نجاح متميز وتجسيل لحضور محبي السينما من الشعبين العربي والنرويجي.
في ليالي عربية مغاربية يتجدّد مهرجان الفيلم العربي للمرة الرابعة في العاصمة اسلو، وكان مميزا هذه السنة بالإقبال الكبير للمهتمين بالفن السينمائي عربا ونرويجيين، شباب وكبار في السن. كما حضر بعض الممثلين المسرحيين النرويجيين وبعض سفراء العرب لمشاهدة الافلام والحفل الغنائي الذي اقيم يوم السبت الماضي من طرف المنتدى المغربي النرويجي الذي يترأسه الاستاذ عبد العلي بو عبد الله، والذي احيا مع مجموعة من الموسيقيين المغاربة والعرب المميزين والمعروفين في النرويج ودول الجوار الأوروبية، الفنان المبدع عازف العود صاحب الصوت المميز الاستاذ عزيز قصي، والفنانين المبدعين مازن باندوليروس المتميز بموسيقى الفلامينكو وحسين ديراس، وكريم بوهلال وسعيد بوجوان ونادية أولسون. هؤلاء سيحملوننا بفنهم الابداعي من أقصى الشرق العربي إلى أقصى المغربي العربي، بغناءهم المتعدد الألوان العربي والامازيغي والريفي وغناوة. مشكلين لوحة فنية جمعت فرح ورقص الحضور المتعدد الجنسيات، الذي تفاعل مع هذا الفن الموسيقي الذي لا يعرف الجنس أو اللون أو الحدود. مهرجان الفيلم العربي لم يكن فقط يتعلق بعرض الافلام بل كان تجربة ثقافية شاملة، بحيث تم التعرّف على مخرجين هذه الأفلام ومناقشة افلامهم بعد مشاهدتها.
ولقد كان فيلم الافتتاح ، الفيلم الفلسطيني "عمر" نجاحا باهرا، للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد والذي حصل على جائزة مهرجان كان السينيمائي. ووضع في بند الأفلام الأجنبية كثاني ترشيح لدولة فلسطين. لأول مرّة هذا العام تسخدم الأكاديمية دولة فلسطين وليس السلطة الفلسطينية خلال الترشيح. هذه القفزة النوعية تُسجل للمخرج هاني أبو أسعد بسبب إصراره عندما رُشّح للمرة الأولى لجائزة أوسكار. رفض أن يدخل الفيلم تحت عنوان اسرائيل . وقبلت أوسكار ذلك. وهذا يعتير في حدّ ذاته اعترافا لدولة اسرائيل كما اعتراف دول العالم بها. الفيلم يروي قصة رومانسية تتخللها قضايا سياسية تتعلّق بالاحتلال والتجسس. واقع فلسطيني، لا يزال يعيش تحت الاحتلال أكثر من ستين سنة. هذا الواقع الذي يعتبر امتدادا لكل المصائب التي تحل بباقي الدول العربية من مد وجزر سياسي متناقض ومنبطح أدى إلى صراعات شرق أوسطية خليجية وعربية بين المع والضد ....
في فيلم "عمر" يعرض واقع الضفة الغربية وظاهرة الخيانة التي تتم داخل شعب المنطقة. وحالة العنف الذي ينهجه الاسرائيليين اتجاه الشعب الفلسطيني. وحول ثلاثة اصدقاء، طارق "الزعيم" وأمجد الفكاهي المضحك وعمر الشاب المرهف الحس، وسيم ورياضي. كل من عمر وأمجد في حالة حب لشقيقة طارق. جميعهم اصدقاء الطفولة. هكذا يظهر منذ بداية الفيلم. لكن حالة المجتمع المريض بالاحتلال والذي تفشى فيه فيروس الخيانة، يجعل جسد ذلك الوطن المحتل يعاني الأمرين. حالة الفوضى في شوارع تعج سخرية وتآمرا وفسادا، وصراع البقاء من كلا الطرفين المحتل والمغتصبة ارضه. ولقد استطاع المخرج هاني أبو أسعد ايضا أن يسلط الضوء على تلك العلاقة الفريدة الغريبة التي يمكن أن تربط الأعداء وتخلق شقا بين الاصدقاء.
طوال الفيلم نجد البطل عمر محاصرا تماما بين حبه المفقود تحت وطأة الغدر والدسيسة، واتهامه بقتل جندي اسرائيلي، ومحاولة المخابرات الاسرائيلية استخدامه جاسوسا للقبض على كل من يقاومهم. كل تلك الاحداث المتتالية على البطل من حب ومقاومة وحياة اجتماعية داخل الوطن المحتل تجعل المشاهد متشوقا لمعرفة نهاية القصة. القصة في حدّ ذاتها ترمز للمازق الأكبر في الوطن المحتل. ذلك المأزق العربي الاسرائلي المعقد على جميع المستويات حتى على الجانب الإنساني منها. وتلك هي أكبر معضلة نشاهدها من وراء شخصيات الفيلم وكيف سينتهي نهاية تفاجئ المشاهد. والتي تظهر عقل الانسان وضميره الحي رغم كل الضغوطات العاطيفة الطبيعية في الإنسان، ينتصر المنطق وتكون النهاية صدمة لواقع انساني لا مفرّ منه. واقع يصعق المشاهد بما يتفق مع الحال. الظلم لا يقبله العقل الإنساني رغم كل التناقضات العاطفية المعقدة.
كما عرف أيام الفيلم العربي عرض أفلام مصرية ويمينة وسورية وعراقية، كلها تصب في الاحداث الساخنة التي تتعرض إليها المنطقة في ظل الربيع العربي وجميعها حقّقت نجاحا لا تقلّ عن فيلم عمر.