لا أعرف سبب إصرار العرب على التفرق والإنقسام.. حتى شاع قول ساخر مرٌّ " اتفق العرب على ألّا يتفقوا ! "؛ لا أدري إن كان السبب جغرافي/تاريخي يرجع إلى طبيعة التفرق والإنتشار في صحراء مترامية الأطراف هو السبب، الذي يعززه أن العرب بقوا دهراً لا يعرفون المدن بل القرى، فمكة عندما توسعت أصبحت أم القرى، ويثرب أصبحت "المدينة " وهي محلّاة بأل التعريف يعنى أنها المدينة الوحيدة في الجزيرة العربية..
وإذا اجتمع العرب سرعان ما يدب في روعهم روح الخلاف والشجار والإحتراب لأجل الزعامة والوجاهة؛ فلمكة قريشُها وللمدينة أوسُها وخزرجُها المتحاربتان اللتان أصبحتا "بنعمة اللة إخوانا" ! ومأثرة الرسالة المحمدية هي أنها سعت لتوحيد العرب، و حثت على الإعتصام " بحبل الله" وكان الهدف أكثرمن كونه قومياً بل أممياً ولا أدلّ على ذلك مما جاء في المصحف " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات . والمخاطبُ ليس المسلمين وحدهم بل كل الناس، وأعلى درجات التعارف هو الإختلاط والإتحاد والتزاوج..
كما أن العرب أدركوا بسبب حالة الضعف والتشتت أن الوحدة ونبذ الخلافات هي الضمان الأهم لقوتهم وتصبح الوحدة – نقيض الفرقة - في عصرنا ضرورة ماسة أمام التحديات والمخاطر المحدقة بالعرب عموماً وبعراقنا خصوصا، وقد لخص الشاعر مضمونها بالبيت الرائع الذي تتجدد أهميته :
تأبى العِصيُّ إذا اجتمعن تكسّراً – وإذا افترقن تكسّرت آحادا
***
وتأسيساً على ما سبق فعندما يكون العرب تحت نير مستعمر غاصب يصادر أراضيهم ويبني مستعمرات ويشيع بينهم روح الفرقة والإحتراب لأنها الوسيلة المجربة التي تضمن للمستعمر السيطرة وضرب كل المواثيق العالمية عرض الحائط وتجعله يتمادى في غيه وفي سياسته العنصرية يكونون عندئذ لقمة سائغة في أفواه أعدائهم ..
ولا شك أن العرب في داخل دولة إسرائيل أو ما يصطلح عليهم بعرب 48 يشكلون قوّة سياسية متنامية ديموغرافياً وسياسياً، مما جعل اليمين المرتعب الإسرائيلي يطرح مشروع "الترانسفير" لمواجهة هذا النمو، وخاصة عندما شكلت الكتلة العربية في الكنيست في الإنتخابات التي حصلت في مارس/ آذار 2020 على 15 مقعداً من 120 العدد الكلي لأعضاء الكنيست ! وهو ما أخاف الكيان الصهيوني وخاصة الجناح اليميني المتطرف.. وراهن على بث روح الفرقة والإنقسام وهذا ما تحقق للأسف !!
فالكتلة العربية العربية لم تعد موحدة للأسف إذ انشق عنها منصور عباس ليصبح قائد "العربية الموحدة" وليتجاوز الحد المطلوب للدخول للكنيسة ويتحصل على خمسة مقاعد ! بينما "القائمة المشتركة" وهي الأصلية في الكتلة العربية التي تضم ثلاثة أحزاب بقيادة أيمن عودة لتتحصل على ستة مقاعد..
ومن الواضح أن الإسلامي منصور عباس كشأن الإسلاميين المعهود بهم يصيحون بصوت عال ظاهراً ولكنهم يستجيبون للغة الهامسة ممن يعادون لفظاً، فمنصور استلم تعهدات ووعود من نتنياهو، ولذلك راح يصرّح بصوت عال : "لسنا في جيب أحد" ! ويضيف " يجب على كل من يريد منع إجراء انتخابات خامسة أن يتواصل معنا، نحن مستعدون للإتصال بالطرفين، ومع أي شخص يريد تشكيل حكومة ويعتبر نفسه رئيس وزراء المستقبل" . وأضاف : "إذا كان هناك عرض، فسنجلس ونتحدث " .
وما أصدق القول العربي المأثور" كاد المريب أن يقول خذوني" ! ستتكشف الأوراق ورقة إثر ورقة مثلما تكشفت أوراق الإسلاميين الفلسطينيين حيث الهمس تحت الطاولة خلاف ما تظهر مع صفقة القرن.. ومثلما تكشفت رسالة محمد مرسي الذي خاطب الرئيس الإسرائيلي جزار قانا شمعون بيريس ب "صديقي العزيز".. ومثلما تكشف الصحافة الغربية في كل يوم عن علاقات غزل بين إيران والغرب الكافر بما فيه الشيطان الأكبر، والغزل الخليجي بما فيه الدولة الخليجية الإسلامية السعودية لم تقر بالتطبيع كأخواتها لكنها عمليا سبقتهم حين فتحت أجواءَََََها للطائرات الإسرائيلية..
وإن غداً لناظره قريب !
26آذار/مارس 2021