وقفات في النقد الأدبي

2016-05-02
 ال
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/12f13fc5-a203-486c-bf5b-a5e94dd00424.jpeg
متنبي اِنساناً وحكيماً !!

كم كتب المتنبي في الفخر، كم كتب معتداً بنفسه، هاجياً أعداءه الذين حسدوه وغاروا منه وكرهوه قَدَرَ الغل الذي ملأ قلوبهم ناجماً عن هذا الحسد وهذه الغيرة، حسد العاجز عن الأبداع للمبدع وغيرة القاصر من المتمكن!!
 لاشكَ انه كتب الكثير في هذا الصدد والبليغ أيضاً، ومن أقواله التي نستشهد بها في هذا الخصوص :

أنا صخرة الوادي اذا مازوحمتْ
واذا نطقتُ فأنني الجوزاءُ

واذا خفيتُ على الغبي فعاذرٌ
ان لاتراني مقلةٌ عمياءُ

ثم يردف ويرفد هذين البيتين الهائلين ببيت آخر عجيب غريب بمفارقاته وسعة الخيال فيه ولكن ايضا بحجم الفخر والأعتداد والاعتزاز بالذات فيه اِذْ يقول:

شيمُ الليالي ان تشككَ ناقتي
صدري بها أفضى أَم البيداءُ 


أونأخذ  على سبيل المثال ابياته التي يقول فيها:

أنا تربُ الندى وربُّ القوافي
وسمامُ العدى وغيظُ الحسودِ

وحيث يقول في نفس  القصيدة:

مابقومي شرفتُ بلْ شرفوا بي
وبنفسي فخرتُ لابجدودي

ومع هذا لاينسى ان يفخر بجدوده في نفس هذه القصيدة ليعمل فخره بجدوده  هنا عمل العدسة المكبرة التي تكبِّر الصورة الأولى صورة افتخاره بنفسه حين يقول عن جدوده:



وبِهم فخرُ كل مَن نَطَقَ الضادَ
وغوثُ الجاني ومأوى الطريدِ

المتنبي الذي يقول:

تغرَّبَ لامستعظماً غير نفسِهِ
ولاقابلاً الّا لخالقِهِ حكما

ولا سالكاً الّا فؤادَ عجاجةٍ
 ولا واجداً الّا لمكرمةٍ طعما



والذي يقول في نفس القصيدة:

يقولون لي ماأنتَ في كلِ بَلْدَةٍ
وماتبتغي ، ما ابتغي جلَّ ان يُسمى

المتنبي  الذي يقول في حضرة سيف الدولة وأمام منافسيه وغرمائه  ومناوئيه :

سيعلمُ الجمع ممن ضمَّ مجلسُنا
بأنني خير مَن تسعى به قَدَمُ

والذي يقول في نفس القصيدة وفي نفس الوقفة :

أنا الذي نظرَ الأعمى الى أدبي
وأسمعتْ كلماتي مَن به صممُ


المتنبي الذي امتلأت صفحات ديوانه بالفخر ومساجلة ألأعداء والحساد والحاقدين والساخطين والكارهين والمتربصين  حتى كلفه الأمر راحته ومن ثم حياته ، يرجع متأملاً ، مفكراً ، مُستشرفاً ، مُستبصراً ، مُتعمقاً، متبحراً ، حكيماً ليقول :

ومرادُ النفوس أصغر من أن
نتعادى فيه وان نتفانى

غير ان الفتى يلاقي المنايا
كالحاتٍ ولايلاقي الهوانا

ماأكبر المتنبي انساناً في هذين البيتين ، ماأحكمه حكيماً وما أشعره شاعراً.
رفع الهوان ونفض الذل والأنتفاض للكرامة الأنسانية المستلبة والمنتقصة هنا برأي الحكيم المتنبي هو السبب الوحيد لمعاداة الآخر وماعدا هذا لاسبب يدعونا نحن بني البشر ان نتعادى ، ومهما كبر مراد الفوس سيبقى أصغر من العداوة بين شخصين أو بين طرفين.

انه قول يُقارَن بتعاليم السيد المسيح وتوجهات بوذا وحِكم  لاوتسه ، وأقول يُقارَن ولا أقول يشبه !!!

كم رأى وكم خبرالمتنبي من الحياة وهو الذي لم يتجاوز الخمسين عاماً حتى يتوصل لمثل هذه الحكمة الشعرية الهائلة ويسبكها بمثل هذا البيان معطياً التقرير والتفسير والتبرير.
المجد لأبي الطيب أحمد المتنبي شاعر العربية والأنسانية الكبير الكبير.
 

* وقفات في النقد الأدبي مشروع نقدي سأقدم فيه بعض القراءات  النقدية المختصرة لبعض الأبيات أو القصائد أو الأعمال الأدبية من الشعر العربي والشعر الشعبي العراقي والأدب العربي والعالمي .

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved