تَفْرزُ آلهة الأرض/ الدولة العميقة/ النُخب الاستعمارية، رؤساء أمريكا وأوربا والمستعمرات، كمدراء مُنفذين لمؤامرات أسيادهم ضدّ الانسان والحضارة. ولا فرق بين أي من هؤلاء الرؤساء، مهما كانت واجهته المُعْلَنة، وألوان أكاذيبه المُتَجَدّدة . وإلا كيف نَبَعَ ترامب الفريد واخترقَ الجميع ... وفازَ، إنْ لم يكن بدفع قوى وأجهزة عليا تضمن مصالح النظام الرأسمالي؟.
لا يمكن للغرب العيش المُرَفّه، خاصة بالاستهلاك العالي، ولا التطوّر العلمي والتقني بدون ثقافة الاستعمار القائم على نهب الموارد، المعروفة والمكتشفة حديثاً في، والسيطرة على أنابيب الغاز والبترول من الوطن العربي إلى الغرب .
ولو توقّف نمط الانتاج الرأسمالي الوحشي عن السعي الشرس لتحقيق الارباح الربوية، وتعظيم الثروة الحرام، فان النظام الرأسمالي سينتهي وتتقوّض امبراطوريات الغرب . لذلك تُواصِل آلهة الأرض استهداف الموارد الطبيعية والبشرية في العالم، سواء بالغزو الصارخ الفاضح كما في العراق، أم بالمؤامرات والدسائس وفَرِّق تَسُد للتنفيذ بواسطة عملاء الغرب من حكام ونخب ثقافية فاسدة وخائنة لشعوبها، كما يجري في الوطن العربي .
وقد تَفَرْعَنَت العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية – التنميطية، ونظامها العالمي الجديد مع تفكّك الاتحاد السوفيتي، وتصاعُد نهب الغرب لثروات العالم بالكذب والقوّة؛ وبإرهاب الدولار الهوائي؛ وبالربا الفاحش الذي يُتوِّج عرش الرأسمالية المالية الجشعة لتأبيد سيطرتها وهيمنتها .
ولم تُقدِّم العولمة الأمريكية فائدة للشعوب، بل للأغنياء، وللفئات الرأسمالية العليا . فَتراكُم الأرباح لدى آلهة الأرض تُسَهِّل قيادتهم للساسة والسياسة .
ويكفي دليلاً على العدوانية الأمريكية المتواصلة وجود 5000 قاعدة عسكرية : 4000 داخل الولايات المتحدة، و1000 خارجها . وأن ميزانية دفاع أمريكا تفوق ميزانيات الدفاع لكافة دول العالم الأخرى . وأن قواتها العسكرية تنتشر في 147 بلد، بزيادة 80% منذ عام 2010.
US Military Forces Deployed in 70 Per Cent of World’s Nations, Nexus, December 2016 – January 2017, P. 13
والمستعمرات بالنسبة لآلهة الارض ليست بلداناً، ولا دولاً، ولا تاريخاً وثقافةً ... بل مجرد موارد وثروات، وشعوبها مشاريع للاستغلال المتواصل والابادة الدوريّة . أما في الغرب فتحتكر آلهة الارض السلطة الباطشة والاعلام الارهابي الكذاب لتظليل الشعوب واستخدامها محاريث للارباح، ووقوداً للحروب .
ومنذ "تاتشر" و"ريغان"، ومن جاءَ بَعدهم، تتآكل الحريّات، وتتفكّك الاصلاحات الاجتماعية التي شهدها اقتصاد الغرب في مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية من التعليم المجاني، والضمان الصحي المجاني، والرعاية الاجتماعية ... علماً بأنّ الإنجاز الكوبي في مجال التعليم المجاني، والخدمات الصحية المجانية، ليس لها نظير حتى في بلدان الغرب الغنيّة التي تحاصر دولها كوبا منذ خمسين عام .
وهكذا حَشَرَت آلهة الأرض الانسان وحضارته في مأزق مُرعب : أما الفناء أو العدالة . أما العنصرية: الاستعمار، والحروب، والابادة، والتخريب، والنهب، والارهاب، والفساد ... أو الاشتراكية : السلام والتساكن والتشارك والأمان ...
فهل جاء ترامب لفك هذه العُقْدة المستعصية، وكيف :
هل بمواصلة ثقافة الاستعمار والظلم الغربي ؟ أم أن ترامب حبّة مهدئ مُخادِعة للرأي العام الغربي خوفاً من خسران الميزان لصالح شعوب الغرب، التي فاقت وأصبحت ترفض ظلم آلهة الارض، ولا تُصدق أجهزة إعلامها الكاذبة والمُظللة ؟.
أم أن ترامب نَبْعٌ من قلب الدولة العميقة التي أفرزته كوجه جديد لمواصلة تنفيذ مؤامرة الشرق الاوسط الجديد، كالدخول في حرب ضدّ إيران؟. وتظهر بوادر ذلك من تمديد العقوبات على إيران لعشر سنوات أخرى .
أم سيتابع ترامب مابدأه أوباما الذي ترك الشرق الاوسط خراباً يموت في بعضه، والانتقال لتخريب جديد في الصين، التي تحيطها 400 قاعدة عسكرية أمريكية؟. John Pilger, The Coming War On China, ITV, 06 December 2016
أم سيُحَدِّث ترامب ويُجَدِّد تحرير العراق وإعادة بنائه على الطريقة الأمريكية ؟! .
أم أنه المشروع الكبير: معالجة الوجود الاسلامي في الغرب؟. وترى كيف سيكون "العلاج" في هذه الحالة، خاصة وهناك 50 مليون مسلم في الغرب؛ وأن الإرهابي "فلين" يَشْحذ سيفه لإبادة 1.7 مليار مسلم؟!.
فما يخصّ العرب والمسلمين من بين تهديدات وتصريحات ترامب : أنه سيهزم داعش في شهر واحد. وعلى دول الخليج دفع أكلاف حمايتها. وسيمنع مؤقتا معظم المسلمين، ومنهم الصوماليين، من دخول الولايات المتحدة. وسيستهدف أقارب الارهابيين ويقتلهم . وسيراقب المساجد في أمريكا ويغلق بعضها . وسينقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب الى القدس ... كما أعلن ترمب صراحة بأن المجتمع الأمريكي سيبقى مجتمع الرجل الأبيض ...
ويدعم هذا الاتجاه المتشدِّد أزاء العرب والمسلمين رَفْد إدارة ترامب بالمحافظين الجدد أصحاب مؤامرة الشرق الأوسط الجديد، وغُزاة العراق البرابرة . تذكّروا أن خطّة غزو العراق كانت استقبال الغزاة في بغداد بالورود . ثم انقسام جيوش الغزاة إلى فصيلين: أحدهما لغزو سورية، والآخر لغزو إيران . ولم تتغيّر هذه الخطّة منذ ذلك الحين رغم نسف المقاومة الوطنية العراقية لها : فالعراق وسورية تحوّلتا إلى خرائب، ومقابر جماعية، وملايين المُهَجَّرين الذين فقدوا كل شيء . والدَوْر القادم على إيران. خاصّة وقد عارض ترمب الاتفاق النووي مع إيران واصفاً إياه بأسوأ اتفاق، الذي ربما يؤدي إلى هولوكوست نووية .
ويدعم ما تقدّم تصريحات أركان إدارة ترامب من العنصريين المتصهينين ممن ينعتون الارهاب بالاسلامي :
فهذا "فلين"، مستشار الأمن القومي لادارة ترامب الذي أبدى استعداده لخوض حرب عالمية أخرى . ومن أقواله: "... هذا هو الاسلام. إنه سرطان خبيث قذر داخل جسد 1.7 مليار شخص على وجه الكرة الارضية ويجب اجتثاثه" .
و"بومبيو"، مدير ال ( سي.آي.أي )، الذي من مآثره مبدأ بوشيّ: ( مَنْ ليس معنا فهو ضدّنا )، وقد انتقد الاتفاق النووي مع إيران ذاكراً بأنه يتطلّع إلى إلغاء هذه الاتفاقية الكارثية مع أكبر دولة راعية للارهاب .
و "بانون"، كبير المخططين الاستراتيجيين، الذي يرى بأنّ الحرب ضدّ الارهاب هي جزء من الحروب التاريخية بين الغرب والعالم الاسلامي .
و "ماتيس"، المُكنّى بالكلب المسعور، وزير الدفاع، الذي كان قائداً للقوات المركزية الوسطى، وأشرف على القوات الاميركية في العراق وافغانستان .
والتركيز على الجنرالات في اختيار عناصر الادارة العليا الأمريكية الترامبية، يُعني عَسْكَرة السياسة . فهل هي حكومة حرب ؟.
هذا إضافة إلى صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب، والمدّ العنصري الشعبوي المعادي علناً للاسلام وثقافة المسلمين، الذي يُذَكِّر بنفس التطرّف الذي شهدته ألمانيا وإيطاليا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية .
وبين إدارة ترامب وأمثاله في بعض الادارات الأوربية ليس هناك إشارة عن الخراب والدمار والابادة والتعذيب والنهب الذي خلّفه الغرب في العراق، ولا عن تعويضه عن جرائم الغزو والغزاة . فلايهمّهم تخريب العراق مادام النفط سالماً لمزيد من النهب الاستعماري .
لقد أسّس الغرب للدمار الشامل في العالم : حربين عالميتين، والحرب الباردة، وحرب تجري منذ مطلع القرن الحادي والعشرين في الشرق الأوسط، استخدام القنبلة الذرية وأسلحة الدمار الشامل، تفَشي ثقافة الاستعمار والنهب، نشر الارهاب والفساد ... فعن أي حرية وديموقراطية وحقوق إنسان وتحضُّر تتحدث الامبراطورية الأمريكية ؟ : هل عن تنميط وأمركة ونهب العالم بالكذب والخداع والتظليل والقوة ؟ . أم عن عبادة الدولار الهوائي، والربا، وثقافة الاستعمار؟. أم عن المحرقة النازية، والمكارثية الأمريكية؟. أم عن مزيد من الحروب الاستعمارية لحصد مزيد من الأرباح للمُجمّع الصناعي العسكري وروافده من الشركات العابرة للقارات ومؤسساتها المالية ؟ .
لكن، هل أوقف تدخل روسيا وإيران وحزب الله والصين في سورية هذا المدّ الغربي الخطير، وأنهى القُطْبيّة والهيْمَنة الامريكية على العالم، رغم فضاعة مايقوم به الروس في سورية، وما نجم عنه من التضحية بالحركة الوطنية السورية النبيلة، التي بقدر ما سمحت للارهابيين الدخول في صفوفها فَحَرَفوا بوصلتها من المطالبة بالحرية إلى حرب ضدّ الارهاب . ومع عِظَم الكارثة والمأساة فقد فتح السوريون طريقاً للتغيير .
وهل سيحفظ الإفراز الجديد وحدة البلدان، أم يواصِل مؤامرة التقسيم ؟ .
وهل ينجم عن هذا وضعاً فيه من العدالة ما يسمح بتعمير الشرق الاوسط ... ويُخلص عالم المسلمين من سرطان الارهاب الجهادي الغربي ... ويفتح المجال لفجر نهضة ثقافية إسلامية مُعاصرة ؟ .
أم أن ادارة أوباما بما تبقّى لها من زمن ستقدم على مجابهة في سورية ؟! .
أم بانتظار ترامب لتنفيذ " تفاهمات" سريّة تاريخيّة للمهادَنة المرحلية تفرض تراجع مؤلم للنهج السياسي والعسكري الأمريكي؛ ويجري تنفيذ هذه التفاهمات عسكرياً لكونها أفضل من قيام حرب ذرية ماحقة ؟ .
وهل ستتراجع أمريكا عن مشروعها التاريخي للهيمنة على العالم تحت ضغط تعدّد الأقطاب الصاعدة اقتصادياً وعسكرياً، الذي يفرز توازناً استراتيجياً عالمياً وإقليمياً ... ريثما تجمع أمريكا قواها من جديد للانطلاق بمؤامرة أخرى ضد الانسان والحضارة ؟ .
أي هل ستسقط القُطْبية الأمريكية وعولمتها التنميطية المُظَلِّلَة التي تمنع فهم الآخر وتعزل الناس وثقافاتهم عن بعضها، و "القرية الكونية" الكاذبة، وأحلام الامبراطورية قصيرة العمر المغموسة بدماء الشعوب ؟ .
أم لا آمال ولا أوهام ولا أحلام بالاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين المستعمِر والعبيد؟!. فمهما لفّ الحلزون فهو يدور حول محورِهِ مُنطلقاً من الارهاب الرأسمالي : تحضير وتحرير ودمقرطة المستعمرات بإبادة سكانها وثقافاتهم، ونهب مواردها ...
فإنْ أراد ترامب إعادة أمريكا إلى عظمتها بمواصلة ثقافة الاستعمار، ورغَبَت "تيريزا ماي" تجديد وتحديث الاستعمار البريطاني بالقوتين الغليظة والناعمة، ومنها استخدام السلاح النووي ... فانّ الحديث عن الأمن والتوازن وإدارته نحو الاستقرار، وضمان تطور البلدان وسعادة الانسان ماهو إلا أضغاث أحلام .
ربما ستفرز معركتي حلب والموصل أوضاعا جديدة في الشرق الاوسط والعالم : فبالنسبة لحلب، يَنجز التدخل الروسي أعمالا على الارض تؤدي الى انحسار داعش وآلها، وتغيير الوضع الاستراتيجي باتجاه آخر . أما بالنسبة للموصل فالأمر غريب وعجيب: إذ تتراجع وتتعثّر قوات الجيش العراقي، والبيشمركة، والجيش الشعبي، وجيوش أمريكا وحلفائها ... باقتصادهم وقدراتهم العسكرية أمام داعش!. فهل أن بارومتر تحرير الموصل بيد أمريكا ؟ .
لم يتغيّر المَنْحى الظالم للغرب منذ بداية القرن العشرين . ولن يتغيّر مادامت ثقافة الاستعمار قائمة، وشعوب المستعمرات مُتخلفة وغافلة، وتنتظر الحلول وتحقيق الامال من أعدائها ! .
وما لم تبرز فئة من المثقفين الوطنيين الشرفاء الصادقين من قادة الرأي الصحيح يُنَوِّرون الشعوب ويمحون أمياتهم الثقافية ، وفي مقدمتها الأُمية الوطنية، لمقاومة الاستعمار والارهاب والفساد، وانتزاع الحرية والحقّ في استخدام مواردها لصالح شعوبها .... فلن يكون هناك مخرجاً من هذا المأزق .
ويبقى الأمل في شباب العرب، الذين هم اليوم أكثر ثقافة ووعياً من سابقيهم بفعل شبكة الانترنيت، وليس التنمية العربية التي يُواصل حكام العرب الخونة صرف ميزانياتها لشراء الاسلحة، والذمم ! .