية من اي كتاب مطبوع خارج العراق في زمن الحصار يعد معجزة ثقافية، في الكتاب صفحتي فولسكاب مسّودة بقلم رصاص، قصة قصيرة جديدة  لإستاذي العابر الإستثنائي.. أقول مبتسما : هذا يوم سعدي كتاب بول دي وقصة قصيرة منك..
يضع يديه الكريمتين على كتفيّ : ابو مسعود مكتبتي كلها قدام وجهك..
أقول له: حضورك مكتبة المكتبات..
انا اطرز نظري بما يتأرج من(روكوكو) قصته القصيرة المكتوبة بقلمه الرصاص..،عوّدني إستاذي على هذا الدلال أعني ان اكون من اوائل القراء لنصوصه الجديدة هو ينشغل بقراءة اوهامي الأدبية ..المكتوبة بقلم سوفت احمر في سجل كبير..أمكث في نصه ،أعيد قراءة قصته القصيرة، يبهرني إقتصاده الأسلوبي ،تستوقفني بلاغته القصصية، تفعيله للمحذوف في النص، دعوته للقارىء للمشاركة في كتابة النص عبر القراءة..
هو بدوره، يقرأ نصي( سلطة الأم في رواية بتول الخضيري/ كم بدت السماء قريبة) بتمهل وحين ينتهي، أرجو منه ان يأخذ نصي معه، ليوصله إلى مجلة الأقلام، فهو مسافر غدا....يبتسم موافقا ..يقترح العابر الإستثنائي الجميل محمود عبد الوهاب، ان نزور البريكان  وقد إعتدت على هذا الطقس مع  إستاذي محمودنا  الوّهاب. أعني زيارتنا للبريكان. ولم أسأله يوما.. لماذا دوما بتوقيت دنو الغسق.. المسافة من شارع تموز إلى شارع الجزائر جميلة جدا،حيث محجة البريكان،
كيف ستكون وعطرها  ما يتأرج من لسان محمودنا عبد الوهاب...
  بيت البريكان في ذلك الشارع الفرعي من منطقة الجزائر الصخّابة ليلا..
لكن شعاع الشاعر، صيّر الشارع متماهيا في صمت الرجل وعزلته....
عزلة إنبجس منها دمه كله!! إلهي لهذا الحد عزلة الشاعر تغيض  المأبونين
؟؟!!؟ وتستوجب محوه  ..؟ حتى من عزلته يمحى يارب؟؟
....................................................
نحن الآن في الهول: لاضوء سوى صلعة مصباح أصفر، من(تيبل لامب). منصوب على منضدة
.فشعرتُ كأنني في غرفة تحقيق أمني..
... تلتقط فطنة البريكان : شعوري الصامت..يبتسم موضحا: المصابيح....
يكمل محمود عبد الوهاب: الزرق..*(يعني ..المصابيح الزرق/ رواية حنا مينه)
يلتقط البريكان السنارة الثانية،يستضاء المكان بضحكتنا نحن الثلاثة وهي تفكك شفرتين معا...
نتبادل الحديث وشرب الشاي.والصمت...بعد مضي مايقارب الساعة ..نغادر أستاذي وأنا..
.. نتمشى في شوارع فرعية توصلنا الى تلك الأحياء الفارهة 
الهادئة..أوّدعه تحت تلك اليوكالبتوسة الفارهة، حارسة بيت الملاّ ك
*طريق الشعب/ العدد الخاص بالشمعة الثانية للأستاذ محمود عبد الوهاب / 4/ 12/ 2013
................................................
 

 



طواف..آخر/محمود عبد الوهاب 
                                 
-1-
محمود..يكتب موته نصا في عام 1996(على جسدك يطوي الليل مظلته)...
(أنحنى البدين على سرير الشاب وأستل الغطاء من على رأسه،فتدفق وجهه الممتلىء على المخدة،
تسمرت عيناه في عيني،حدقة بحدقة،ومن محجريهما المصوبتين نحوي تسللت المدن التي زارها
: الصباحات المعبأة بالهواء.أبراج الكنائس. النصب البرونزية.المتاحف. ضجيج الميادين الواسعة.
بوابات المدن القديمة. مقاهي ألأرصفة. أكشاك بائعات الزهور)
(ومن فوق سريره وهو في رقدته الباردة،بدا أنيقا ببلوزته شديدة الزرقة ذات ألأزرار ألأبنوسية،
وبنصف الفتحة التي يعمد إلى اصطناعها ليترك شعرصدره ينتشر في الفسحة الضيقة بين شفتي
البلوزة،على الهيأة التي ألتقى فتاته هناك في صباح ذلك اليوم من أيلول)..
(أحكم البدين اغطاء على جسد الشاب ثم إستدار ..رفع الرجلان جثة الشاب ووضعاها على العربة)
هذه الوحدات السردية الصغرى، من قصته( على جسدك يطوي الليل مظلته) وفضاء النص ينشطرشطرين، لحظة موت الشاب، والسارد الذي حولّه الشاب قبل موته إلى مسرود له، وسيتحول الأخير
إلى سارد، ونحن القراء،إلى( المسرود له) ومن خلاله، سيضيئنا النصف الثاني من فضاء القص وهو النصف الضديد، للمستشفى وبابها المفضي إلى تلك الحديقة الصخرية الحدبات....في الوحدات السردية المتداخلة مع النصف الأول، يسرد علينا الشاب علاقة المتوفي مع تلك المرأة الجميلة،
في ذلك البلد البعيد، والنص هنا يتضافر إجناسيا بين السييري/ واللاسييري..شخصيا اراهما:( كراجينيا ومحمود عبد الوهاب): من أجمل الينابيع العاطفة يتدفقان : حبا بلوري الزرقة
محمود عبد الوهاب بأجمل علاقة عاطفية.. في سنوات الحصار،حين سألته عنها أخبرني إنها ماتزال ترسل له معايدة أعياد رأس السنة،.وهذه كلماتها تحديدا ،كما أخبرني ذات صباح شتوي ونحن ذاهبين إلى البريد المركزي عام 1994 :
(أتعرف ما يحتاجه السائح مثلك في بلد غريب
  إمرأة وقدمان
إمرأة تتعلم منها لغتنا وقدمان تكتشف بهما المدينة / ص118/ على جسدك يطوي الليل مظلته)
لكن الواقع وليس النص هو الذي يتحمل ما حدث للشاب ،من متغيرات سالبة،فمنتج النص، لم يتعرض ولو مرة إلى نوبة نرجسية، ركز على عزلة الشاب من خلال موته..كم تمنيتُ عليه، ان يسرد علاقته العاطفية الفذة مع حبيبته البولونية(كراجينا) في رواية قصيرة، لتتعلم الأجيال جوهر الروح الجسداني، ولتنتظم رواية من هذا الطراز،إلى ثريا روايات تجسير العلاقة مع الآخر، كما هوالحال مع(الحي اللاتيني) سهيل أدريس/ (موسم الهجرة إلى الشمال) الطيب صالح(قنديل ام هاشم) يحيى حقي وغيرها من الروايات..

 

-2-
 من ...بساتين محمود..
(أسمعي ياعزيزتي،لابد لنا من أحدى النهايتين، إما أن نموت صغارا
أو نعيش حتى نشيخ. هل بإمكاننا أن نفعل غير ذلك؟)
                                        عابر إستثنائي/  تشرين الأول1993
*(النساء والرجال، أين هم آلآن؟ أكانوا يتحركون في حلم قصير)
                                                   طقس العاشق/ شباط 1997
(لم تكن الظلمة تامة ولاالضوء كافيا،إلا أنني أعتدت أن اتبين حدود المكان وحافات ألأشياء من غير صعوبة،فها هم ألأشباح الثلاثة لايمكثون في بقعة واحدة ولاعلى هيئة واحدة)
                     على جسدك يطوي الليل مظلته / كانون ألأول 1996

      (يبدو هذا المكان موحشا.أترغبين في الإنتقال إلى مكان آخر؟)
                                                  طيور بنغالية/آيار 1996
                     
أحاول الطواف ،عبر مثابات أخر..
في القراءة الأولى/ اكتفي بمقتبسات من قصته( على جسدك يطوي الليل مظلته) يسرد فيها موته ،كما حدث الآن،  دون تطابق مطلق بين نص الواقع/ والنص المسطور قصة..إلاّ من ناحية مركز المهيمنة ، فقد تمردت الهوامش على المركز....في القراءة الثانية أكتفي بإ لتقاط مقتبسات من قصص محمود عبد الوهاب مثبتا بالشهر والسنة صلاحيتها للنشر،
تاركا لفطنة إستجابة القارىء،دعوة للمشاركة في الكتابة أو في الأقل فتح شهيته للعودة إلى قراءة هذه القصص أو سواها ..وهي كذلك دعوة (للقارىء غير العادي) للتوقف عند عنوانات القصص..
 أستعين بمعايشتي للعابر الإستثنائي الجميل ،التي أبتدأت من صباي،عبر علاقته بالمناضل اليساري ،الخياط/ المعلم( محمد مسعود)،  منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي كما أستعين بمعايشتي مع نصوصه  وهي معايشة لن تتوقف...نشرت بعضها في الصحف والمجلات
 ومايزال البعض الآخر، ينتظر نشر ما لدى إستاذنا كما هو الحال مع مخطوطة كتابي حول (رواية بحجم الكف) للروائي محمود عبد الوهاب، التي واكبتها وهو يكتبها فصلا فصلا بالقلم الرصاص
ثم قرأتها مطبوعة على الكومبيوتر، ثم اعاد طبعها وقرأتها ايضا..وتناقشنا  حولها أكثر من مرة في شقته وأحيانا في حديقة منزلنا .. وأطلع إستاذنا  على فصول مخطوطتي النقدية،ونصحني ان انتظر إصدار الرواية، ثم أنشر فصولا من كتابي أو وجيزا له...وبعدها أنشره كتابك كاملا..
وقبل رحيله بأشهر حدثته  وبحضور الشاعر كاظم اللايذ عن هذا الأمر فأكده بصوته الذي بدأ يوهن ..
*الورقة المشاركة في ملف جريدة الأخبار / الثلاثاء/ 17/ 12/ 2013




زورقك الصخري....
تطرزه غابات من الشموع...يا محمودنا عبد الوهاب 

                                                      
..غابت ذرات الملح من رغيف الوقت، لامرايا ..سواك،ولامعلم...
و.نحن عيال عليك وأنت أنت...حنو الأمهات فيك ومسؤولية الأخ الأكبر، من اي
نهر... جبلك الخلاّق الأعظم؟ يدك عاطلة عن الغضب،فكيف لاانحني وابوسها ،كلما رأيتك..ملعون حدسي..منذ رؤيتي للأسحم الغراب يحوم في سمائك الشاهقة
فصرت لاأكتفي بالمصافحة بل بتقبيل يدك (لأتزود بخير الزاد)..اتذرع ليلا بحجة مفهوم نقدي او نسق جمالي لأصغي لضوء صوتك..إتصل في الثامنة والنصف، صباحا لأطمئن على  دوران الكرة الأرضية من خلال ماتبقى من بحة صوتك العتيق الأخضرار..يا عابرا أستثنائيا.. ياثريا الأدب العراقي لم أعرفك من خلال الكتب..رآك الصبي الذي كنته في رفقة نزيل السجون العراقية،وسوف يصير
نزيل نقرة السلمان،أعني الخياط المعلم محمد مسعود..
من اي عذوبة لك كل هذا العلو المتواضع..تصغي لنصوصنا، وبجناح حمامة تقّوم إعوجاج أحلامنا نتمشى أنت وأنا..فتصافح السائلين والسائلات بما تخرجه من نقود من جيبك،وتهمس لاصدقة هذه إستحقاقتهم ... 
حضورك إستفز الحضور،فحاول بخناثة الغدر ان يجعلك في غيبوبة قبل الرحيل، فإستحال سريرك في المشفى، مزارا لعيالك..وفرصة للذين يريدون الشهرة من خلال ما أنت به، فشهروا كاميراتهم وداسوا بكاميراتهم.على  أوجاع أيامك الأخيرة، ثم على الرحم الترابي ، ليحولك مادة تسويقية؟؟
وسبقا تفاعليا في الفيسبوك ؟!
،في حديقة الحسن البصري،مطرزة...بمئات الشموع،مطرزة حافة زورقك الصخري..
و قبرك فارغ،فأنت تحررت من موتك  لتواصل الحضور  فينا..
.رقمك راسخ في موبايلي..إنتبهت .. رسالة منك؟ 
لاأدري اي أخيولة جعلتني اراك وبقاطك البيج أيضا..في المنشأة القادمة من بغداد..تسقط  الجريدة من يديك
ألتقطها،تهمسني وتشير بإصبعك( أمس .. معا)...فأقرأ حيث أشارت سبابتك: نعي رائد القصة القصيرة
الحداثية في العراق: عبد الملك نوري....
*هذه الأوراق من كتاب قيد الطبع عن  الأستاذ محمود عبد الوهاب..






مقداد مسعود

مقداد مسعود (من مواليد 15 أكتوبر 1954م البصرة، العراق)، هو شاعر وناقد عراقي بدأ النشر منتصف السبعينات من القرن العشرين ولدَ في بيتٍ فيه الكتب  أكثر من الأثاث . في طفولته كان يتأمل عميقًا أغلفة الكتب، صارت الأغلفة مراياه، فعبر إليها وتنقل بين مرايا الأغلفة، وحلمها مرارًا . في مراهقته فتنته الكتبُ فتقوس وقته على الروايات، وقادته إلى سواها من الكتب، وها هو على مشارف السبعين في ورطته مع زيت الكتب وسراجها بقناعة معرفية مطلقة

مؤلفاته
الزجاج وما يدور في فلكه
المغيب المضيء
الإذن العصية واللسان المقطوع
زهرة الرمان
من الاشرعة يتدفق النهر
القصيدة بصرة
زيادة معني العالم
شمس النارنج
حافة كوب ازرق
ما يختصره الكحل يتوسع فيه الزبيب
بصفيري اضيء الظلمة
يدي تنسى كثيرا
هدوء الفضة
ارباض
جياد من ريش نسور
الاحد الاول
قسيب
قلالي

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved