إلى الروائي والشاعر والمترجم الفلسطيني محمد الأسعد
2-1
إيله شوحاط : (ذكريات ممنوعة) : دفاعا عن الهوية اليهودية العراقية
الأستاذة الدكتورة إيله شوحاط : يهودية عراقية، جرى تهجير عائلتها من بغداد، ولدت إيله من أبوين عراقيين في (إسرائيل) في 1958 نشطت في عدة حركات شرقية يسارية، ثم استقرت في نيويورك. نالت كتبها البحثية العديد من الجوائز، ترجمت أعمالها إلى عدة لغات من كتبها الأكثر أهمية (السينما الإسرائيلية). اثار هذا الكتاب جدلا ..لأنه كتاب مختلف ومضاد للمسلّمات الثقافية .
(*)
قراءتي : نزهة عراقية في كتابها ( ذكريات ممنوعة) ترجمهُ عن العبرية وكتب َ المقدمة الأستاذ إسماعيل دبج، الكتاب صادر في دمشق عن دار كنعان/ طبعة خاصة/ 2015 .
(*)
الكتابة بالعراقي
بالنسبة للأستاذة الدكتورة اليهودية العراقية (إيله شوحاط) مثل أنين ناي ٍ مخذول ٍ مكتظ ٍ بحنين للمقام العراقي ( أنني لا اكتب الرثاء من باب الرغبة، فلربما هذا هو الوقت المناسب للتصحيح والانتحاب / 21) .
(*)
الحداثة الأمريكية وما بعد الحداثة والعولمة التي جهزت العالم بمفلات ومفاتيح لكافة الازمات والمعضلات والتي تبشرنا دائمة بسعادة قصوى للكافة والخاصة هذه الحداثة وما بعدها والعولمة وفائض القيمة المعولم، كل هذه العيون المعرفية : ترى إن إحدى أكثر الهويات إشكالية ومدعاة للنقاش هي الهوية اليهودية العربية الغائبة عن النقاشات حول الشرق بشكل مزدوج عام /خاص.!!
(*)
على هذا التغييب تعلن إيله شوحاط (هنا أعترض على الطابع المركزي الأوربي الذي لا يفرقون به بين اليهودي والعربي كقطبين متناقضين متنكرين بذلك لوجود هوية يهودية عربية/ 11) .
(*)
من هنا تعلن شوحاط (سأحاول في ما يلي أن أضع بخطوط عريضة معالم صورة هويتي كيهودية عربية، مما قد يشكل مدخلا ً للتأمل بفضاءآت مجزأة وبذكريات ممنوعة) إذن كتاب (ذكريات ممنوعة) يمكن قراءته / تأويله دفاعاً يهودياً عن الهوية اليهودية العراقية .
(*)
أثناء حرب الخليج تجترح إيله شوحاط مدونة ً وتسطّر فيها هواجسها بضمير المتكلم حتى يكون (للوثيقة الشخصية من القوة ما يمكنّها من وضع اليهود العرب على خارطة الهويات . أنا أرفضُ أن أتخلى عن هويتي المتشابكة لمجرد أن من شأن هذا أن يسهل الإنتاج المريح لتصنيفات قومية وعرقية منضبطة /12) .
(*)
ها هي تقدم للقارئ : وجيز سرد الهوية والسلالة والمنزل الأول .
فنعرف منها جذرها العراقي وأن أغلب أفراد عائلتها ولدوا ونشأوا في بغداد وتوزعوا الآن في المعمورة، يجرون معهم إلى شتاتهم عراقية ً (بمعنى كون المرء عراقياً) تتأقلم مع بيئات أخرى ومع خليط من اللغات الأخرى .
(*)
الوفاء لغوياً
(ماتزال جدتي تعيش في ((إسرائيل)) ولكن حتى اللحظة، وبعد مرور عشرات الأعوام من صدمة الإنتقال، مازالت اللغة العربية التي تجيدها هي لغتها الأساسية . إلّا أن عربيتها وماضيها في العراق الذي استمر حتى سن الاربعين تقريباً يرتسم الآن في ((إسرائيل)) كحلم غريب أو هذيان جامح) .
هنا الجدة تريد تثبيت ذاكرتها العراقية، فتسقيها لغوياً ومن اللغة تتشقق أصوات جاراتها العراقيات بلهجتهن البغدادية ومع الصوت، يتلاشى ضباب الذاكرة وتتضح الوجوه النسوية والدرابين وروائح الأطعمة العراقية ومجالس الأفراح . لكن المكان/ المهجر: يفعّل مؤثرية مضادة : إذ يقوم بتضبيب الزمان / المكان العراقي .
(*)
المكان الذي ساقوها كرهاً : له مخالب تنتزع اللسان العراقي، بتوقيت اليوم الأول من عمل والد إيله (مازالت محفورة في ذاكرة أبي حتى ذكرى اليوم الأول في العمل عندما تحدث بالعربية مع عمال عراقيين آخرين/ 18) هنا يصرخ رب العمل الإسرائيلي بوجه والد إيله (هنا ليس دولة عربية).. إذن يجب حذف اللغة العربية من ذاكرة اليهودي العراقي في إسرائيل وكذلك المفهوم الموسيقي (نصف النغم)، لكن الذاكرة العائلية اليهودية العراقية تعلن عراقيتها (ما زلنا نتذكر هرولتنا إلى الراديو الذي تتسلل منه أنغام المقام العراقي التي تختفي بإدارة حادة للمفتاح عندما نسمع خطوات ...)
(*)
فألٌ عراقي
تخبرنا المؤلفة عن جدتها حين كانت في بغداد (جدتي اعتادت أن تقول في بغداد أن ظهور المسلم في الحلم فأل جيد /13) وما بين القوسين يكشف سلامة اللاوعي اليهودي العراقي حيث التعايش السلمي بين الأديان والطوائف والقوميات ؟ والسؤال هنا : هل حلمت هذه الجدة العراقية بعد الترحيل بمسلمات ومسلمين ؟ أم صارت الاحلام العراقية ممنوعة كما مُنعت اللهجة العراقية مع والدها في أول يوم عمل في إسرائيل ؟
(*)
ظلال النقلة المكانية على ضمير الجماعة
تحدثنا المؤلفة عن كيفية تشفير ضمير الجماعة من قبل الجدة
(تعلمت في ((إسرائيل )) أن تتحدث عن (نحن) مقابل (هم) . تقصد بضمير (نحن) كل اليهود أينما كانوا . و (هم) العرب./13) في العراق كانت الجدة ضمير (نحن) يعني اليهود العراقيين وضمير: هم يعني المسلمين العراقيين في أيام الجدة كان التمايز على أساس الدين في المنطقة العربية : يهود مسيحيون مسلمون وليس على أساس قومي : يهود مقابل عرب، وبشهادة المؤلفة إيله : المنطلق كان أن عروبة اليهود هي مدماك في كل ثقافي تتعشق فيه أديان ومجموعات أثنية عديدة .
(*)
التعالي المريض
الاشكالية الكبرى أمام العولمة الأمريكية هي (إن الالتقاء بهوية يهودية – عربية يثير لدى الكثير من الأمريكان عجباً على الغرابة الساحرة أو اندهاشاً معرفياً/13) !! نلاحظ أن الأمركة بكل مفاهيمها الموسوعية، ترفض وبشدة هذا المفهوم النشاز(يهودية عربية) من المتسبب بذلك ؟ الإعلام العربي ؟... أمريكا ؟ أم السلطة الإسرائيلية ؟ أم الأطراف الثلاثة ؟ لكن الباحثة إيله تؤكد : (يبدو أنه خلال أقل من جيل واحد أفلح خطاب (يهود – مقابل – عرب) في التجذر كبديهية وطبق بأثر رجعي على الماضي التاريخي../13) .
(*)
قبل سنوات وفي صحيفة (أخبار الأدب) المصرية، قرأت تقريراً سياحياً لأديب عربي قام بزيارة إسرائيل، كانت سطور كتابته مبتهجة بالتقدم والحرية والإبداع.. مما دفع الادباء اليهود الذين هم في الداخل أن يعتبروا هذا الاديب العربي ملكياً أكثر من الملك نفسه !! تداعت صورة الأديب العربي وأنا أقرأ الكلام التالي للباحثة إيله شوحط (إن الحراسة المشددة على خطوط الفصل في ((إسرائيل)) هي التي قادتني وقادت غيري للانتقال إلى عواصم كوزموبوليتية من المسموح فيها، ظاهرياً على الأقل، أن نعيش التناقضات والتعارضات التي في هويتنا/13) .
(*)
حتى وهي في شمال أمريكا، لا يحق للباحثة إيله حبيبة شوحط أن تقول أنها يهودية عربية عراقية ! أين إذن يحق للهوية اليهودية العراقية أن تحافظ/ تحتفظ بالصفتين ؟ وها هي تخبرنا (يحدوني أمل خفي وأنا أختار هذا الأسلوب في مقاربة الموضوع وهو أن يكون للوثيقة الشخصية من القوة ما يمكنها من وضع اليهود العرب على خارطة الهويات . أنا أرفض أن أتخلى عن خيوط هويتي المتشابكة ../ 12) وهي من خلال ذلك تريد من العالم أن يفهم أنها يهودية عراقية (وأغلب أبناء عائلتي ولدوا ونشأوا في بغداد)
(*)
جغرافيا التعاطف
التجزئة الاستعمارية للأرض أشد بربرية من كل القنابل، البشر يجب التخلص منهم لأنهم يريدون التجذر في ترابهم أسوة بالنباتات والبيوت والأواصر الإنسانية الحميمية : (فجأة يجتازون الحدود الجديدة باتجاهات معاكسة، الفلسطينيون طردوا إلى ما وراء الحدود التي رسمت لتوها واقتُلعوا وجُردوا من أراضيهم ومن أملاكهم وذكرياتهم . وفي الوقت نفسه أقتلع يهود من البلاد العربية من البلاد الإسلامية../ 17) .
(*)
شرقية الجسد / مرسوم أوربي
حتى ينغمروا في المياه الجديدة، على اليهودي العراقي والعربي أن يتخلص من شرقية جسده، فالملامح الشرقية تؤدي إلى وعي مشوه عن الذات !!
وتخبرنا الباحثة إيله إن الخوف من التصنيف : (عراقية) (يمنية) (مغربية) هو الذي أنتج الشَعر الأشقر . وصار تشقير الشعر بالنسبة للمرأة الشرقية الإمحاء الذاتي للهوية اليهودية العربية، وبالوقت نفسه نوعاً من البقاء في مجتمع يسجد للجمال والبياض والجاذبية الجنسية كما قررها مرسوم أوروبي.. وبالمقابل قام اليهود الشرقيون بحلق شواربهم وتدلت من أعناقهم قلادة نجمة داوود .
(*)
هل كل ذلك التدوير السردي للجسد اليهودي العراقي والعربي جعلهم في تماهٍ مع اليهود الأوربيين ؟ هل حققت لهم مكانة ً طبيعية ً؟ الجواب : نلمسه ُ في الكلام التالي للباحثة اليهودية العراقية (من جهة كانت هويتنا العربية قوية بما يكفي لتجعلنا نختبر جزمة العنصرية . ومن جهة أخرى كانت هذه الهوية تجريدية يكفي لكي تجعلنا نغيب عن صفحات الكتب . في بوتقة الصهر القومية لتوحيد الشتات . وجدنا أنفسنا في وضع من لا أصل له، محرومي التاريخ وعربيتنا مسروقة . موسيقيون عراقيون يهود معروفون، والذين كانوا يعزفون في الإذاعة العراقية، والذين تبنى ألحانهم الأصلية من قبل مطربين عرب مشهورين، تحولوا بليلة وضحاها إلى عاطلين لا مكان لبضاعتهم../ 19) .
(*)
الممنوع في الموعود
تشتغل الأرض الموعودة على محو الذات العراقية من الذاكرة اليهودية الوافدة من العراق وبالطريقة هذه يحذف الزمن النفسي لدى الجيل الذي عاش بالعراق وبين الجيل الذي عرف العراق كحاضر منزو خلف جدران البيت، أما الارث الثقافي العربي والعبري والآرامي فقد أقصي عن المناهج المدرسية . أما صدمة التلقي : (ممنوع علينا التعبير علانية عن الصدمة التي خلّفها بنا الاقتلاع المفاجئ . إن العودة التي كان من المفترض أن تكون لمّا ً للشتات أضحت في واقع الأمر تفتيتا ً لنسيج الحياة بين اليهود العراقيين وبين المسلمين/20) والأقسى أيضاً أن إسرائيل نصبت (نفسها المتحدثة باسم فلسطين والفلسطينيين في وسائل الإعلام الأمريكية /107) كما يخبرنا المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد .
............................................