يا ربّ، لا تجعلْني أتّهمُ مَن يُخالفُني الرّأيَ بالخيانةِ".

2011-01-01

ب//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/3c2049b1-18e0-481d-b08c-acd9f2cf70ba.jpeg لغَني سؤالُهُ مُستفسِرًا عن معنى الكتابة، وكوْني شاعرةً وأديبةً في ظلِّ الاحتلال، وتبادرَ لروحي قوْلُ جيفارا: "أحسُّ على وجهي بألمِ كلِّ صفعةٍ توجّهُ إلى كلِّ مظلومٍ في هذه الدّنيا، فأينما وُجدَ الظّلمُ فذالك وطني، وإنَّ الطّريقَ مظلمٌ حالِكٌ، فإذا لم نحترقْ أنتَ وأنا فمَن سينيرُ لنا الطّريق"!


وكأنّ بلادَنا المحتفلةَ بأعيادِ استقلالِها الوطنيّةِ تتمتّع بهويّةِ الحُرّيّة!

وكـأنّ الوجودَ العربيَّ بمعظمِ مُكوّناتِهِ مِن لغةٍ وثقافةٍ وسيادةٍ وثرواتٍ واقتصادٍ مُهدّدٌ كيانهُ المستقبليّ مِن قِبلِ قوى عظمى!

وكأنّنا نعملُ بالمقولةِ المأثورةِ: " نموتُ واقفينَ ولا نموتُ راكعين"، ونرفعُ قوْلَ لنكولين شعارًا:

"اِنهضوا أيّها العبيدُ، فإنّكم لا ترونَهم كبارًا إلاّ لأنّكم ساجدون"؟


أيننا مِن مفهومِ الحُرّيّةِ والاحتلالِ العسكريّ؟

وماذا عن الاحتلالِ الفكريِّ وزعزعةِ الإيمانِ، وخلخلةِ الثّوابتِ الفكريّةِ، وخلْقِ الفوضى والفتنةِ بينَ عناصرِ الشّعبِ الواحد؟


كيفَ نفسّرُ تبعيّةَ دوُرِ الإعلامِ والدّعايةِ كقوى مُحرِّكةٍ في الاحتلالِ النّفسيِّ وبثِّ سمومِها المُغرية؟ هناكَ حركاتٌ مصطنعَةٌ تدّعي الاعتدالَ والعدلَ، تُوجّهُ عقاربَها باتّجاهِ الاحتلالِ ضدَّ الرّوحِ والضّمير، وإنّي لأسمعُ صوتَ جبران خليل جبران:

"إنّ الأمّةَ المستعبَدةَ بروحِها وعقليّتِها، لا تستطيعُ أن تكونَ حُرّةً بملابسِها وعاداتِها"!


مَن يُساندُ الحقَّ إلاّ أهلُهُ، ووعْيُ أمّةٍ لا تتوانى ولا تتهاونُ في حقِّها وحُرّيتِها ولا بخلطِ أوراقِها؟

ألم يقلْ نيلسون منديلا:

"الحُرّيّةُ لا تُعطى على جرعاتٍ، فالمرءُ إمّا أن يكون حُرًّا أو لا يكون، والجبناءُ يموتونَ مرّاتٍ عديدة قبلَ موتِهم، والشّجاعُ لا يذوقُ الموتَ إلاّ مرّة واحدة"؟

إذًا؛ لماذا تتّسعُ آفاقُ المطامعِ الغربيّةِ بشرقِنا، وتضيقُ آفاقِ الفكرِ العربيِّ ورؤاه؟

عشراتُ النّداءاتِ المستغيثة تصلُني، للتّضامنِ والإفراج عن مفكّرينَ وإعلاميّينَ وشعراءَ وأدباءَ أطلقوا أصواتَهم المجروحةَ للحُرّيّة، فأُطبِقَ عليهم في السّجونِ والتّعتيم والإعدام والتّهجير، فكيفَ تنيرُ هذهِ الأصواتُ العقولَ والنّفوسَ والوجودَ والكيانَ والهِممَ إنْ شُلّتْ هذهِ الألسُنُ؟ وما أدراكَ ما الكتابة؟


الكتابةُ طائرٌ خرافيٌّ تُشكّلُهُ فوضويّةُ الواقعِ، يُمارسُ طقوسَهُ الغريبةَ، يسبحُ ويغوصُ في لججِ الخيالِ، لينتزعَ مِن أعماقِهِ محاراتِ آمالٍ، يُحلّقُ بها إلى سمواتِ الحلمِ، فيزرعُها نجومًا وضّاءةً في عتمِ ظروفٍ كالحةٍ، مغموسةٍ بأرَقِ الهمِّ الفرديِّ والجماعيِّ.


الكتابةُ ألبومٌ كبيرٌ للوحاتٍ مرسومةٍ بالكلماتِ، تشهدُ على بيئتِها وعصرِها وحضارتِها وثقافتِها، تحملُ بثيماتِها وتصوّراتِها وآمالِها اللاّمتناهيةِ رسالةً ساميةً ومؤثِّرةً وإيجابيّةً، تتركُ بصماتِها محفورةً على جباهِ المقاماتِ، بَعْدَ انتشالِها من حُفَرِ الرّمالِ المتحرّكةِ المردومةِ بقشٍّ مفخّخٍ، فتجوبُ بها آفاقًا لِتَحُطَّ في نفسِ المتلقّي وتهزّهُ وتُذهلُهُ، حينَ تُناغمُ أوتارَ قلبِهِ وإيقاعَ عقلِهِ.


أن تكونَ رهينًا في بلدِكَ ومحاصَرًا في أرضِكِ، لكنّكَ حرٌّ طليقٌ بفكرِكَ، تقضمُكَ الغربةُ، وتؤطّرُكَ في صناديقِ الاتّهامِ السّوداءِ، تخضعُ لدينونةِ العدوِّ المحتلِّ من ناحيةٍ، ولرفضِهِ لكَ بشتّى وسائِلِهِ وبأبعادِها من أجل تهجيرِكَ، ومحاربتِهِ إيّاكَ بتجزئتِكَ وشرذمتِكَ بمسمّياتٍ تتعدّدُ، وطمْسِ معالمِكَ العربيّةِ الموحِّدةِ لكلِّ الفئاتِ، ومِن ناحيةٍ أخرى تواجهُ دينونةَ أخيكَ العربيِّ، واتّهامَهكَ بالتّخلّي عن ملامحِكَ وهويّتِكَ الفلسطينيّةِ، طالما أنّكَ أُرغِمْتَ على حَمْلِ جوازٍ إسرائيليٍّ، الّذي يُرضخُكَ للقوانينِ والشّروطِ الإسرائيليّةِ والمواطنةِ الجزئيّةِ كعربيٍّ في دولةٍ يهوديّة.


أنتَ المكبّلُ بسلاسلَ من أسئلةٍ لزجةٍ تدورُ محاورُها على ذاتِها:

مَن أنا وإلى أينَ أُسَيَّرُ أو أسيرُ، وكيفَ أتحدّى وأُجابهُ مشاقَّ ووعورةَ الدّروبِ المرسومةِ؟

كيف لا يسلبُني الهروبُ مِن هذا المَسيل؟ هل هناكَ مِن خيارٍ أمامي سوى الهجرةِ والرّحيلِ إلى بلدٍ آخر؟ وإن بقيتُ هل سيتمكّنونَ أن يخلعُوا عنّي ثوبيَ العربيَّ ويُلبسوني ثيابَهم المفصّلةَ لي بمقاساتِهمِ وألوانهم؟ هل أخضعُ للذّوبانِ والتّلاشي والاضمحلالِ كما يُخطَّطُ لي؟ وهل إخوتي مَن يعيشونَ الشّتاتَ على مضضٍ أفضلُ حالاً منّي أنا الرّاسخُ اللاّجئُ في بيتي وبلدي؟ وكيفَ أثبتُ أنّي ابنُ هذا الـ فلسطين ولستُ لاجئًا فيه؟


أن أكونَ كاتبًا ينبغي أن أتماهى مع الهمّ العامّ والخاصّ، لأثبتَ أنّي أحملُ جوازًا وهويّةً إسرائيليّةً رغمًا عنّي، وأنّ هذا الأمرَ لا يُلغي البتّةَ انتمائيَ الشّديدَ إلى جذوري وحضارتي الفلسطينيّةِ الرّاسخةِ رغمَ كلِّ الجفافِ والتّجفيفِ، ومحاولاتِ التّخنيقِ والتّقديدِ والتّحجيمِ، واستخدامِ لغةِ التّهجيرِ بشتّى لهجاتِها الملغومةِ، ففي أيّة محكمةٍ عادلةٍ يثبتُ عنادي وصمودي وإصراري في صراعي المرير، أنّي بريءٌ من دمِ هذا التّاريخ المفخّخِ؟ ما هي البراهينُ والدّلائلُ من أجلِ تثبيتِ حقّي الشّرعيِّ والإنسانيِّ؟ ولماذا أظلُّ أنا الفلسطينيُّ ملزَمًا ومتأهّبًا للدّفاعِ عنّي؟


هوَسٌ لا يَخبو يؤرّقُني على مدى الصّحوةِ، هل تنجحُ أجيالُنا القادمةُ في متابعةِ مشوارِ الهمِّ العامِّ؟ أم أنّ الهمَّ الخاصَّ قد يقودُها إلى مقولةِ "أسألُكَ يا ربُّ نفسي"، فتخضع للتّهجيرِ أو التّذويب؟ وكيف يمكننا تفادي هذهِ الهواجسِ المرعبةِ والتّصدّي لها؟


أسئلةٌ قائمةٌ تتأرجحُ ما بينَ زوايا حادّةٍ ومنفرجةٍ، ممزوجةٌ بفكرٍ وأحاسيسَ متألّمةٍ وفلسفةٍ متأمّلةٍ بالخلاصِ والفرجِ، نسكبُها بقوالبَ إبداعيّةٍ وتصنيفاتٍ أدبيّةٍ متعدّدةٍ، توصلُ عصافيرَ النّفسِ الضّالةَ إلى أعشاشِها الآمنةِ مؤقّتًا، والّتي ترقى أعماقَ الكونِ الكثيفةِ بتفاصيلِهِ المتناقضةِ وخيوطِهِ المتشابكةِ، وفَكِّها ونَسْجِها، وسَبْكِها في أُطرٍ فنّيّةٍ صاخبةٍ صامتةٍ، ناطقةٍ خرساءَ، لكنّها أبدًا ليستْ بعمياءَ فاقدةً اتّجاهاتِها، فهي هادفةٌ وليستْ عبثيّةً.


اليومَ علا الصّوتُ وقويَ صداهُ، تخطّى الحدودَ المفروضةَ بفضلِ النّتّ، فصارَ مُتنفّسًا حقيقيًّا فكريًّا وأدبيًّا واجتماعيًّا، إن لم يكنْ حضورًا بالجسدِ، يوصلُ الرّسائلَ للخارجِ القريبِ البعيدِ، وتبادل وجهاتِ النّظر وتفهّمها لظروفٍ تلاصقُ الوجعَ.


الكاتبُ إنسانٌ أوّلاً وأخيرًا، موهوبٌ مُطّلعٌ، يتحلّى ويتزيّنُ بكلُّ ما تحملُهُ حضارتُهُ وتاريخهُ مِن جمالٍ وصِدقٍ وأمانةٍ وإخلاصٍ، يتماهى مع كلِّ العناصرِ الّتي تُعزّزُ كيانَهُ الإنسانيَّ في ذاتِهِ ومجتمعِهِ، ليعكسَ مرآتَهُ الحقيقيّةَ الدّاخليّةَ بألقِها وجاذبيّتِها، ويبذرَ فكرَهُ وحِسَّهُ في نفوسِ قرّائهِ، لمتابعةِ واستمراريّةِ الثقافةِ والهويّة!

والكتابةُ رحلةُ تأمُّلٍ هاربةٌ مِن حصارٍ قسريٍّ غيرِ مسلَّمٍ به، إلى أبعدِ مدى ما أمكن، للاطّلاعِ على ما يجولُ ما وراءَ القضبانِ والجدرانِ، وبالتّالي تحويلِها للغةٍ فنّيّةٍ إبداعيّةٍ أدبيّةٍ، مِن أجلِ معالجةِ أمورٍ قابلةٍ للتّخلخلِ، ومن ثمَّ إعادةِ التّوازنِ النّاجعِ إلى الكيانِ الوطنيِّ والإنسانيِّ بقيَمِه الإيجابيّةِ الرّاقيةِ البنّاءةِ، فعسانا وعساهم نردّدُ دعوةَ طاغور:

"يا ربّ، لا تجعلْني أتّهمُ مَن يُخالفُني الرّأيَ بالخيانةِ".

آمال عواد رضوان

كاتبة ، شاعرة وصحفية فلسطينية، محررة الوسط اليوم الثقافي 
 لها : *1- بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/ عام 2005. *2- سلامي لك مطرًا/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/عام 2007. *3- رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2010. *4- أُدَمْوِزُكِ وَتَتعَـشْتَرِين/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2015. *5- كتاب رؤى/ مقالاتٌ اجتماعية ثقافية من مشاهد الحياة/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2012. *6- كتاب "حتفي يترامى على حدود نزفي"- قراءات شعرية في شعر آمال عواد رضوان 2013. *7- سنديانة نور أبونا سبيريدون عواد/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2014 *8- أمثال ترويها قصص وحكايا/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2015 وبالمشاركة كانت الكتب التالية: *9- الإشراقةُ المُجنّحةُ/ لحظة البيت الأوّل من القصيدة/ شهادات لـ 131 شاعر من العالم العربيّ/ تقديم د. شاربل داغر/ عام 2007 *10- نوارس مِن البحر البعيد القريب/ المشهد الشّعريّ الجديد في فلسطين المحتلة 1948/ عام 2008 *11- محمود درويش/ صورة الشّاعر بعيون فلسطينية خضراء عام 2008 صدرَ عن شعرها الكتب التالية: *1- من أعماق القول- قراءة نقدية في شعر آمال عوّاد رضوان- الناقد: عبد المجيد عامر اطميزة/ منشورات مواقف- عام 2013. *2- كتاب باللغة الفارسية: بَعِيدًا عَنِ الْقَارِبِ/ به دور از قايق/ آمال عوّاد رضوان/ إعداد وترجمة جَمَال النصاري/ عام 2014 *3- كتاب استنطاق النص الشعري (آمال عوّاد رضوان أنموذجًا)- المؤلف:علوان السلمان المطبعة: الجزيرة- 2015 إضافة إلى تراجم كثيرة لقصائدها باللغة الإنجليزية والطليانية والرومانيّة والفرنسية والفارسية والكرديّة. * 
الجوائز:
*عام 2008 حازت على لقب شاعر العام 2008 في منتديات تجمع شعراء بلا حدود. *عام 2011 حازت على جائزة الإبداع في الشعر، من دار نعمان للثقافة، في قطاف موسمها التاسع. *عام 2011 حازت على درع ديوان العرب، حيث قدمت الكثير من المقالات والنصوص الأدبية الراقية. *وعام 2013 منحت مؤسسة المثقف العربي في سيدني الشاعرة آمال عواد رضوان جائزة المرأة لمناسبة يوم المرأة العالمي 2013 لابداعاتها في الصحافة والحوارات الصحفية عن دولة فلسطين. وبصدد طباعة كتب جاهزة: *كتاب (بسمة لوزيّة تتوهّج) مُترجَم للغة الفرنسيّة/ ترجمة فرح سوامس الجزائر *كتاب خاص بالحوارات/ وستة كتب خاصة بالتقارير الثقافية حول المشهد الثقافي في الداخل *ستة كتب (تقارير ثقافيّة) حول المشهد الثقافي الأخضر 48: من عام 2006 حتى عام 2015

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved