النص وخلاصة السيرة الذاتية لإنتاج النص

عين الهر
مَن لي بها..؟
لأشرح صدرك بالبهجة
وبالطمأنينة أعمّر قلبك
مَن لي بها ..؟
لأجعلك محبا محبوبا دوما
ليربو مالك وجاهك يربو
ويخافك اللص ..
وعند الضرورة القصوى
تكون لامرئيا..
مِن خصومك وأعدائك
مَن لي...؟
.................
.................
لامناعة لديها
تلوثها المجاورة
: عزلتي ..
لذا تقودني رهافة الجوهر
إلى وحدانية مغلقة
حيث .. لا( عناصر/ أحماض/ غسول تنظيف / درجات حرارة ) .
في عزلتي الرمادية اللون
أنا الساكن ..
أنا الساكن ..أبث ُ :
تموجات شعاع ..لها من الجمال
أجمله..
أنا : عين الهر ../ ص74 )
(*)
في مجموعتي الشعرية ( حافة كوب أزرق ) ثمة مفصل بعنوان ( صائغ البروق ) تناولت ُ فيه ثريا من الاحجار الكريمة وكلفني التناول فترة زمنية ليست بالقصيرة ..
(*)
قبل أيام أعانتني يدٌ كريمة بالحصول على نسخة إلكترونية من رواية ( عين اله ر) في طبعتها الثانية 2009 قبلها بسنة أشتريت نسخة ورقية من ( مرآة الغريبة ) مجموعة مقالات للدكتورة شهلا العجيلي : تنماز بالإقتصاد الإسلوبي الجميل أستوقفتني مقالتها.. ( مفتاح الباب الخلفي ) عن تجربتها الروائية ( عين الهر ).. هذه المقالة هي التي دفعتني للبحث عن الرواية، كما دفعتني للكتابة عنها .. والإشتغال على النصين : رواية ( عين الهر ) ومقالة ( مفتاح الباب الخلفي ) وهي مقالة بمنزلة وجيز سيرة تجميع مواد إنتاج المواد الخام لرواية ( عين الهر ).. وللمقالة أهميتها الإجناسية ..
(*)
سرد الأنثى ..
صوتان نسويان يسردان الرواية :
(1) روائية بلا أسم
(2) أيوبة ..
(*)
مهيمنة الحب لدى الروائية غير المسماة، ترى من الضروري جدا كتابة الحب نصا روائيا .. ( ريثما يتكاثف حضورك في حياتي ../7 ) والتشاغل هناهو ( أنشغل عنك بها ) والروائية التي في الرواية، هي روائية بدوام كامل نقول ذلك من خلال مخاطبتها لحبيبها.. ( رتبتُ حياتي التي لاشيء فيها سوى الكتابة والقراءة، وحتى أنت ستخضع لهذا السياق ! فإما أن تكون في حياتي مقروءاً مكتوباً وإما ألا تكون هذا ماسأحاول توخيّه على الأقل ../17 ) .. والتشاغل ايضا يعني : الحب صبرا، فهو تشاغل أيوبي دائما .. ( فكل قصة أكتبها أسميها ،،أيوبة ،، وكل بطلة أرسمها أسميها،، أيوبة ،،../ 7 ) حسب هذا الكلام، يمكن ان نرى تراسلا مرآويا بين المؤلفة والشخصية الروائية، المسماة دائما بنفس الاسم : أيوبة ؟ تقول المؤلفة شهلا العجيلي ( لن تختلف ،، أيوبة ،، بطلة روايتي والراوية المثقفة، البطلة الموازية التي لا اسم لها، عن أية امرأة في أيّة رواية نسوية أخرى../219- مرآة الغريبة ) ..
(*)
البطلة أيوبة تمتلك خبرة فائقة في الاحجار الكريمة وفي تقطيعها ..( كان علي أن أقرأ وأتعلّم وأحدّث أن أقرأ قصص الأحجار وأعرف دلالاتها وأسررها والمعتقدات حول تأثيرها، فأحدّث بها الزبائن والزائرين وأرغبهم كلا حسب حاجته../121 ) ..، والمؤلفة شهلا العجيلي بشهادتها ( أمضيتُ سنتين ونيّف بين كتب التاريخ، وكتب الحجر والجواهر، ومختبرات المشتغلين بهذا الحقل، وورشات الصاغة، وصالات عرضهم، حتّى تعلمت الكثير عن عالم الحجر والجواهر وقمت بتصمم المجوهرات، وقد تم تنفيذ أحد تصاميمي ../ 220- مرآة الغريبة .. ) .
(*)
أيوبة ... بعد أن أقتسمت بيتها وحياتها ضرة ٌ أكبر منها سنا وأعمق تجربة مع الرجال، بالصدفة وبصعودها سطح الدار ستنغمر أيوبة في تجربة صوفية، من خلال طلتها على حوش البيت المجاور، ثم تتعمق صوفيتها بالتشارك مع النسوة اللواتي جئن في تلك الليلة للتفرج من سطح التكية الصوفية، وبعد طلاقها ستتوجه إلى النسوة وتنظم في دورة رياضات وتعاليم صوفية .. وحين نعود لمقالة المؤلفة شهلا في كتابها ( مرآة الغريبة ) سنقرأ الكلام التالي عن الصوفية .. ( هذه التجربة التي عاينتها شخصياً في طفولتي، كما عاينتها بطلتي ( أيوبة ) في صباها.. لقد شكلّت التجربة الصوفية بالمفهوم الذي ورد في عين الهر أحد تقاليد عائلتي، لكني لم أكتف بها، إذ ترددّت على حلقات الذكر، وجلسات الذاكرين من طرائق مختلفة في سوريّة، وفي لبنان ، وفي الجزائر، ولعل عامين بل ثلاثة من البحث من أجل كتابة رواية وعاما رابعا للكتابة هي المدّة التي يحتاجها إعداد رسالة دكتوراه../ 221 ).. هل هي محاولة لكتابة الذات من خلال الآخر، وهل نحن مرة أخرى مع ( الكونت المشطور) لإيتالو كالفينو بنسخة منقحة ومزيدة ؟ أرى أن المؤلفة شهلا العجيلي ستكب أيوبة من خلال ماتحكيه أيوبة عن نفسها وهكذا ستصوغ أيوبة في حدود بيئتهما المشتركة : شهلا/ أيوبة : تجربة واحدة في شخصيتين بينهما تراسل مرآوي.. وبشهادة الشخصية الروائية في ( عين الهر ) .. ( كانت أيوبة تحكي وأنا أصوغ روايتي بمشاعرنا معا وبلغتينا معا../ 73- رواية عين الهر ) ..
(*)
الحصة السردية الأكبر ستكون لأيوبة .. أماحصة الساردة الروائية فهي بوظيفة إطار للصورة التي تحتوي سيرة أيوبة .. إذن متن النص : أيوبة، والحواشي للساردة غير المسماة، التي حولت أيوبة من ذات إلى موضوع، منذ أن رأتها في ( برج العرب ) في دبي .. ( ألهمتني فكرة رواية، شعرت أن وراءها شيئا غير عادي يحضنّي على استكشافه ../ 18 ) ( الذي يراك، لاينساك، لديك مظهر مميّز، وطريقة في الكلام، تذكرني بالاساطير../ 27 ) .. والسؤال هنا : هل استطاعت الساردة الأولى: توصيل ما رأته هي إلى القارىء أيضا .. ؟ ستتراجع قراءتي للخلف وتتوقف عند ص13 سألتقط وحدة سردية طويلة بعض الشيء، في هذه الوحدة السردية ومن خلال سيكلوجية الملابس ستتجاوز امرأة معينة الواقعي وتتموضع بالمسرحي، الذي يمنح أبعادا من المخيال والتفنن في تفعيل جسدانية الرؤية، فهي امرأة وبشهادة المؤلفة ( أتقنت كيف تكون امرأة مشتهاة ../223/ مرآة الغريبة ) .. أعودة إلى تثبيت العينة السردية المقبوسة من رواية ( عين الهر ) : ( لفتني الزي الممّيز ! لن أقول إنني شعرت ُ بأنني أمام أميرة، بل أمام جارية محظية جدا من جواري بني العباس، هذا ما أوحاه إليّ الثوب الأسود اللامع، هو أشبه بالجلباب لكنه ضيّق بحيث يشي بملامح جسدها، ومنه غطاء الرأس المثبّت بعصابة مطرزة بالحجار الملونة، تتبعها مجموعة من العقود الفضية المحلاة أيضا بالاحجار، تكسر حدة سواد الثوب، والذي يزيد الأمر طرافة هو الخف الفضي الطويل، ذو الرأس المعقوف نحو الأعلى كخف السندباد، يحمل جسداً في آواخر العشرينيات ممشوقاً، على الرغم من امتلائه، أما الوجه فيبرز الكحلُ الأسود العنيف بياض بشرته وورد خديه وشفتيه، بإنسجام قائم../ 13 )... مابين القوسين ستفكك شفرته أيوبة وهي تحكي لشخصية الروائية التي تحول الحكي سردا، فيتضح لنا أن أيوبة قررت مسرحة حياتها بإرادتها وهذه الاحجار مزيفة وبشهادتها ..( لم أكن أدري إن كنت أفعل ذلك مسيّرة، أم متعمدة، ولكني أعلم أني كنت راغبة وسعيدة وبأني صرت أكثر إقناعاً، صرت جزءاً من ذلك العالم المسحور الذي عشقت التماهي معه حتى صرت كثيراً ما أنسى العالم خارجه../121 ) .
(*)
أيوبة علمتها الحياة كيف تتفادى تجربة أمها المريرة، وعلمتها تمزج بين سيكلوجية الملابس وبلاغة الجسداني وبهذا الصدد يرى الدكتور الكسندر لووين .. ( ليس في الكلمات الوضوح الذي نجده في تعبير لغة الجسد، إذا ماتعلم المرء قراءة هذه اللغة .. / 107- لغة الجسد / يوليوس فاست ) ... وأيوبة امرأة بصيغة حياة مؤجلة وهو تأجيل تتحمل وزره جهات شتي : العائلة / البيئة الاجتماعية / الزوج / ... الخ ... فهي وبإعترافها للشخصية الروائية .. ( إنني أمتلك الكثير ولكن ليس من أجل هذه الحياة ../ 79 ) .. حين أكتشفت أيوبة في المرآة : أنوثتها، قررت أن تشكل الصفة التي ترغبها من خلال جهدها ومهاراتها وفطنتها وفي الوقت هي تعي لاتوجد صفات أبدية في الإنسان في عالم متقلب / متسارع.. لذا قررت ان تقرأ العالم وتحديدا عالمها / عملها.. ( كان علي أن أقرأ وأتعلّم وأحدّث أن أقرأ قصص الأحجار وأعرف دلالاتها وأسرارها والمعتقدات حول تأثيرها فأحدث بها الزبائن والزائرين وأرغبهم كلا حسب حاجته../ 121 ) .
(*)
كلام المتغير الحياتي لدى أيوبة، لم يصلنا منها مباشرة، بل ضمن وحدات سردية متضافرة أنتجتها الشخصية الروائية في ( عين الهر) فيعرف القارىء من خلالها ان أيوبة تعمل في جامع العادلية .. ( صارت مسؤولة عن قسم النساء، تراقب الدروس وجلسات الذكر الخاصة بهن، أو تقوم على خدمتهن.......إلخ ) .
(*)
وفي سرد الشخصية الروائية عن مدينتها وما ألم بهذه المدينة، يترهل السرد من ص27 إلى ص36 .. لكنها سرعان ماتغير جهوية السرد فينتعش القارىء بمحاوراتها حول الحب مع مَن تحب../ ص37 ثم حين تنتقل للحديث عن روتين الحدود ينأى السرد عما يريده القارىء من ص40- الى ص43 .. وضمن موضة المطبخ سردا*، سيترهل السرد في 112- 114 ويحدث الترهل نفسه بعد وفاة ،،أوديت ،، فتحشر المؤلفة وجيز سيرة أوديت العاشقة الخائبة من ص114 إلى ص117..كقارىء .. أرى ان تخليص الرواية من هذه الترهلات الجزئية، ضروري جدا، من أجل الحفاظ على رشاقة النص، وحسنا فعلت المؤلفة في التركيز على أيوبة، ولم تتوقف ولو قليلا عند أخواتها ..
(*)
الروائية الدكتورة شهلا العجيلي، تنفي وتؤكد بطريقة تدفعني للمحاورة: إذا كانت الرواية هي اشبة بسيرة حجر كريم بشهادة المؤلفة كما جاء في قولها.. ( إنها بحث في الحجر الثمين وخواصّه الفيزيائية والكيميائية وطريقة قصه وشطفه وصقله وحضوره التاريخي وعلاقته بالإنسان../ 220- شهلا العجيلي / مرآة الغريبة ) وإذا كانت ( عين الهر ).. ( ليست فقط ملفات الفساد السياسي والديني والاجتماعي.. /220 ) فما المبرر لفتح هذه الملفات التي تؤذي رشاقة السرد ؟!
(*)
والد أيوبة من المصابين بالإسقاط النفسي يمارس كل العنف مع زوجته، يدخل البيت كالضبع .. ( فهو لم يكن يعدّها زوجة إلاّ من أجل أن ينسب إليها كل خطأ أوفشل يحصل في البيت أو في العمل../ 64 ) وفي الوقت نفسه يصغي لجارة لئيمة حين تعاتبه ويدمّر مستقبل أبنته لأن الجارة رأت في لعب أيوبة مع الطفل علي، من الكبائر، لذا سيبقي الوالد ابنته حبيسة البيت حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.. والد أيوبة مصاب بإخصاء من طراز خاص، فهو لاينتج من الذرية سوى الإناث !!
(*)
بسبب البيئة وبسبب عائلتها وإنحطاط وعي الزوج، كل هذه الأسباب صيرّت أم أيوبة : امرأة غير مؤنثة وبشهادة أيوبة .. ( أمي مسؤولة بشكل كبير عما يحدث لها ولنا، مسؤولة بسلبيتها بهدوئها بطاعتها . إنها لاتعرف كيف تتعهر، ربما قمع أبي عهرها أو أن بيئتها كانت السبب../71 ) كأن أيوبة تريد إزاحة التعهر من حياة والدها، من خلال قيام أمها بتأميمه لصالحها مع زوجها فليس بجمال أم أيوبة وحده يئن سرير الزوجية ..
(*)
أيوبة .. وليس أمها من واجهت والدها، أثر عودتهما هي وأمها من زيارة الاقارب، فأوجعها ما سمعت منهم، ما أن دخل والدها البيت حتى انهمرت دموعها، وحين سألها عن السبب أجابته ( لماذا تترد إلى بيت هذه العاهرة ؟ أخجلتنا أمام الناس، كل الناس يقولون : أبوك سيء السمعة وسخ ../68 ) فإذا بالأب يداهمه كسرٌ في أفق توقعه، فهو لم يتصور انه هو المتسبب بدموع إبنته.. ورغم عنتريته الصوتية فهو سيحاول التودد إلى إبنته لكن الإبنة ازداد نفورها من والدها.. وهو في تودده يمسرح مشاعره، تمهيدا لتزويجها من رجل نسخة طبق الأصل من والدها في تحقير المرأة، كما ان أيوبة بسبب صغر سنها ونفورها من زوجها، ولا دور لأمها في توجيهها، فقد وافقت على زواج زوجها من سواها شريطة عدم تطليقها.. وبإعترافها أنا ( الطرف الذي بدأ بالتخلي والإنسحاب أنا التي كنت سلبية .. ) ومع دخول ضرتها للبيت تعترف أيوبة :.. ( أغار على زوجي وأحقد عليه أيضا، لأنه سلبني حياتي وحريتي، وفوق ذلك قهر أنوثتي هذا الشعور يقتلني لم يعد يقبلني امرأة لذا تزوج، أنا الفتية التي أتوقد أنوثة لم أستطع أن أرضيه فأستبدلني بأخرى../ 92 ) ..
(*)
في الرواية مستويات أخرى تحتاج إعادة إنتاج، من خلال قراءة منتجة متمهلة ..
--------------------------------------------------------------------------------------------
*شهلا العجيلي /عين الهر /الهيئة العامة لقصور الثقافة / القاهرة/ ط2/ 2009
*الدكتورة شهلا العجيلي/ مرآة الغريبة - مقالات في نقد الثقافة / المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت/ ط1/ 2009
*مقداد مسعود / حافة كوب أزرق / مفصل صائغ البروق / قصيدة ،،عين الهر،، ص73/ دار ضفاف / بغداد - دولة الامارات المتحدة / ط1/ 2012
*يوليوس فاست / لغة الجسد / ترجمة عادل كوركيس/ دار نوافذ للدراسات والنشر/ 2010/ ط1/ دمشق جرمان
*بخصوص المطبخ سردا/ انظر (روايات المطبخ) / مقداد مسعود/ مسح ضوئي : عمود صحفي اسبوعي / موقع الحزب الشيوعي العراقي/ موقع الناقد العراقي/ موقع بصريا ثا/ مركز النور/ مجلة معارج/ موقع معكم