سويقة*
تنفتح أبواب الدكاكين
في ذلك السوق الضيّق
ينفذ الضوء خيوطاً نحيلة من فتحات السقف
فترى المتسوّلين العميان يمدّون أكفهم
وهم ينظرون بعيونٍ مطبقة إلى السماء
قراءات من الذكر الحكيم
ودعاء
مغنية الإذاعة تنوح على حبيبها الغادر
وشريط ’’الكاسيت‘‘ يعيد ويعيد
التكسرات في حنجرة المغني:
’’رهيب، والله، رهيب‘‘
تطبق على أنفك رائحة السمك المتعفّن
والدجاج المسلوخ
وروث الحمير
السوق الضيّق يضيق
يتلبد بدخان خبز الصباح
والسجاير التي لا تعرف الانطفاء
في أفواه النسوة والمتسكعين والنشالين
ورجال الشرطة السرية
في الزاوية اليسرى، عند ملتقى الجامع بالسوق،
يركن ذو الوجه المستطيل
محمَّلاً بأكياس المطاط
وفي ثنايا معطفه
يلتف الحشيش بباقات النعناع
والساعات المهرّبة
السوق الضيّق يضيق
’’رهيب .. والله .. رهيب
عجيب .. والله .. عجيب‘‘
تلك المرأة الملتفّة بعباءتها الزرقاء
تدير ’’العلكة‘‘ بلسانها
وتغمز بعينها اليمنى
دعاءُ المتسوّل الأعمى
يمتزج بنواح المغنية
الرزق على الله
على بابك يا كريم!
كوربس كريستي
15-3-2004
* سوق شعبي في الرباط، عاصمة المغرب.
شخص مثير للاهتمام
عند هذا الشخص المثير للاهتمام
الألم شيء جيّد!
فأيّ عالمٍ هذا
لا تنزُّ فيه الجراح دما!
والأطفال لا يصرخون
والنساء لا يذرفن الدموع
والشيوخ لا يقولون: ’’أُفٍّ‘‘
الليل نهار
والبرد هو الدفء
والضحك كالبكاء!
***
هذا الشخص المثير للاهتمام
مزّق الصخر قدميه العاريتين
واعتلى قمّة الجبل
وظلّ هناك
الأشياء الكبيرة
كم تبدو صغيرة
إذا كنتَ في الأعالي!
والصمت قصيدة
يكتبها الألم!
الانتظار
’’إلى ح.ع، أبي خلدون‘‘
غمغمَ في نشوته الصوفية
ما يتجلّى لهُ
من نفحة قدسية:
’’الناسُ سواسيةٌ؛
أسنانُ المشط‘‘
لكَنّ البوابةَ لم تُفتح؛
فالجنّات السحرية
لا تفتحها إلاّ الكلمات السريّة
***
صرخاتٌ مجهولة
صكّتْ أذنيه
همسات مغلولة
غلّت شفتيه
أغمض عينيه
وسرى نحو الجبل الأقصى
فهنالكَ غارٌ يُؤويه
في الطرقات الخلفية
طارده الكلب البوليسي
فتوارى بين كهوف الفقراء
جمرات القصدير وأكواخ البرديّ
وزوايا تتلبّس ثوب الظلماء!
ورأى في الذئب صديقاً
رافقه عبر السهل
ووديان الصخر
والمنعطفات الجرداء
الجبل الأقصى قد غاب
لفّعه الليل الممتدّ
وسحاب يلتف وراء سحاب
***
في دربٍ تتعثر فيه الأصداء
تتأسى فيه الوحشة بالوحشة
ما زال هناك
هو والذئبُ
ينتظران الدهشة
ريحاً تنثر أوراقاً
تحمل تلك الكلمات السرية!
***
أأبا خلدون
الذئبُ الهادئ في ظلّكْ
كم مصّ دماً من أهلي
أو أهلِكْ
وسيمتصُّ!
الرباط
20-7-1993
أين الرحيل؟!
’’إلى ص.ج.ط‘‘
(1)
لم يكذبوكْ،
لم يعقروها ناقةً
حمراءَ،
زاهيةَ الشِياتْ
لم يحرموكَ من السقاية
يوماً،
ولا منعوا رِكابكَ عن سَفَرْ!
فارحلْ بها بين الحواضر والقرى
واقطع بها درباً يضيقُ به الشتاتْ
سعياً إلى قفرٍ يشِتّ به الشتاتْ!
واسلكْ بها سهلاً يعانقه الضحى
للتيهِ بُحّ به الحداءْ!
وضلّ بالساري السرى!
لكن كما همسوا إليكْ:
’’لو جئتَ أطرافَ الجزيرة
إيّاكَ من قُربٍ إلى شجر الأراكْ
فثمود جابتْ صخرةً في الوادِ،
ألقتها هناكْ
ولربما سدّتْ بها
كل الدروب على خطاكْ‘‘