حركة الشرق والجنوب لاستعادة ممتلكاتهم الثقافية من الغرب
إن تراث الشعوب مَنْجَم ونَبْع لاينضب، للاحياء والالهام لكل زمان، وان الصورة الفنية التي يفرزها التراث هي جزء متواصل من تاريخ ثقافة المجتمع وتعايُش جميع مكوناته. وبهذا فلابد من استخدام دَوْر الصورة الفنية في رفع وعي الشعوب، والقضاء على التخلف والتبعية والاستغلال، والتمسك بتراث الأمة وهويتها وروح ثقافتها وجماليات فنونها؛ وجعل الناس يفتخرون بها ويعملون على إحيائها وتجديدها وتطويرها والمُراكَمَة المعاصِرةعليها.
ونظرا لما للثقافة والفنون من دور مهم في تاريخ ونهضة الامم، وفي إيقاظ الشعوب ورفع وعيها الاجتماعي، الذي بدونه لن يكون هناك واقعا مزدهرا لاي تغيير وتطوّر؛ فقد برزت ونشطت المقاومة العالمية للعولمة الوحشية: بالايمان، وبالثقافة، وبالفن والجمال، كإحدى الوسائل الفعّالة لتقوية أسس الاقطاب الثقافية المتعددة في عالم لم يعد يدور في فلك القوة الأمريكية المفرطة والظالمة صاحبة " الفوضى الخلاقة ". كما صارت تتشكل، وبسرعة، اقتصادات جديدة فاعلة تعيد هَيْكَلة النظام الاقتصادي العالمي، سواء بصعود قوى كبرى جديدة، أم بتعزيز دور بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ( بلدان العالم الثالث قبل تفكّك الاتحاد السوفيتي )، واحترام خياراتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد ضاعفت هذه الاوضاع الجديدة من تحجيم القطبية الامريكية الشرسة، التي صارت تنزوي تدريجيا نحو الداخل مثخنّة بجراح عدوانيتها وهزيمتها العسكرية و تراجعها الاقتصادي. وقد جاء في مقدمة إفتتاحية مجلةNexus, June - July 2011 ، ان حوالي 50 مليون أمريكي يعتاشون على البطاقة التموينية، وان واحدا من كل سبعة منازل فارغ لا يشغله أحد، وان نسبة البطالة بلغت أعلى مستوياتها بدون وجود أي إشارة للتحسن، وان أسعار المساكن تواصِل الهبوط، وان دولة الاقتصاد الاول في العالم، هي في نفس الوقت أكبر بلطجي في العالم؛ ورغم أفولها المتسارع، فانها مستمرة في تمويل الحروب والتجسس أكثر من كل دول العالم مجتمعة.
فهبّت على عالم الفن حركة تقاوم التوجّه العنصري التنميطي، الذي يعمل الغرب على فرضه؛ وذلك من خلال الاهتمام بما " تسرّب " الى أوربا والولايات المتحدة من أنتيك وأوابد وتحف وأعمال فنية من تراث مختلف أمم وشعوب الارض. فظهرت على مسرح الثقافة العالمية تيّارات وطنية تدعو لاسترداد تراثها المنهوب، والذي يتواصل نهبه وتهريبه حتى الوقت الحاضر. فصار الروس والصينيون والهنود واليابانيون والمكسيكيون والبرازيليون والافارقة والعرب والمسلمون، الاكثر بحثا واقتناء لتحف وآثار بلادهم، وفي مقدّمة من يوظِّف الاموال الطائلة لاسترجاع تراثهم بالاقتناء من أسواق الغرب؛ وباقامة المتاحف الوطنية لحفظه؛ والمعارض المحلية والعالمية للتعريف بفرادته؛ كاعلان شديد الوضوح بعدم التنازل عن المثمّنات الثقافية والنظم الاخلاقية للشعوب؛ وباتخاذ التراث كأساس لبناء وتقوية القاعدة الروحية والمادية، التي يقوم عليها أي تطور معاصر ومستقبلي من خلال " التنوع البشري الخلاق " داخل وحدة اطار الحضارة الانسانية: بالتعارف والتشارك والتعاون واحترام المصالح المتبادلة للجميع؛ أي بالخروج من مأزق الاستعباد الاستعماري، الى رحاب عالم الاستقلال والديموقراطية الحقيقية: عالم الأوطان الحرّة والأرواح الحيّة والنفوس النقيّة الطيّبة والشعوب السعيدة.
بالتوازي مع تفكّك الاتحاد السوفيتي، صاحَبَ وفْرة التحف والاعمال الفنية في الغرب انفجارا في تسليع الفن: فيْضاً ورواجاً في العرض، وفورة في الاقتناء. فظهر على ساحة الفن فئات من أثرياء روسيا والصين والهند واليابان وأمريكا اللاتينية وأفريقيا والعالم الاسلامي، وغيرهم؛ وكأنهم يتسابقون في حملة منسّقة، وواعية، ووطنيّة، لاستعادة تراثهم المنهوب: لاقتنائه، وحفظه، ودراسته، وعَرْضِه؛ بهدف توسيع دائرة التعريف بالذاكرة الثقافية التاريخية لهذه الامم، وتعبئتها بمنظوماتها الروحية والمادية، وتهيئتها للتطور والازدهار المعاصرعلى قاعدة الهوية الوطنية، التي تقاوم التنميط العولمي؛ بالاضافة الى تعريف الشعوب بتراث بعضها البعض.
كما تعكس عملية استرجاع الامم لتراثها المتسرّب الى الغرب، تصاعُد القدرات الاقتصادية لهذه البلدان، وان هناك تغيرات اجتماعية وثقافية تفرض على الطليعة الاقتصادية الاهتمام بالتراث الوطني.
وبموازاة هذه الحركة تواصِل المتاحف وأصحاب المجاميع الفنية الخاصة في الغرب بناء مجموعاتهم من خلال مايتراكم في أسواق الفن من تحف غير معروفة سابقا. ويصاحب ذلك عدة ظواهر منها:
- سعي بلدان، مثل ايطاليا واليونان ومصر، الى استعادة آثارها المحفوظة داخل متاحف أوربية وأمريكية؛
- انتهاج استراتيجية استثمار أموال بعض الاثرياء، والمؤسسات المالية والصناعية في اقتناء الاعمال الفنية؛ وذلك في لجّة التآكل المتواصل لاسعار العملات الورقية، ودون دفع الاموال لاقتناء الفن من نفقاتها الخاصة وإنما من نسبة الضرائب الواجب دفعها، واعتقادا بالارتفاع المستمر لقيمة التحف والاثار والاعمال الفنية مع مرور الزمن .
- تكدّس الاموال غير الشرعية، الناجمة عن تجارة الاسلحة والمخدرات والجنس وغيرها، واستغلال الفن كمجال لغسيلها، الى جانب شراء العقارات، واقامة مشاريع أخرى متنوعة.
- تحقيق أصحاب المجاميع الفنية الخاصة لمنزلة اجتماعية وثقافية متميزة في المحيط المحلي والاقليمي والعالمي .
ونتيجة لما تقدّم، فقد أًصبحت صالات المزاد الغربية تشهد منافسة شرسة حول الفريد والنادر والجميل، والاصلي والاصيل؛ حتى صارت تحفا مفردة، كانت مهملة حتى وقت ليس ببعيد، تحقق في دور المزاد مبيعات بعشرات الملايين من الدولارات.
وفيما يلي نستعرض، بايجاز مقارن ثلاثة أمثلة:
فرغم الاهتمام المتميز بالثقافة والفنون في روسيا الاتحادية، والنسبة العالية من زوار المتاحف والمعارض في العهد السوفييتي، فانه لم يكن هناك تجارة علنية للأنتيك، وذلك على العكس تماما من الغرب، الذي اتخذ من الفن تجارة واسعة لها دكاكينها وأسواقها ومزاداتها ومعارضها، التي تدرّ أرباحا طائلة. فقد أمّمَت قوانين ثورة أكتوبر 1917 ممتلكات الاثرياء الروس من جامعي التحف، ووزعتها على المتاحف لمشاركة الناس بمعارفها وجمالياتها. وقد أقامت الاكاديمية الملكية للفنون بلندن عام 2008 معرض: من روسيا ‘ From Russia ‘ لمنتخبات من هذه الثروة، والذي عُرضت فيه، ولاول مرة، أعمالا فنية للفترة بين 1870 - 1925 لفنانين روس وفرنسيين وغيرهم، منهم رنوار وسيزان وفان غوغ وغوغان وماتيس وكاندينسكي، مما تختزنه متاحف روسيا مثل الارميتاج، وغاليري تريتياكوفسكي في موسكو ( المتحف الوطني الروسي للفنون )، ومتحف بوشكين للفنون؛ وذلك رغم الاعاقة المتكررة لقيام هذا المعرض بفعل مطالبة ورثة المصادَرَة مجموعاتهم، باسترجاعها؛ وكان معرضا ثريّا تقاطر على مشاهدته عشرات الالاف من عشاق ومحبي الفن والطلاب والمهتمين .
غير أن الامر تغيّر في روسيا الاتحادية، بدءً من المؤتمر السابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي، الذي انعقد في موسكو عام 1986، والذي عرض فيه الرئيس الأسبق غورباتشوف رسالة " البريسترويكا، لنا وللعالم أجمع "( اعادة البناء )، بمنهجية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية جديدة، وكان هذا المؤتمر بداية لنهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي. وأعقب ذلك تغييرات هائلة في مختلف مناحي الحياة السوفيتية، ومنها في المجال الفني وتجارة الأنتيك والتحف.
ونتيجة للفوضى الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد تمّ نهب وتسريب كميّات ضخمة من الاثار والاعمال الفنية من المتاحف والكنائس والمواقع الاثرية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي. وقد نجم عن ذلك ظاهرتان رئيستان: الاولى، اتجاه عدد من الاثرياء في الغرب واليابان لجمع ماتسرّب من الاتحاد السوفيتي وأفغانستان ويوغوسلافيا والعراق وغيرها من آثار وتحف، كاللوحات والمنمنمات والتماثيل والايقونات والمصنوعات المعدنية، وخاصة النفيسة منها كالحلي. أما الظاهرة الثانية فهي اهتمام الدولة الروسية بممتلكاتها الثقافية؛ الى جانب سرعة ظهور مجموعة من الاثرياء الروس، الذين جعلوا جمع وتجارة الفن من أحد مهامهم الاساسية؛ مما نجم عنه:
- ظهور جانب من المخزون الفني السوفيتي التاريخي الى السطح، ومنه منتجات الفن الحديث، التي ظلت معزولة عن المجتمع في العهد السوفيتي بحكم ضغط سياسة الدولة في الفنون بالتزام " الواقعية الاشتراكية "؛ وبعد أن كان فنانوا الحداثة يعرضون منتجاتهم في شققهم الخاصة، أصبحوا يقدمونها في معارض مفتوحة للزوار. إضافة الى مايحتفظ به البعض من تحف اضطروا الى التخلي عنها لمواجهة الاعباء المالية إثر موجة الفقر ومتطلبات العيش في الظروف الجديدة القاسية، التي اجتاحت، ولا تزال، فئات واسعة من شعوب الاتحاد السوفييتي؛
- انتشار حركة تسليع الفن: فبعد ان كان في موسكو، مثلاً، في ستينات وسبعينات القرن الماضي بضعة دكاكين لبيع وشراء الاعمال الفنية لاتتعدى أصابع اليد الواحدة، فقد اخذ عددها بالازدياد في السنوات التي تلت . وفي عام 2008 افتتح في موسكو " سوق البراغيث "، على غرار مَثِيْلَيْه: " مارشيه أوبوس " في باريس، و " بورتوبللو " في لندن. وتذكر ( International Herald Tribune, 29 - 30 May, 2004, Moscow World Fine Art Fair, 3 - 7 June, 2004 ) عن افتتاح أول معرض عالمي للفنون بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في موسكو ساهمت فيه مجموعة من أكبر تجار وجامعي التحف وصالونات العرض ودور المزاد في الغرب، الى جانب أقرانهم الروس. وكان هذا المعرض نقطة تحول في تنظيم وتوسيع تجارة الفن في روسيا، كما جذب المعرض المهتمين من شتى أنحاء العالم، وذلك لغنى المعروضات، وأهمية وندرة كنوزها الثقافية، وتنوعها من المخطوطات والمسكوكات والمصاغ الى الاثاث والسيراميك ولوحات الفن من مختلف البلدان والفترات التاريخية. اذ ان ثقافة جمع التحف كانت من اهتمامات بعض اثرياء روسيا القيصرية، خاصة في عهد كاترين الثانية عندما كان كبار الاثرياء يتنافسون بما يزينون به قصورهم من أعمال فنية. لذلك لم يكن غريبا في الانبعاث الروسي الحديث لجمع الأنتيك والتحف ان يغزو بعض الاثرياء الروس أسواق ومزادات الفن الغربية. ومن هؤلاء من أقام متاحف شخصية في مدن مثل: موسكو وبطرسبوغ وكييف وأوديسا. وتطور الاهتمام بجمع الأنتيك حتى ظهر في روسيا دورا للمزاد ومعارض دورية للاتجار بالاعمال الفنية؛ ونجم عن ذلك ارتفاع أسعار الفن الروسي، وبشكل متواصل منذ أواسط تسعينات القرن الماضي؛
- ملاحظة ان أغلب جامعي التحف الروس هم من الاخصائيين أو المثقفين بالفنون، والذين أسّس بعضهم شركاتهم الخاصة لتجارة التحف، والتي تتركز بشكل خاص في مدينتي موسكو وبطرسبورغ. إضافة الى امتلاك زوجات بعض الاثرياء الروس لصالونات الفن، اللاتي وان يفتقدن الى التجربة، فان لديهن المال والمستشار، مما يكسبهنّ المعرفة والخبرة عبر تراكم التجارب.
ومن أبرز جامعي الاثار والأنتيك والتحف والاعمال الفنية الروس، هو البليونير " فيكتور فيكسلبرغ "، الذي أنشأ مؤسسة أورورا ( Aurora ، التي يذكّر اسمها بالطرّاد الروسي الشهير، الذي استولى عليه البحّارة الثوّار، وكانت اطلاقته المدفعية إشارة لاندلاع ثورة أكتوبر 1917)، لاقتناء الفن الروسي من أوربا والولايات المتحدة، وأصبحت اعلانات هذه المؤسسة تتصدّر صحف ومجلات الفن العالمية. ثمّ افتتح فيكسلبرغ أول متحفيْن شخصيين في كل من موسكو وبطرسبورغ يعرض فيهما منتخبات من مجموعته ومن مجموعات خاصة أخرى؛ ومنه مما تم اقتناؤه من مزاد سوذبيز الخاص، الذي أقيم عام 2004 لبعض مصوغات البيض الفريدة، التي كانت تُنفِّذها ورشة " فابرجيه " الصياغية العالمية الشهيرة لقصور قياصرة روسيا، بسعر قيل انه بلغ 120 مليون دولار.( The Art Newspaper No. 165, January, 2006 )
ونشر( John Varol, Revealed: the top Russian art supporters, The Art Newspaper, No. 179, April, 2007, p. 62 ) صور وأسماء أهم تسعة أثرياء من بليونيرات روسيا العاملين في حركة استعادة التراث الوطني الذي تسرّب الى الغرب، وإقامة متاحف لحفظه وعرضه، وإشراك الناس بمعارفه وجمالياته.
وفي الصين تخصّص الدولة، بمساندة الاثرياء الصينيين، تمويلاً مهماً لبناء مجموعات متحفية، خاصة على أساس استرجاع ممتلكاتهم الثقافية التي تسرّبت خارج البلاد، ومنها:
- عشرة ملايين تحفة خلال فترة الاستعمار؛
- اضافة الى ماتسرّب إباّن الثورة الثقافية ( 1966- 1976 )، والتي تواصلت ذيولها حتى ثمانينات القرن الماضي؛ حيث كان الحرس الاحمر، خاصة في بداية الثورة الثقافية، يفتشون المنازل للبحث عن التحف ومصادرتها. فأصبحت التحف الصينية، التي كان الناس يودون التخلص منها تباع بأبخس الاثمان .
- وتلك التي صدّرتها وزارة التجارة الخارجية الصينية للحصول على العملة الصعبة اللازمة لاستيراد النفط والغاز والحديد والاسمنت، كجزء من عملية تحديث الصين، عبر عدّة طرق، منها بيع التحف الصينية إلى الغرب واليابان.
وكان ماتقدم بمثابة المحرقة الثقافية لملايين الاعمال الفنية الصينية: بالتشتت والضياع والتلف والتصدير، بحيث تكوّنت في الغرب مجموعات متحفية وشخصية مهمة للفن الصيني.
وأتذكّرمجموعة راقية، على صغرها، كانت بحوزة أحد الدبلوماسيين العاملين في سفارة بلاده في الصين، والذي بعد تركه لعمله هناك عاش حوالي ثلاثة عقود خارج وطنه ببيعه لتحف مجموعته قطعة بعد أخرى إلى تجّار الأنتيك.
وكقوة عظمى عالمية صاعدة يزيد تعداد سكانها على 1.3 مليار نسمة، فقد موّلت الصين في العقود الثلاثة الماضية خمسة ترليونات دولار لتطوير اقتصادها وتحديث بناها التحتية؛ كما يتمّ دعم الثقافة والفنون لمواصلة انتاج وازدهار ثقافة البلاد. لذا يصاحب هذا التطور الشامل تشييد متاحف للدولة، وأخرى شخصية صارت تتوزع في مختلف أنحاء الصين. كما أصبحت بعض المؤسسات الاقتصادية والمجمعات العقارية تضم متاحف للفنون. وهذا ماصعّد أسعار منتجات الفن الصيني في أسواق الأنتيك، كما في نيويورك ولندن وباريس وغيرها من عواصم وحواضر الغرب إلى أرقام عالية، بل خيالية بالنسبة لبعض التحف الفريدة والنادرة.
وذكرت ( مجلة الفيصل، الصين تبني 300 متحف، العدد 360، جمادي الاخرة، 1427 هجرية ) بان الصين كشفت عن " خطّة لبناء أكثر من 300 متحف خلال السنوات الخمس المقبلة، وبدأت السلطات المختصة الشروع بتنفيذ تلك المشروعات مؤكدة ان كل مدينة رئيسية في الصين ستمتلك متحفا تنفيذا للخطة. والمتاحف الجديدة متعددة المحتوى، وتشمل التاريخ القديم، والحديث، والشخصيات، والفنون، والقوميات، والتقاليد، والعادات الشعبية "..." واوضحت الاحصاءات ان المتاحف الصينية تقيم سنويا نحو 10 آلاف معرض يتردد عليها أكثر من 150 مليونا من الزوار. "
وقد تم افتتاح المتحف الوطني للصين كأكبر مؤسسة متحفية في العالم، ويطل المتحف على الساحة التاريخية " تيان آن مين " في بكين ( التفاصيل فيChina's new age of Enlightment, The Art Newspaper, No.223, April 2011, p.41 - 43 and p. 85 ) ،مما يجعل الصين إحدى أهم دول العالم في تمويل ودعم الثقافة والفنون وتطوير سوق الفن بزيادة الاستثمارات وتنشيط حركة البيع والشراء وانتشار دور المزاد، ومن بينها ثلاثة من أكبر المزادات العالمية للفنون، مما لم يكن موجودا منذ عقدين من الزمان؛ حتى ان ( القدس العربي، 24/05/2011 ) نشرت خبرا عن بيع لوحة للفنان الصيني المعاصر تشي باي تشي بثمن قياسي وصل الى 65 مليون دولار في دار مزاد ببكين.
وكتب أندرو جاكوبس ( الصين تبحث عن كنوز فنية ضائعة داخل متاحف أمريكية، الشرق الاوسط، 21/12/2009 ): " وصل " فريق تعقّب الكنوز " الصيني الى متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك... في اطار جولة... طاف خلالها فريق صيني مكون من خبراء ثقافيين على عدد من المؤسسات الامريكية في سعيهم الى استعادة آثار كانت موجودة في القصر الصيفي القديم ببكين، الذي كان من أكثر أماكن الاقامة الامبراطورية ثراء في العالم... كما " اقامت الصين حملة صاخبة، شجعت لها ثروات اكتشفت حديثا، من أجل استعادة أنقاض اختفت خلال ماتسميه الصين " قرن الاذلال " وهي الفترة بين عام 1842 وعام 1945 التي خلالها استُعْبِدت الصين من دول أجنبية خلال عمليات عسكرية ومعاهدات مجحفة...وانه قد " كثر الكلام حول البحث عن الاثار خلال العام الحالي بعد ان قام " مزاد كريستي " في باريس بعقد مزاد حول اثنين من رؤوس الحيوانات البرونزية التي كانت جزء من نافورة في ارض القصر، وتصاعُد حالة من الغضب الشديد في الصين ازاء عملية البيع هذه. وفي النهاية، قام صيني يجمع الاثار بافساد المزاد بأن قدّم العرض الاعلى: " 18 مليون دولار لكل رأس "، وبعد ذلك رفض الدفع! "
كما تسترد الهند بدعم من جامعي الانتيك الاثرياء، تراث الهند بالاقتناء من اسواق الفن والمزادات الغنية جدا بالاثار والأنتيك والتحف والاعمال الفنية، والتي تقام دوريا في الغرب، وخاصة في لندن. ومعروف أمر الممتلكات الثقافية للهند التي نُهبت وتسرّبت الى المملكة المتحدة طيلة حقبة الاستعمار البريطاني للهند، ومنها مجاميع المهراجات المتنوعة والمنفّذة على مختلف المواد، خاصة النفيسة منها كالحلي، اضافة الى الاعمال الفنية التشكيلية من لوحات وتخطيطات ومنمنمات وتماثيل، كانت ولا تزال تمثل جزء مهما من المعروض في أسواق الفن وصالات العرض المنتشرة في أوربا والولايات المتحدة. وقد ذكرت ( الشرق الاوسط، الهند تعرض شراء مقتنيات لغاندي والمالك يرفض..لانخفاض السعر، 05/03/2009 ) عن الاتصالات والضغوط التي تمارسها الحكومة الهندية لالغاء المزاد الذي تقيمه قاعة " أنتيكوروم أوكشنير " في نيويورك، التي عرضت المقتنيات للبيع، حتى ان محكمة هندية كانت قد أصدرت أمرا ضد إقامة المزاد، أو بيع المقتنيات، التي تعتبر من تراث الهند الوطني.
وكما في روسيا والصين، تنشط حركة الفنون داخل الهند بشكل واسع، ومن ذلك انتشار دور المزاد في عدد من مدن الهند.
والى جانب النماذج الثلاثة المتقدمة: روسيا والصين والهند، فان ظاهرة تكوين المجموعات الفنية، وانشاء المتاحف الجديدة قائمة وتتطور في عدة بلدان: منها متحف البارون الهولندي السويسري " تايسن "، وهو جمّاع مُدْمِن كوّن أحد أهم المجموعات الفنية الخاصة في العالم ، التي تضم لوحات وتماثيل وأثاث ومصوغات وسجاد شرقي وغيرها، وقد توسعت مجموعته مما اضطره الى توزيعها في عدة أماكن، اضافة الى اقامة معارض دورية حول العالم، مع بقاء الجزءالاكبر من المجموعة في قصره - المتحف " لافوفوريتا " على ضفة بحيرة لوغانو في سويسرا؛ وفي عام 1987 أعار تايسن حوالي نصف مجموعته لتعرض في قصر تاريخي في وسط مدينة مدريد، حيث يسعى كرمه الثقافي الى مشاركة الناس ببهجتها. هذا بالاضافة الى حاكم لشتشتاين، وهو أصغر بلد اوربي، الذي دخل ساحة اقتناء التحف بصرف مئات الملايين من اليورو لمتحف الدولة، بشكل عبّرت عنه ( The Art Newspaper, June, 2007 ) انه يفوق تمويل اي متحف أوربي آخر. وفي نفس هذا العدد من جريدة الفنون، مقال عن جامعي التحف الاثرياء الاستراليين، الذين صاروا يقيمون متاحفهم الشخصية في أستراليا؛ أو في المكسيك، مثل " متحف سُميّة " الذي أقامه كارلوس سليم، رجل الأعمال اللبناني الأصل وأحد أثرياء العالم. هذا الى جانب مؤسسات عالمية تقتني التحف، مثل " دويتشة بنك " و " سيتي بنك "؛ وغير ذلك الكثير من المجموعات الفنية الخاصة الاخرى في ملكية أثرياء الغرب.
www.al-jadir-collect.org.uk
E.mail: jadir959@yahoo.co.uk