تاريخ العربية والفكر الاسطوري في المغرب العربي 2

2017-02-14
إن التعريب لم يكن مما يعلنه العرب أو يخفونه من شؤونهم إذ لم تكن العربية ونشرها من مهمات الدول العربية والعجمية المتتابعة . وقد تقدم أن أشرنا إلى ان الدولة العربية تنتهى بالمعتصم ان لم تكن انتهت بالدولة الاموية. نقول اكثر من هذا فنزعم ان العرب الفاتحين انما كانوا يحتلون البلدان التى لهم فيها أغلبية عربية سابقة أو لاحقة أو مساوقة للفتح. انظر إلى تركهم أمر احتلال تركية الحالية التى كانوا يدعونها بلاد الروم فانهم كانوا يدخلونها غازين ولا يقيمون فيها وكانت حدودهم التى يدافعون عنها شمال حلب والموصل الى حدود زبطرة في الوسط الشرقي من تركية الحالية , وكذلك الأمر فى الحدود الشرقية مع الهند التى لم يدخلوها إلا غازين لا مقيمين ولم يدخلوا إلا بعضها القريب من حدودهم وفعلوا مثل ذلك فى الأندلس فغزوا شمال إسبانيا وجنوب فرنسا غزو عابرين لا غزو محتلين مقيمين . وما ذلك إلا لأن إقامتهم ما كانت تعتزم إلا فى البلاد التى كانت لهم فيها أغلبية سكانية أصلية أو وافدة أو أمكن لهم فيها تأسيس أغلبية منهم. ولو كانوا غزاة معربين كما يفهم من كلام أصحاب نظريات تعريب الأمازيغ الخرافية الشعوذية لكانوا عملوا على تعريب الشعوب القريبة منهم ديارا من روم وفرس وترك وهنود قبل الامازيغ البعداء مكانا . وذلك ما لم يحدث بحال .
 لا ترى (المؤرخة) فى دلائل حضور العربية فى المغرب خلال العهود القديمة إثباتا للحضور الأكثري للعرب الشرقيين والمحليين ولكن ترى فيها إثباتا لأصل أمازيغي متخيل فى ذهنها وذهن نظرائها لعرب الشمال الإفريقي. كيف؟ متى؟ من؟ لماذا؟ لا جواب. الهدف واضح هو تشكيك العرب المغاربيين فى أصولهم من خلال نظريات سحرية خرافية تناقض البدهيات . وكأنها تقول لهم: «أيها العرب المغاربيون. أنتم امازيغيون تعرب أجدادكم وأورثوكم العربية فعودوا إلى الأمازيغية واتركوا العربية والعرب ولا تعتقدوا أنكم عرب» وذلك ليعودوا إلى الفرنسية وليرفعوا مقامها من لغة أجنبية طاغية إلى لغة مستقرة. الغرض فرنكوفوني. الأمازيغية جسر لا غير. هذا هو المستلزم فى الخطاب الخرافي عن تاريخ العربية فى الشمال الإفريقي. وهو مستلزم يجعل هذا النوع من الكتابات ابنا طبيعيا للخطاب الاستعمارى الذى مثله الكولونيل سيمون فى أول القرن العشرين عند احتلال المغرب . جاء فى مقالة له فى مجلدات الأرشيف البربري الجزء الأول المنشور سنة 1915 بإشراف الجنرال ليوطي المقيم العام الأول لفرنسا بالمغرب والموجود بالمعهد الملكي للثقافة الامازيغية بالرباط ، جاء فيها ان الأغلبية السكانية فى المغرب بربرية وهو ما تكذبه الإحصاءات الرسمية كما ذكرت فى المقالة الرشيدة التى كتبها أحمد بوكوس عميد المعهد الملكى للثقافة الأمازيغية وتكذبه المشاهدات المباشرة إذ تسيطر الدارجة العربية المغربية على 96 فى المائة من المدن المغربية. ويظهر أن الكولونيل سيمون اختلط عليه الأمر بين الأغلبية السكانية والأغلبية الأرضية ولا يشك أحد أن المناطق المعمورة بالأمازيغ فى المغرب مثلا أوسع من المناطق المعمورة بالعرب ولكنها أقل سكانا وأضعف خصبا وأفرغ أرضا. يضيف الكولونيل سيمون أن أغلبية الناطقين بالعربية بربر متعربون ثم يضيف أن البربر ظلوا على صفائهم العرقي ولا ندري كيف يصح الجمع بين القولين وكيف علم ذلك الصفاء ان كان جلهم تعرب بعصا سحرية غير موسوية . ويضيف أن العرب الأصلاء قلة متفرقة فى البلاد ولا يقول كيف علم ذلك. ويبدو بجنب ذلك ان علمه بالأمر كان ناقصا إذ كان يعد قبائل جبالة من الجماعات البربرية إلا إن كان يعني أنها تعربت كما تقضي به نظرية التعرب السحرية. بهذه الادعاءات يصح أن نعد الكولونيل سيمون الأب الروحي لأنصار تلك النظرية التعربية الخرافية الشعوذية السحرية الايديولوجية وللاتجاه الأسطوري كله فى التاريخ اللغوي للشمال الإفريقي كما يبدو من كتابات المشتغلين به .
الحضور العربى القديم
 لا تستطيع الكاتبة أن تتصور ان العرب كانوا يحيطون بالمغرب قبل وفود العرب الشرقيين وأن بعضهم كان فيه قبل ذلك أيضا. هل جاء عرب الصحراء الجزائرية والموريطانية والمغربية والليبية والتشادية وغيرها من الجزيرة العربية مع الفتح؟ لا يدل على ذلك دليل بل الدليل يدل على أن الهجرة تكون من الأفقر إلى الأخصب لا العكس. إن بعض قبائل العرب كانت مقيمة  فى المغرب قبل الفتح العربي الشرقي وقبل الهجرة الهلالية الشرقية. أي القبائل؟ القبائل التى لا نجد أسماءها فى قوائم القبائل العربية الجزرية "نسبة إلى الجزيرة العربية" كهوارة وغمارة والقبائل الجبلية المستقرة بين فاس وطنجة وتطوان وبنى جميل والعرائش وأصيلا والشاون وقبائل مرنيسة والتسول والبرانس وغياثة الواقعة فى الهضاب والجبال المتوسطة بين فاس وتازة وكلها عربية وقبائل أخرى صغيرة مشتتة حول المدن وقبائل سجلماسة العربية. لا يذكر المؤرخون أن القبائل العربية الشرقية استقرت بالمغرب الأقصى قبل الوفود الهلالية فى العصر الموحدي فما أصل القبائل العربية فيه التى ليست هلالية؟ الحقيقة أن المؤرخين القدماء والنسابين من العرب والبربر حاروا أمام القبائل العربية ذات الأصل غير الهلالى كهوارة مثلا  فبحثوا لتلك القبائل عن أصل أمازيغي أو نسبوها إلى حمير وجمعوها فى ذلك  بزواوة ومقلاتة. والنسبة إلى حمير عندهم تعادل النسبة الأمازيغية. إن وقوفهم عند قبائل عربية كهوارة وبحثهم عن نسبة لها إلى حمير هو دليل آخر على أنها ليست هلالية . هذا بالإضافة إلى الدليل الآخر ألا وهو أن اسمها ليس من بين الأسماء القبلية الجزرية الشرقية "انظر مقالة روني باسي فى الأرشيف البربري الجزء الأول". حاروا لأنه لم يخطر ببالهم أن يكون كان فى المغرب قبائل عربية محلية والحال أنها قبائل عربية اللسان فى كل المناطق التى تقيم بها ولا يقول إنها تعربت إلا الذين يؤمنون بالنظريات السحرية كما تقدم. وعن هؤلاء المؤرخين الحائرين تنقل الكاتبة عن هوارة أنها تجمع أمازيغي قديم استعرب. كيف استعرب ومتى وبأي عملية سحرية تحول هذا التجمع المتفرق فى المغرب وكل أقطار الشمال الإفريقي من المغرب الى مصر , من الأمازيغية إلى العربية؟ ولماذا لا نجد فى فرقة من فرقه المتناثرة من المغرب إلى مصر بصيصا من الأمازيغية؟ لا جواب . ما الحقيقة؟ الحقيقة إن هوارة والقبائل الأخرى العربية غير الهلالية قبائل محلية غير مهاجرة من الشرق وأقدم فى البلاد من القبائل الهلالية الشرقية ونجدها مشتتة فى المغرب الأقصى مثلا(1). إن الذي جر إلى البحث عن أصل أمازيغي لها عند أصحاب النظرية التعربية أو الاستعرابية الأسطورية السحرية هو اعتقاد ضال , خرافي ايضا. أي اعتقاد؟ هو أن كل القبائل العربية المغاربية التى لا يوجد لها اسم فى لائحة القبائل الهلالية أو الجزرية "نسبة إلى الجزيرة العربية" هي قبائل أمازيغية تعربت بأقلية عربية وافدة؟؟؟؟ , ولم تنفعها أغلبيتها العددية؟؟؟ فى الحفاظ على أمازيغيتها خلافا لغيرها من القبائل الأمازيغية؟؟؟ اي ذابت بطريقة سحرية فى العربية كما يذوب الثلج فى القيظ؟؟؟. كيف؟ إذا استثنينا القبائل الهلالية المعروفة الشرقية الأصل- كما أشار إلى أمرها الحسن الوزان المعروف بليون الإفريقي في كتابه : وصف افريقية وأشار اليها ابن صاحب الصلاة فى كتابه :المن بالإمامة واشار اليها ابن تغري بردي في كتابه : النجوم الزاهرة , وغيرهم- فى إقليم الغرب وإقليم الحوز وإقليم دكالة وعبدة وإقليم تادلة وإقليم الشاوية فباقي القبائل العربية فى الأقاليم الأخرى من المغرب الاقصى - وأعظم ذلك قبائل الهبط أي جبالة وقبائل الهضاب الفاصلة بين فاس وتازة وقبائل شرق المغرب وقبائل سجلماسة - من هذا الصنف من العرب المحليين الذين لا يدرى لهم وفود من الشرق وحالهم كحال العرب في موريطانيا والصحراء المغربية . ومن الغريب أن الكاتبة تجعل عرب بلاد الهبط وبلد ملوية أي شرق المغرب وسجلماسة ودرعة من العرب الهلاليين وتنسب ذلك افتراء إلى ابن خلدون وابن عذارى وتتناسى أن المرجع الصادق بحكم القرب والشهادة هو ابن صاحب الصلاة فى كتابه المن بالإمامة . وهو لا يذكر هذه القبائل فى بنى هلال . هذه القبائل المغربية العربية المحلية غير الشرقية متاخمة للقبائل البربرية حتى عهدنا فتراها في حال قبيلة البرانس مجاوة لاقليم الريف الامازيغي وتجدها في حال قبيلة غياثة متاخمة لاقليم ايت وراين الامازيغي ايضا .اما الهبط فكله مجاور للريف الامازيغي . لو قال قائل ان هذه القبائل كانت انتقلت الى اللسان العربي من الامازيغية لكان مشعوذا مكابرا بعيدا عن المنطق اذ لا يعقل ان تترك لسانها الا ان افترض المشعوذ عمل ساحر عربي يكون سحرها فعربها  وهي محاطة بالامازيغ بل ان المنطق والحكمة يقضيان بان قبيلة تقيم في الجبال او الهضاب بعيدة عن القبائل الهلالية العربية الشرقية في سهول الغرب والشاوية الخ وتنطق العربية وسط بحر امازيغي يحيط بها من الشمال بالريف ومن الجنوب بايت وراين لهي قبيلة عربية مرتين : اما الاولى فلانها عربية اللسان واما المرة الثانية فلانها لم تتحول الى الامازيغية وهي اقلية وسط محيط امازيغي كما تقدم . اما الصحاري كدرعة وسجلماسة فلا يصح أن تعد مهاجر وإنما هي مواطن لعرب أصلاء كأصالة العرب فى تشاد والصحراء المغربية جنوب طانطان وفى موريطانيا. وإن كان عرب درعة وسجلماسة مهاجرين فالأقرب أن يكونوا هاجروا من الصحراء الإفريقية أو الموريطانية. ولكن الأقرب أيضا أن تكون بلادهم هي بلادهم التى هم فيها وأن لا يكون فى تاريخهم شيء من الهجرة. أضف إلى ذلك أنك إن بحثت عن أصل شرقي لعرب سجلماسة ودرعة فابحث عن مثل ذلك لعرب موريطانيا والصحراء المغربية والجزائرية ولعرب تشاد والنيجر. ولو فعلت لكنت قائلا بما يدفعه المنطق والتاريخ كل الدفع فإن عرب تلك المناطق لهم من الصفات اللغوية والعادية من لباس وغيره ما ينفي نظرية الهجرة من الشرق. ولو زعمنا أنهم كانوا هاجروا منه لكنا نسبنا إليهم العبث العظيم إذ يكونون هاجروا من صحراء إلى صحراء أشد رمضا وذلك ما يتنافى والطبيعة البشرية. أضف إلى ذلك كله ان المؤرخين لا يتحدثون عن هجرة عربية من الشرق إلى صحاري إفريقيا والصحراء المغربية والموريطانية والجزائرية. والغريب أن أهل نظرية التعرب السحرية يراقبون الهجرة العربية من الشرق كالهجرة الهلالية ولا يراقبون الهجرة من الجنوب ولا من الجنوب الشرقى الذي هو الباب إلى مواطن العرب الأفارقة الأصلاء الممتدة ديارهم من موريطانيا إلى السودان مرورا بأراض إفريقية لهم فيها حضور وليس لهم صلة هجرة بالشرق. ويظهر أن هذه العادة أصلها اعتقاد راسخ فى الأذهان- وليس صوابا - هو أن مواطن العرب الأصلية هي الجزيرة العربية لا غير. هذا الاعتقاد لا تؤيده جغرافية اللغة العربية والقبائل العربية فى إفريقيا ولا جغرافية العادات والثقافات المنتشرة بين العرب الواقعة ديارهم بين الخليج العربي وسواحل موريطانيا. العرب الأفارقة والآسيويون يشتركون فى المجال اللغوي الذي تخترقه لهجاتهم ويتحدون فى الفصحى ويختلفون فى العادات واللباس والمطاعم اختلافا يفرضه البعد الجغرافى بين ديارهم ويؤكد أصالتهم فى ديارهم المختلفة. وبالنسبة للمغرب فإن قبائل الهبط العربية لها من الصفات اللغوية والثقافية والعادية ما يميزها تمييزا خاصا يعلمه المغاربة حتى إنه يصح أن يوصف إقليم الهبط بخصوصية نوعية تجعله بعيدا عن خصوصيات القبائل الهلالية فى أقاليمها ثم إن أسماء قبائله مكانية اوغامضة المعنى في الغالب وليس لها اصل في البربرية كفشتالة ومتيوة ومستارة وكرفط وغير ذلك مما لا نجده فى القبائل الهلالية المعروفة. وهي خلافا للقبائل الهلالية قبائل صغيرة نسبيا فلا تبلغ حجم  القبائل  الهلالية كقبائل دكالة والشاوية والغرب وعبدة وتادلة مثلا. ثم إن الهبط بلاد جبلية ولم تكن هي وبلاد ملوية فى الشرق المغربى مما أقطع للقبائل الهلالية المنتقلة إلى المغرب من إفريقية على عهد الموحدين وبأمرهم. قد يحتج ببعض الأسماء الأمازيغية لبعض القبائل الهبطية العربية للاستدلال على أمازيغيتها الأصلية وعلى صحة نظرية التعرب السحرية الشعوذية . والجواب أن تلك الأسماء أسماء الأماكن والأراضى لا أسماء تلك القبائل وإن انتسبت إليها فكانتساب العربي إلى كابل او اصفهان او باريز او كندا إن ولد فيها أو نشأ فيها ثم إن اللسان العربى لتلك القبائل دليل على أن أسماءها الأمازيغية – كصنهاجة- اسم موطنها لا دليل أصلها ثم إن الدليل الأعظم على مكانية تلك الأسماء وعروبية القبائل ان أفخاذها تتحلى بأسماء عربية فهم أولاد فلان وفلان أو بني فلان وفلان كبني كرفط وبني جميل وغير ذلك. أضف إلى ذلك ان انتشار الاسم الأمازيغي للمكان وبقاءه مع عروبية القبيلة القائمة فيه مشهود فى القبائل الهلالية الشرقية فإن اسم دكالة ليس عربيا الا ان كان تحريفا ل{دكانة}ولكنه يطلق على عموم القبائل العربية الهلالية المقيمة فى إقليم دكالة. لماذا؟ لأن دكالة اسم موطن وليس اسم قبيلة فصار كالحوز والغرب وجبالة والريف الخ . ولو كان يصح ان يستدل باسم الارض على اصل السكان لاستدل باسم الريف العربي على عروبية الامازيغ الريفيين وذلك مدفوع في كل الاحوال . هناك دليل لغوي على ذلك غير ما ذكرنا من أدلة تاريخية. ماهو؟ هو أن اللهجات العربية المغاربية غير مستوردة من الشرق. هي محلية بحكم كثير من الأدلة المعجمية والصواتية والتركيبية. لو كانت اللهجات العربية فى الشمال الإفريقي غرب مصر شرقية لوجدنا أصولها فى الشرق. ولكنها واللهجات الشرقية فرسا رهان وليست إحداهما بمشتقة من الأخرى. أضف إلى ذلك أن القبائل الهلالية التى أثبت المؤرخون شرقيتها وتاريخ نزوحها من مصر هي نفسها لا تحمل فى لهجاتها الصفات اللغوية الموجودة فى عربية الصعيد المصري موطنها ومنطلق هجرتها. لا تفسير لذلك كله إلا القول بأن هذه القبائل الشرقية ذابت أو اختلطت بالعربية المحلية ولا تفسير للاستقلال اللغوي النسبي لعربية شمال إفريقيا عن اللهجات الشرقية إلا بالقول بمحليتها إذ لو كانت مستوردة لحافظت على دلائل الاستيراد. أضف إلى ما يدل على محلية اللهجات العربية فى شمال إفريقيا غير المنقطعة عن الشرق معجما وثقافة ان القبائل الهلالية ذات الأصل الشرقي إن كانت لا تتكلم الآن اللهجة الصعيدية المصرية فهي أيضا فقدت الصفات الاتنولوجية الصعيدية من لباس وطعام وعادات وهذا ما لا ينتبه إليه أصحاب نظرية التعرب إذ يزعمون أن القبائل الهلالية نقلت عاداتها ولغتها إلى المغرب. أين هذه العادات وأين اللغة التى نقلتها؟ أين ذلك وهي الآن تتكلم بعربية محلية بعيدة عن اللهجة الصعيدية المصرية الا في بعض الالفاظ مثل {ياك} و{عاد} مع اختلاف المعنى في ذلك ، وعاداتها عادات ليست لها بعادات الصعيديين إلا صلات عامة كالتي لها بعادات أهل الشام والحجاز وغيرهم من العرب؟ ولا تفسير لاستقلالها اللغوي والعادي إلا بالقول بذوبانها فى الكيان العربي المحلي أو باختلاطها به اختلاطا أنتج ثقافتها الحالية ولهجاتها العربية المحلية الحالية المتميزة عن الأصل الصعيدي. بغير ذلك لا نستطيع أن نفهم كيف تبتعد قبائل معينة عن لغاتها وعاداتها لمجرد انتقالها فى المكان والزمان فان الانتقال لا يكفي لتفسير التغير فان الكنديين الفرنسيين لم تتغير لغتهم الفرنسية عن حالها قبل هجرتهم بل حافظوا على فرنسيتهم بصفاتها الاقليمية في فرنسا . أغلب الظن أن العربية الشرقية التي كانت تحملها القبائل الهلالية واجهت عربية محلية ذات أغلبية عددية فرضت ما فرضت من نتائج على الصيرورة اللغوية للمجتمع العربي بشمال إفريقيا. المؤرخون لا يتحدثون عن عربية محلية بارزة مسيطرة غير مستوردة من الشرق مع الفتح العربي الا ابن خلدون في مقدمته والشريف الادريسي  في كتابه نزهة المشتاق فاما الاول فبين الفرق بين اللهجات العربية المغربية والاندلسية والشرقية . واما الثاني فتحدث عن عذوبة اللهجة المصرية وميزها بذلك عن غيرها مما عرف في الشمال الافريقي , وهو مصيب ولكنهما لم يتعديا ذلك الى القول بالاصل المحلي للهجات العربية بالشمال الافريقي. ولكن افتراض ذلك الاصل ضروري إذ بغيره  لا نفهم كيف لم تكن لهجات القبائل الهلالية فى الشمال الإفريقي الآن صعيدية ولم تكن لهجات العرب الآخرين الذين وصفناهم بالمحلية ولهجات المدن العربية في المغرب والشمال الافريقي شامية او حجازية او يمنية او صعيدية او تمثل اللهجات الغالبة في جيش الفتح . قد لا نحتاج إلى افتراض فى هذا فالبيذق الصنهاجي فى تاريخه عن الموحدين يتحدث عن هذه العربية المحلية ويأتي بنتف منها يخلطها بالعربية الفصحى التى كتب بها بل إنه يذكر حادثا يرفع الخلاف أصلا ويؤكد قيام العربية المغاربية المحلية غير الهلالية وانتشارها قبل الهلاليين. ما هذا الحادث؟ يذكر ان المهدى بن تومرت والجماعة المرافقة له من المغاربة لم يكونوا يعلمون ان المهدى يحسن الكلام باللسان الغربى أي الأمازيغية إلا عند وصولهم إلى وادي أم الربيع شمال مراكش. هنالك كلم قوما لقيهم مع جماعته على النهر بالأمازيغية فعلم أصحابه أنه يحسنها. أما قبل ذلك خلال رحلتهم من تونس وقبل تونس فكان كلامهم بالعربية أي بالعربية العامية المغربية . إذن كان المهدي وجماعته يستعملون اللغة الغالبة العربية المحلية غير الهلالية(1) فان عصرهم متقدم على وفود تلك القبائل الى الشمال الافريقي . وما كانوا يستعملونها إلا وهم يمرون فى جماعات تعترف لهذه اللغة برتبة اللغة التواصلية العامة كما يعترفون. ولولا افتراض أغلبيتها لما كان استعمالها بدهيا عندهم. ذلك لا يعنى أن بعضهم كان لا يحسن الأمازيغية كما كان يحسنها المهدي. لا، ولكنه يعني أن الأمازيغية كانت لهجة تواصلية خاصة لا عامة. لذلك لم يخاطب بها المهدي إلا القوم المنتمين إلى المجال التواصلي الخاص أي الجاهلين بلغة التواصل العامة. وإن انتبهنا إلى ان البيذق يثبت ان المهدي لم يخاطب بها قبل الوصول إلى وادي ام الربيع فلنا أن نتصور أن الطريق التى سلكتها الجماعة على طولها لم تصادف فيها جماعات من المجال التواصلي الخاص الأمازيغي. ويبدو أن الطريق الذى سلكه فى المغرب الأقصى كان عربي اللسان بعربية محلية آخذة من وجدة وما قبلها وممتدة إلى الغرب وهي إلى الآن طريق عربية اللسان ومحاطة بالأمازيغية شمالا بجبال الريف وجنوبا بجبال ايت وراين. ولا يقولن أحد إننا نتناسى هنا قانون التطور اللغوي فإن هذا القانون إن صدق- وليس بصادق على إطلاقه- قد يتحقق أثره فى آلاف السنين لا فى جملة من المئات من السنين. وانظر إلى لهجتك ولهجة أبيك وجدك وما يحكون لك عن آبائهم تجد أن التطور التركيبي والمورفولوجي الصرفي لا يحصل شيء منه فى المئات من السنين. ولقد أساء فرديناند دو سوسور  ومايي وغيرهما من الاوربيين صنعا حين أوهموا كثيرا من الناس أن اللغة تتغير من جيل إلى جيل تركيبا وبناء أو حين فهم قراؤهما ذلك وأذاعوه وجعلوه قرآنا لا يرد وهو باطل عند العقلاء .
دليل آخر: اسم اللغة العربية فى عربية القبائل العربية المحلية فى الصحراء المغربية وموريطانيا هو غير اسمها فى عربية القبائل العربية فى الشرق والوافدة على المغرب. يسمون عربيتهم بالحسانية. لو جاؤوا من الشرق لسموا لغتهم بما يسمى به أهل الشرق عربيتهم. أضف إلى ذلك الدلائل المعجمية كالعظم الذى هو البيض فى لغة أهل تونس وهو لفظ لا أصل له إلا العربية المحلية وكالسفرجل الذى معناه غير معناه فى الشرق وكالعيش فى لهجة أهل مصر الذي لا أصل له إلا العربية المحلية وكالدلاح والبطيخ وغيرهما والأمثلة كثيرة لألفاظ ومعان تختلف بين الشرق والغرب لأسباب عربية محلية.

الأغلبية العددية
 جرنا إلى هذا كله عجز أصحاب النظرية التعربية السحرية عن التخلص من أهدافهم الإديولوجية وعن رؤية الواقع اللغوي فى الشمال الإفريقي وتفسيره بطريقة محايدة. ذلك الواقع الذى يدل على ضرورة افتراض حضور غالب للعرب المحليين بالبلاد فى المراكز المؤثرة كالمدن والقرى قبل الحضور الهلالي أو المرور العقبي "نسبة إلى عقبة بن نافع فاتح الشمال الإفريقي" والذي ظلت دلائله حاضرة فى الحضور الفعلي الراهن للقبائل العربية غير الهلالية. أضف إلى ذلك أن هؤلاء لا يبينون سبب بقاء الأمازيغ إلى عهدنا محافظين فى مناطقهم على الأمازيغية. هؤلاء لم يتعربوا ولم يعربهم أحد فهل معنى هذا أن الأمازيغ كانوا صنفين الأول يرث عن آبائه لهجته ويورثها لأبنائه والثاني ينبذ أمازيغيته فى يوم وليلة بعد أن يكون تعرض لعفريت اللغة العربية الوافدة عليه على لسان أقلية عددية ساحرة؟ هذه الأقلية ليتها كانت فى كل الأحوال أقلية عظيمة كالتى يظن أنها كانت تصاحب الجيوش الفاتحة أو ليتهم قصدوا بها الهجرة الهلالية ليستقيم ادعاؤهم. ولكنها عندهم أقليات مختلفة فمرة هي أقلية أندلسية مهاجرة ومرة هي قيروانية. أين وثائق هذه الهجرات ووثائق صفة الأقلية فيها ؟ أين وثائق مكوث الأقلية العربية كما يظن بالمغرب الأقصى قبل الهجرة الهلالية؟ لاشيء. ظنون وأساطير. الحقيقة أنه من السهل الاستدلال بالانتشار الكاسح للعربية الحالي على حدوث أغلبية عددية للعرب فى عهد من العهود الماضية أدت إليه . أما تفسير هذا الواقع بالتعرب السحري مع تقدم الإصرار على إنكار الأغلبية العددية التاريخية للعرب فلا يؤدي إلا إلى إنشاء خطاب أسطوري مشعوذ ومريض.

ملاحظة:
الاشارات المرجعية موجودة في صلب النص.
أحمد العلوي 
رئيس اتحاد اللسانيين المغاربة 
دكتور من جامعة باريز بفرنسا
دكتور من جامعة ليون بفرنسا
أستاذ قبلا بالجامعة المغربية والعمانية



معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved