تنشر من وقت لأخر كتابات عن التاريخ اللغوي للشمال الافريقي . وقد امتاز ما نشر بعد سنة 1967 وانكسار العرب في حربهم المعروفة بنزعة مرضية تذكر بسلوك الاخ الاصغر في وجه اخيه الاكبر الذي ظهر ضعفه . نزعة مرضية يريد بها الاخ الاصغر ان ينفصل عن اخيه الاكبر لكي لا يلحق به عار الهزيمة وهو به لاحق دون ريب . من ذلك مقال أبي القاسم أفولاي المنشور فى مجلة المعهد الملكى للثقافة الأمازيغية (ص 39) العدد الأول . إن رمزية المعهد ترفع المقالات المنشورة فى مجلته إلى موقع تستحق به المحاورة العلمية المحايدة .ولذلك نرد عليه هنا لا لاستحقاقه في ذاته . لقد أفنى الكاتب جهده للاستدلال على خرافات جملتها أن المغاربة ليسوا عربا وانهم فى العهد الاستعمارى الفرنسى الإسبانى ثم بعد الاستقلال لم يعلنوا عروبتهم وينضموا إلى الجامعة العربية إلا لأسباب وقتية انتهازية لا صلة لها بحقيقة أمرهم وانهم جميعا أمازيغيون خلص أو أمازيغيون معربون. وكأن هؤلاء الناطقين بالعربية الدارجة فى المغرب التي ورثوها عن آبائهم وأمهاتهم ليسوا عربا ولا يكونون عربا إلا بعد إدلائهم بشهادات نسب موثقة فى محكمة أفولاي وكأن إرث الدارجة العربية ليس دليل نسب أو كأنهم صفر على الشمال فى إحصاء السكان أو كأن الناطقين بالأمازيغية فيه- ونسبتهم 28 فى المائة كما بين ذلك عميد المعهد الأستاذ د. أحمد بوكوس فى مقاله الممتاز فى العدد نفسه والذي أرجو أن يكون قدوة ونبراسا يهتدى برشده ونصفته ومنهجه القويم الكتاب عن الأمازيغية- يحملون شهادة ميلاد متوارثة تثبت أمازيغيتهم وكأن إرث الأمازيغية دليل نسب لهم وحدهم. غاية الأمر ان أفولاي كان يكون منصفا لو وقف زعمه عند القول بأن الناطقين بالأمازيغية ناطقون بلسان ينتمي إلى كتلة لغوية مستقلة , ثم بعد ذلك نرى مقدار ذلك الاستقلال فيها عن غيرها من الكتل . أما أن ينكر الانتماء العربي للأغلبية المغربية بحجج إديولوجية غير حيادية متغافلا في حالهم وحدهم دون غيرهم عن الارث العربي الدارجي فأمر غريب. وهنا أتساءل عن سر الرغبة فى خلع الانتماء العربى عن العرب المغاربة وعن عرب شمال إفريقية بل عن العرب عامة ومطالبتهم بما لا يطلب من غيرهم لاثبات نسبهم أي مطالبتهم بشهادة نسب موثقة من شهود من العصر الجاهلي العربي . وأنا شخصيا سمعت سنة 1967 فى أيام الطلب المستشرق شارل بلا فى باريز يتحدث فى دروسه عن الأرابوفون أي الناطقين بالعربية لا عن العرب عند حديثه عن العرب. ولكن الفرنسيين كانوا عنده فرنسيين لا ناطقين بالفرنسية لان نسبتهم الى الفرنسة تثبت عنده بالارث اللغوي لا بشهادة من عهد شارلمان او من عهد فانسيجيطوريكس , بخلاف العرب. إذا انتقلنا إلى الأمازيغ والأتراك والروم والفرس زالت تلك الرغبة واعترف الكل بنسبة الخلف للسلف بالاعتماد على الإرث اللغوى ولم يطالبوا بإثبات آخر. لا نطلب من التركي ولا من غيره شهادة نسب وشجرة أصل موثقة بالسند ونرى فى إرثه اللغوي عن آبائه شهادة كافية. ما السبب اذن؟ لا سبب لإخراج العرب من القاعدة إلا الموروث الثقافى النظرى الذى يأتي ليقوي النزعة الاختبائية الفرارية من الإحساس القياسى بعار الهزيمة. ذلك الموروث يرى فى العروبة شرفا عظيما بسبب عربية النبي وعربية القرآن المجيد ومنزلتهما التي لا تدانى فى الثقافة الشعبية للطائفة الإسلامية فى الشرق والغرب . لكن كيفما كان ذلك الموروث وغيرة غير العرب من العرب فى خصوصه أو تعظيمهم لهم لأجله فإنه لا يستحق وحده أن يقوم سببا للرغبة المرضية فى نزع الهوية العربية عن العرب فى خطاب غير العرب من القومجيين المنهزمين القياسيين . إنما يأتي لتقوية الدواعي الحقيقية أي الرغبة فى التخلص من الإحساس القياسي بالعار والرغبة فى تحقيق الانتصار المستحيل. إنكار الهوية العربية عن أهلها إنما هو وسيلة من وسائل تحقيق تلك الغاية. لولا ذلك لبقي الموروث الثقافى فى حدوده أو لعدل بما يناسب الحكمة والمنطق أو لألغي بما هو خير منه ولكن الموروث ينفجر فى ظروف الانفعال والفرار ويغدو دينا موجها.
نظرية التعرب السحرى
إن الرغبة فى الفرار من الاتصاف بما هو عار فى النظرية الأخلاقية الشعبية وما يتولد عنها من رغبة فى إحياء قوميات وتدمير اخرى، كل ذلك يتوسل إليه من خلال نظريتين خرافيتين أسطوريتين شائعتين فى الكتابات التاريخية المغربية منذ عهد الجنرال ليوطى وبتدبير منه ومن أعوانه منذ 1912 كما سيرد بيانه , نظريتين اتخذهما أعداء الهوية العروبية للامازيغية واعداء الهوية العربية لأغلبية سكان المغرب والشمال الإفريقي نبراسا يهتدون به , نظريتين هما :
- خرافة تعريب العرب للشعوب غير العربية
- خرافة تعربهم تلك الشعوب .
هما خرافتان ممتزجتان فى خطاب الفارين من الدائرة العربية والدائرة العروبية . ترى الكاتب منهم ينتقل من معنى التعرب إلى معنى التعريب بحسب غرضه حتى انهما لتعدان خرافة واحدة بروايتين. هذه الخرافة كان مبدؤها فى الشرق مع دعاة الفرعونية التى كان وراء دعوتهم القول بأن المصريين أقباط معربون ومع دعاة مذاهب أخرى مشابهة فى أقاليم عربية أخرى. هي دعوة بغير دليل لأنهم لا يملكون شهادات متتابعة فى التاريخ تثبت النسب الفرعونى أو غيره، ثم انها مناقضة للمنطق البدهي الذى يستدل بواقع الحال , الذى هو انتشار العربية , على النسب القومى, وموجهة للاستهلاك السياسى، ومخالفة فى خصوص مصر والمغرب الاقصى مثلا للواقع الاجتماعي إذ يعج البلدان بالقبائل العربية إلى هذا العهد، ومنافية للوثائق التاريخية التى تثبت عروبية أغلبية سكان مصر منذ القرن الأول الهجري وفى الجاهلية ,كما يدل على ذلك كتاب الولاة والقضاة للكندي المصري , وكما يدل على ذلك تاريخ مصر برواية العرب كما هو بين فى كتابات المسعودي. ومثل ذلك يقال عن الشمال الإفريقي كله . التعريب يستوجب قيام سياسة تتبناها الدولة أساسها تحريم اللغات الأخرى وتجريم الجهل بالعربية وطرد الناطقين بغير العربية من البلاد وانتزاع أملاكهم والتضييق عليهم واعتقالهم وإرغامهم على تعلم العربية كما حدث فى فلسطين بفعل الصهيونية وفي الاندلس بعد عودتها الى الحكم القشتالي. هذا النوع من السياسة لم يحدث أبدا طيلة تاريخ الحكم العربى القصير في الشمال الافريقي الذى انتهى بقيام حكم العباسيين , ولم يحدث أيضا طيلة حكم {المسلمين} الأعاجم الطويل منذ عهد العباسيين إلى القرن العشرين. اما التعرب الفجائى أو التدريجي الماحق فيستوجب حدوث حالة لا طبيعية سحرية يتحول بها شعب أو بعض شعب من لغة إلى أخرى. الحقيقة ان نظرية التعرب الخرافية ربما تكون ظهرت فى المغرب ومصر فى وقت واحد. ظهرت فى مصر بعد الاحتلال الإنجليزى بإيعاز من الإنجليز لأعوانهم من المصريين وأما فى المغرب فظهرت أيضا بعد الاحتلال بأقلام فرنسية لا مغربية خلافا لما حدث فى مصر ثم أحييت فى عهودنا بأقلام محلية لا تحصى عدا فى الصحف ومختلف وسائل الإعلام. يزعم سحرة هذه النظرية أن المغرب كان بلدا أمازيغيا خالصا ثم تعرب بعض أهله بعد الفتح الإسلامي العربى . هل كانوا ينامون أمازيغيين ويستيقظون معربين؟ لا يدرون. هل كانوا يشربون لبن العربية السحرى فيصبحون أعرابا؟ وزعموا أن هؤلاء المغاربة الناطقين بالعربية الوارثين إياها عن آبائهم هم من نسل أولئك المتعربين وليسوا من نسل العرب المحليين أو الوافدين؟ هل عندهم سجلات الحالة المدنية للمتعربين والوافدين والمحليين؟ ليس عندهم شيء من ذلك . هم لا يقصدون بالتعرب تعلم العربية ولكنهم يقصدون به التحول إلى عرب ونسيان الأمازيغية. معنى كلامهم أن جزءا من الأمازيغ يكون أصابهم عند حضور العرب فى القرن الأول الهجري نوع من فقدان الذاكرة اللغوية ففقدوا المعرفة بالأمازيغية ويكون أصابهم عفريت عربى فتعربوا. خرافة. كل ما يقولون عن التعرب يتنافى عن المعروف فى العلاقات بين الجماعات اللغوية. انظر إلى اللقاء بين العربية والإنجليزية والفرنسية والروسية وبين الجماعات اللغوية فى عصرنا. هل تنجلز أو تفرنس أو تعرب أحد من الجماعات الأخرى؟ كل ما فى الأمر هو التعلم الذى حول معارف لغوية من جانب إلى آخر دون ان يؤثر فى الهوية اللغوية للجماعات. إن خرافية هذه النظرية تتضح حين نعلم انها قائمة على نظرية أخرى خرافية هي قدرة الأقلية على تحويل مصير الأكثرية. كيف؟ يزعمون أن العربية انتشرت فى الشمال الإفريقي من مصر إلى المغرب الأقصى بفعل أقلية عربية حلت بالبلاد ومارست على الأكثرية السكانية المحلية فعل التعريب السحري الذى لا يستند إلى وسائل ومرافق وسياسات وبثت فى عقلية الأكثرية عناصر سحرية حولتها بين ليلة وضحاها إلى العربية؟؟؟؟؟؟. يعالجون الجروح العلمية والمنطقية التى تتسبب فيها هذه النظرية بمراهم الإسلام. يقولون إن السكان المحليين تعربوا بسبب الإسلام الذي اعتنقوه. وهذا أيضا قائم على نظرية خرافية هي أن التعرب والتعريب السحري كما وصفناه آنفا كان مصاحبا بعنصر آخر فى نظرهم سهل العملية التعربية أو التعريبية هو الإسلام. صار الإسلام عندهم عنصرا فى عملية تحولية سحرية؟؟؟؟؟. الإسلام براء من ذلك واعتناقه لا يؤدي إلى فقدان المعتنق لغته ولا إلى تعرب . ولو صحت هذه النظرية الخرافية التى نجدها مبثوثة فى الكتب الدراسية والصحف بصورة مطردة متواترة تغنى عن الإشارة والتمثيل، لو صحت لكان معنى ذلك ان العرب يكونون عثروا على وسيلة مدهشة لنشر لغتهم هي النشر بواسطة الاعتقاد. هذه الوسيلة التعليمية العجيبة يكون من أمرها أنها تجوز أن تؤسس الدول العربية مراكز لتعليم العربية فى العالم يتولى أمرها أساتذة متخصصون فى الدعوة الدينية. وما دام أمر العقائد لا يستغرق أكثر من يوم فيجوز أن يتعلم الصينى العربية فى يوم واحد بمجرد إحاطته بأركان الإسلام العام الخمسة. الحقيقة أن هذه النظريات الخرافية الشديدة الانتشار لا سبب لها إلا العجز عن قبول الحقائق اللغوية البدهية وهو عجز لا سبب له الا ما قدمناه من قبل من أهداف لا شعورية عن العار والهزيمة. أي حقائق لغوية؟ كل تلك الحقائق تجتمع فى أصل الأغلبية. أصل الأغلبية يقول إن انتشار لغة فى مجتمع سببه أغلبية الناطقين بها. معنى ذلك أن الشمال الإفريقي- ومصر منه- انتشرت فيه اللغة العربية لأن العرب صاروا فيه لأسباب ليس هنا مكان إبانتها أغلبية عددية بالنسبة للجماعات الأخرى لا لأن تلك الجماعات تعرضت لتعريب أو تعرب سحري من أقلية وافدة. هذا إن صح انها كلها وفدت وانها ليست فى جزء منها محلية. اصحاب هذه النظريات الشعوذية يمرون بجنب الحقيقة التي لا يريدون الالتفات اليها . ماهي؟ هي ان الامازيغ دخلوا الاسلام كما دخله غيرهم ولم يتعربوا كما لم يتعرب الترك والفرس وغيرهم وانهم مازالوا يتكلمون بامازيغيتهم ارثا عن آبائهم وانهم مازالوا مقيمين بالمناطق التي اقام بها اجدادهم منذ ان اقاموا بها في اول الدهر. لم يتعربوا ولم يذوبوا في غيرهم ولم يكرههم احد على الذوبان فيه .القول بانهم تعربوا خرافة تنافي المشهود من أمرهم في مناطقهم .
بجانب خرافة تعرب الجماعات الأمازيغية بطريقة سحرية فى القديم وما يقصده سحرتها من تشكيك فى انتماء عرب الأقطار المغاربية هناك خرافة تعريب الأمازيغ وفقدانهم لغتهم من خلال تعريب الإدارة بعد الاستقلال. هل نستطيع أن نقول مثلهم خرافة أخرى هي :ان المغاربة تفرنسوا ونسوا لغاتهم من خلال فرنسة الإدارة؟ لا. هي خرافة لأن فرنسة الإدارة قد تؤدي إلى تعلم المغاربة الفرنسية ولكن لا تؤدى إلى تحويلهم إلى فرنسيين ولا إلى فقدانهم لغتهم الأصلية. كل الشعوب تنتشر فيهم مراكز تعلم اللغات الأجنبية ويتعلمون تلك اللغات وفيهم من إدارته بغير لغته المحلية ولكنهم لا يفقدون لغتهم الأصلية. فرنسة المغاربة أو تعريب الأمازيغ أو فقدان اللغة الأصلية يستوجب إجراءات أعظم من فرنسة الإدارة أو تعريبها لا داعي للإطالة بها . ولا ينبغي أن يضرب المثل بالشعوب الأمريكية الأصلية الناطقة بالإسبانية للفقدان السحري الذى يزعمون حدوثه للبربرية فإن فقدان تلك الشعوب للغاتها الأصلية فى المستوى المجتمعي لا الفردي الأسري سببه اجراءات قانونية وادارية واقتصادية حرمت اتخاذ اللغات الاصلية وذلك ما لم يحدث له مثيل في الشمال الافريقي . اضف الى هذا كله ان القول بان تعريب الادارة في الشمال الافريقي أدى الى تعرب الامازيغ بعد الاستقلال كذب شنيع فان الادارة في ذلك الشمال الافريقي حافظت على الفرنسية وعاملت العربية معاملة القريب الفقير . والنكتة هي ان ذلك لم يفرنس المغاربة كما لم يرومنوا ولم يوندلوا حين حكم المغرب والشمال الافريقي الرومان والوندال.
احد امرين يفرض لغة ويلغي لغة : الاغلبية او الاجراءات القانونية بالمعنى العام ولا مكان للعوامل السحرية الشعوذية التي هي شراب وطعام الشعوبية في الشمال الافريقي.
تعريب المجتمع فى العصر الوسيط
إن الرغبة في تدمير عروبية اللهجات الامازيغية (= البربرية) وابطال انتماء عرب الأقطار المغاربية والذي جعلناه سببا لظهور مقالات من نوع مقالة أفولاي هو أيضا سبب قائم وراء مقالة رحمة تويراس- وما شابهها من مقالات وعقائد وأفكار تنتشر فى كل الوسائل الإخبارية وفى الكتب المدرسية - عن تعريب المجتمع فى العصر الوسيط المنشور فى مجلة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب. العدد الأول. وهي مقالة يقال فيها ما قيل في سابقتها هنا فانما يرد عليها هنا لمكانة المعهد ومجلته لا لذاتها او لاستحقاقها الرد فليس فيها الا ادلة غير برهانية ومشهورة بين العامة لا غير.
تقرأ المقالة فتعلم أن الوافدين من العرب فى الأعصر الأولى كان عددهم قليلا ولكنك تعلم بعد ذلك أن هذا القليل أنتج الكثير من التعريب . وكأن الغول الذى هو العربية يكفي منه القليل ليقضي على الكثير الأمازيغي. تضرب الكاتبة عرض الحائط بالقانون اللغوي الذي يقضي بذوبان الأقلية فى الأكثرية عند التساوي فى العوامل المتفاعلة فتتجنب القول بأن العربية إن استقرت فى مناطق بعينها فلأن العرب المحليين او الوافدين كانوا أكثر عددا فى تلك المناطق . طائفة من الخرافات : العرب قلة والعربية تنتشر والأمازيغ كثرة وهم يتعربون وطارق بن زياد - باسمه العربي وبانتمائه الى الادارة الاموية العربية وببلائه – قبل وصوله الى المغرب الاقصى - في ضرب القبائل البربرية المتمسحة المتحالفة مع البيزنطيين - يصبح أمازيغيا وجيشه الاموي يغدو عندها وعند أضرابها أغلبيته من الأمازيغ والعرب غائبون. هذا كلامها . نسيت أن طارقا بن زياد قائد أموي لا يحمل جنسية من الجنسيات المعاصرة فى الشمال الإفريقي وجيشه تابع للقائد الأموي موسى بن نصير وأنه إن كان مولاه فالمولوية لا تدل على أصل غير عربي إذ كان فى العرب موال كزيد بن حارثة , ونسيت العقائد السياسية الأموية التى كانت تحرم القيادة العسكرية على غير العرب ( انظر فلهوزن الالماني عن تاريخ الامويين) , ونسيت أن الأمازيغ سنة 98 , وهي سنة افتتاح الأندلس ,كانوا حديثي عهد بالعرب والإسلام وأن تجييشهم بنسبة الأغلبية التي تذكرها الكاتبة إنما هو اعتقاد صحفي يتعزز به بعض المغاربة باسم الوطنية الضيقة لا باسم التاريخ الموضوعي , وانه لو كان حدث لكان دليلا على غيبة الفطنة والحزم عن موسى بن نصير وطارق إذ لا يكون من الحكمة تأمير رجل غير عربي على جيش أموي الانتماء، مؤلف من قبائل حديثة الانقياد ، لخدمة أهداف عربية أموية .نسيت او جهلت كل ذلك , ونسيت أن خطبة طارق بن زياد البليغة كانت بالعربية وانها كانت موجهة إلى جيش عربي أموي , وأن طارقا لو خاطب جيشا من الأمازيغ لكلمهم بلغتهم إن كان يعرفها ولا أظنه عارفا بها . لقد شاعت فى المغرب على الخصوص قصة مغربية وأمازيغية طارق وجيشه- لأسباب لاداعي للإطالة بها- حتى وقعوا فى مشكلة الخطبة العربية التى ألقاها طارق على جيشه الأمازيغي عندهم فتخلصوا منها بإنكار حدوث الخطبة أصلا إنقاذا لأسطورة مغربية وأمازيغية طارق وجيشه. نسوا السياق العام الذي برز فيه طارق بن زياد القائد الأموى ونسوا الدولة الأموية وآدابها وعقائدها السياسية والعسكرية وأن فتح الأندلس كان من برامجها لا من برامج القبائل الأمازيغية - التي كانت في اغلبيتها مجرد مشاهد غير مشارك في الحرب بين العرب والمحتلين للشمال الافريقي من بيزنطيين ووندال - ولا من برامج دولة من دول المغرب.
ان العدو الذي حاربه العرب في الشمال الافريقي كان هو البيزنطيين وحلفاءهم البربر في تونس وشرق الجزائر الحالية , وكان هو الونداليين في المغرب الاقصى والاقاليم المتاخمة له شرقا . لم يكن الامازيغ في اغلبيتهم الضاربة القصوى من حدود تونس الى المحيط الاطلسي عدوا للعرب بدليل ما وجده العرب من سلام وترحيب في الجزائر والمغرب الاقصى حتى انه لا يذكر المؤرخون ولو معركة واحدة بين العرب والامازيغ في تلك المناطق وابن الرقيق القيرواني خير دليل على ذلك فليراجع . نعم دخل الامازيغ من المغرب الاقصى خصوصا لقربه من الاندلس في جيش طارق وغيره من القادة العرب لكن لم يدخل بنسبة تمحو الاغلبية العربية فيه لان ذلك يتنافى مع حقائق العمل العسكري . حالفت اغلبية البربر العرب في الشمال الافريقي لسبب بسيط هو ان اغلبيتهم كانت على عداء للبيزنطيين والوندال وكانوا معتصمين بجبالهم ومعاقلهم والتحقوا بالعرب بعد انتصارهم على الشعوب الشمالية الشقراء البعيدة عنهم خلقة وخلقا . يدل على ما تقدم ان نسبة الامازيغ الى العرب في الاندلس كانت تعكس نسبتهم في الجيش الفاتح : كان العرب اغلبية كبيرة بالنسبة للامازيغ العابرين الى الاندلس. دليل ذلك انه حين تفرقت الجماعة في قرطبة وسقطت الخلافة الاموية كان من حظ الامازيغ اقليم غرناطة دون غيره من بين اقاليم الاندلس. ويبدو انهم ورثوا وضع الاقلية منذ عهد قديم فلولا ذلك لما عجزوا قبل الحضور العربي عن مقاومة الرومان والوندال والفينيقيين العرب المتكاثرين . ولولا ذلك لما انحازوا الى الجبال في كل العهود , شأن الشعوب القليلة العدد فان صفات الامازيغ وان حسنت لا تغني عنهم شيئا امام الكثرة الكاثرة من غيرهم . غرضنا من هذا الرد على الاوهام التي تقضي بان العرب كانوا قلة في الفتح والبرهنة على انهم كانوا من الكثرة بحيث انكسرت لهم رقاب غيرهم والاشارة الى ان الغلبة والانتصار في الازمان الغابرة كان ينال بالكثرة قبل كل شيء ثم بالتنظيم وصنع الاسلحة لا بالايمان بمعناه الشعبي الفولكلوري أي بنظرية شعوذية تنسب انتصارهم الى ايمانهم الجديد لا الى شيء آخر . وكأن الايمان بدين جديد يغني عن العدد في الغلبة والاحتلال. ولو كان يغني لاغنى الانبياء والرسل.
فى الغالب لا تتحدث هذه (المؤرخة) عن العرب ولكن عن العربية التى تتحول فى قلمها وأقلام نظرائها إلى عفريت يدخل الشمال الإفريقي مخترقا قلوب الأمازيغ وماسحا منها الأمازيغية . وإذا تذكرت العرب جاؤوا فى حديثها عرضا. وهي- ومن تبعتهم فى نظرية تعريب البربر من كتاب فرنسيين كالذين ألف منهم ليوطي لجنته المدعوة بلجنة الدراسات البربرية سنة 1915 "الأرشيف البربري بالفرنسية 1915 الدار البيضاء"- لا ترى ما فى القول بتعريب الأمازيغ بتلك الطريقة من مساس بكرامتهم ونديتهم الإنسانية. اليس وراء القول بأقلية عربية شرقية وافدة كما تسميها مؤثرة في اغلبية مظنونة , أو بأن العربية بغير عرب مسحت الأمازيغية من قلوب الأكثرية الأمازيغية وحولتهم إلى ناطقين بالعربية وحدها , خرافة أخرى؟ أي خرافة؟ خرافة أنهم كانوا جمادا أو كالجماد يتلقون الأثر والفعل خانعين أو أنهم كانوا فاقدين للصفات البشرية التى تمنع تحولهم السحري إلى لغة أقلية مظنونة ؟ تنقل عن عبد الله العروى أن تعريب البربر كان سطحيا فى أول الأمر, وكأن العرب الفاتحين كان همهم تعريب الشعوب التى داخلوها أو كأنهم اختاروا الأمازيغ بالتحديد ليكونوا موضوع تجربة تعريبية بين كل الشعوب التى عرفوها أو كأنها فهمت أن العروي أجرى مسحا لغويا للسكان فى تلك العهود أو نسيت أنه إنما كان ينطلق من ظنون في نفسه قائمة على نظرية التعريب والتعرب الخرافية. نسيت كما نسي العروي أن الأمازيغ ما زالوا أمازيغ فى جبالهم ومناطقهم وأنهم لم يتعربوا قط إلا كما يتفرنس متعلم الفرنسية من الناس , وأن انتقال أمازيغي إلى مناطق العرب أو دخول أقلية لغوية فى أكثرية أمر لا يدعي تعربا ولا تعريبا , وإنما هو تحقيق لقانون لغوي اجتماعي يسري على الأمازيغ وعلى غيرهم. ولو شاء كاتب أن يعمل مثلها ومثل نظرائها - وهم كثير وإنما خصصتها بالرد هي وأفولاي لأنهما نشرا فى مجلة المعهد - من باب الرد على الباطل بالباطل لكتب عن تمزيغ العرب فى الشمال الإفريقي وفى المغرب على الخصوص ولشقلب الأدلة بحيث يجعل كل الأمازيغ فى المغرب من أصل عربى وافد , ويقيم لذلك نظرية التمزغ المقابلة لنظرية التعرب السحرية الأسطورية. وذلك يسير فإن البرهنة على أن الوافد العربى تمزغ أسهل من البرهنة على أن المقيم الأمازيغي تعرب. ذلك أمر يسير.
ملاحظة:
الاشارات المرجعية موجودة في صلب النص.
أحمد العلوي
رئيس اتحاد اللسانيين المغاربة
دكتور من جامعة باريز بفرنسا
دكتور من جامعة ليون بفرنسا
أستاذ قبلا بالجامعة المغربية والعمانية