!... والسبب هو الارز ..!
الجمعة : 22/ 8 / 2008
وإذا رأت يوماً فقيراً عابراً
نَبحتْ عليه وكشَّرت أنيابها
(العباس بن الأحنف)
هذا البيت يتداوله جمهرة من الناس بكثرة، حتى صار حديث الرائح والغادي في كل مدينة عربية وكل ينسبه إلى شاعر. ولقد قرأته وأنا صغير، منسوباً إلى الصحابي المقداد بن الأسود الكندي، رضي الله عنه.
وهو أي البيت، يبدو لطيفاً ومفهوماً، مثلما هو رسالة أيضاً؛ إذا ما وضع في سياق قصيدة ابن الاحنف. فدعونا نعيد قراءته؛ ونتأمله؛ ونبحث في علاقته بالأرز:
يمشي الفقير وكل شيء ضدّه
والناس تغلق دونه أبوابها
وتراهُ مبغوضاً وليس بمذنبٍ
ويرى العداوة، لا يرى أسبابها
حتى الكلابُ إذا رأت ذا ثروة
صار مسعوراً.خضعت لديه وحركتْ أذنابها
وإذا رأت يوماً فقيراً عابراً
نبحت عليه وكشّرت أنيابها
وإذا ما قلنا إن ثمة علاقة بين الكلب والارز والفقير، لا توجد إلا في الاحلام، فهذا صحيح تماماً. غير أن الذي أكثر صحة من هذا كله، هو العلاقة بين الكلب والارز والفقير، على صعيد الواقع المشخص والملموس والمعاش واليومي في حياتنا.
فالكثير من الكلاب التي تعيش في الوطن العربي، نعم، حيوانات الكلاب التي حارات مدننا الخلفية متروسة بها، تنبح على الرائح والغادي، والرجل والمرأة، والطفل والشاب، والكهل والعجوز، بل ان بعضها وقد أكله الجوع ـ صار مسعورا
والسبب في سعار الكلاب.. الأرز.
ارتفع سعر الأرز في أسواقنا العربية، ارتفاعاً لم يسبق له مثيل. أو ارتفع ارتفاعاً مجنوناً، على قول. أو ارتفع ارتفاعاً قياسياً، على قول آخر. والسبب هو بلدان المنشأ.
ولهذا السبب حدثت المشكلة الكبرى التي نعاني من ويلاتها، ونحن على أبواب شهر الخير والبركة والعبادة والجهاد والمناسف والصدور، وإطعام الفقراء والحيوانات الأليفة والضالة.
هذا في الأمنيات الآن. أما على صعيد الواقع، أي كما هي حال الاسواق العربية الآن، فلحق بالأرز، الخبز والشاي والقهوة والسمن والكرفس والفول والفجل والرطب والتمر وصابون الغسيل والمناديل الورقية وشراشف الأسرة والكتب والبترول والموز والزعتر والبابونج.
سألوا الزعتر: لماذا يا أخضر صرت غالي السعر في أسواقنا العربية؟ فرد قائلاً: اسألوا أصحاب العمارات. واسألوا أصحاب معامل الآجر، ومديري معارض السيارات ومروجي تجارة السلاح، والمنقبين عن اليورانيوم.
واسألوا.
وسألنا: يا سادة ياكرام، ويا مذيعات التلفزيون في البورصات العربية، ما سبب هذا كله؟ فجاء الجواب: بناء على ارتفاع اسعار الأرز في بلدان المنشأ ولأننا لا نأكل إلا الارز، ارتفعت أسعار المواد الغذائية، وأسعار المواد المصنعة للمواد الغذائية، واسعار المعدات المصنعة للمواد المصنعة للمواد الغذائية، وهكذا.
وهكذا، كل شيء إلى ارتفاع، بين لحظة وأخرى، وساعة وساعة، ويوم ويوم واسبوع وأسبوع باستثناء شيء واحد، واحد فقط، هو الانسان.