تصنيع المراكز الثقافية
السبت : 6 ـ 6 ـ 2009
لا تطلب الحقيقة إلا من أعدائك"
(سعدي الشيرازي)
أي سماء ثقافية متميزة ومبدعة على سبيل المثال أو من أجل الجدل أوجدتها سلطنة بروناي؟ نحن نعرف أن سلطان هذه السلطنة، هو أحد أهم أغنياء هذا العالم .
وأي إضافة لثقافة آسيا، قدمتها هونج كونج، الجزيرة الصغيرة المنشقة عن الوطن الصيني الأم، حتى مع الدعم السياسي الأمريكي غير المحدود لتلك الجزيرة الليبرالية؟ ونحن نعرف أيضاً أن ثمة مشهداً اقتصادياً مصنوعاً في تلك الجزيرة .
ولكن، لماذا خرج نجيب محفوظ من مصر، ولم يخرج من غيرها؟
بل، وهنا المسألة الأكثر إثارة للاهتمام، لماذا هي ايرلندا أكثر استعداداً للعطاءات الثقافية الكبرى في الرواية والقصة القصيرة والشعر؟
ولماذا كان بلزاك وشاتوبريان ومالرو وكامو ومورياك وسارتر ودوراس وفولتير وبريتون، في فرنسا؟ ولماذا بيكاسو اسباني، وهو الذي ولد في اسبانيا، ثم أمضى أغلب حياته في فرنسا؟
لا أريد ضرب أمثلة بالعرب، حتى أبعد نفسي عن تهمة الانتماء للعروبة .
تستطيع بروناي، بفضلة من الدولارات أن تقيم مهرجاناً مسرحياً ضخماً، أو تشيد أضخم مدينة سينمائية، ولكنها لن تستطيع أن تكون مثل هوليوود أو بوليوود الهندية، لأن ثمة فرقاً هائلاً بين شراء الكفاءة، وبنائها .
هذا المثل يبدو واضحاً في الرياضة . فأنت مثلاً تستطيع أن تشتري أحد أشهر لاعبي كرة القدم البرازيليين، وحتى تقدر على منحه جنسية بلدك، لكنك غير قادر على جعله مواطنا في دوقية "يورانيومستان"، الذي استأجره أحد نواديها .
تلك بدهية، والبدهي أيضاً هو أن الإبداع لا يشترى ولا يستورد .
العملية الثقافية نتاج عصور من الصراع الثقافي المتواصل، والانتاج الثقافي غير المنقطع، ودراسة الذات، والانفتاح على الخارج، واستجلاب تجارب الغير بقصد الانتفاع بها . إن تجربة ألمانيا في هذا الصدد جديرة بالدراسة .
وعند ذلك يبرز لديك قاص، أو يشرق في مشهدك شاعر مثل "نجم سهيل"، أو يظهر مسرحي كما الربيع في حينه . إن هذا يحدث في عملية اجتماعية معقدة، تشهد احتدامات اجتماعية، وصراعات فكرية .
ولا يأتي هذا بالسهولة المعروفة، خصوصاً عندما يكون عند أحدهم مليار دولار زائداً عن الحاجة، فتقيم مهرجاناً لثقافة البندورة، أو مؤتمراً لصناعة المسرح من بقايا بذور البطيخ .
بزغ عنترة العبسي، من رحم الصراع والتمايز، فكان وسيظل مركزاً ثقافياً .
جمعة اللامي
www .juma-allami .com
juma_allami@yahoo.com