أول الكلام: مرّ يوم المرأة هذا العام مروراً لايشبه الأعوام التي سبقته، وقد غابت أو كادت مظاهر الابتهاج به، وقد بدا بعض الرجال أكثر احتفاءاً واحتفالاً به من النساء !، فقد عبّروا بكلمات موشاة بالأشرطة الملونة ومكللة بالورود التي هي الأخرى تلونت با لأحمر أو الوردي أو الأصفر أو الأبيض، وهو تعبير ينطوي على تضامن مع المرأة أكثرمنه حب لجمالها ووفائها وحنانها حبيبة أو رفيقة أو أمّاً أو أختاً أو بنتا..
ولا بدّ من فائدة لغوية، لكثرة شيوع الأخطاء في ذكر هذا الكائن الجميل الذي احتفل بيومه أمس : في اللغة هي "امرأة" إذا أريد بها نكرة كما جاء في القرآن: (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) النمل 23. وإذا أريد بها معرفة تكون " امرأت" كما جاء في القرآن: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ) يوسف 30؛ وعن أخيها الرجل يقال : امرُؤٌ، امرَأً، امرِئٍ تبعاً للمساق الإعرابي رفعاً ونصباً وخفضا . وأياً كان موقع المفردة في الجمل لاتكتب همزة القطع قط، أي لا نكتب إمرأة أو إمرأت، ولا نكتب إمرُؤ...الخ.
***
وقفت المرأة العراقية مواقف مُشرّفة فقد ربطت قضيتها من أجل كسر القيود العشائرية والتمييز ضدها من أجل أن تقف لا كأنثى بل إمرأة تساند الرجل وآمنت أن قضيتها قضية مرتبطة بالتحرر السياسي والاقتصادي، وبالتحولات الاجتماعية لصالح الفئات المسحوقة والمهمشة، وأدركت بوقت مبكر في أهمية التنظيم حيث رابطة الدفاع عن حقوق المرأة والتي ساهمت في المؤتمرات العالمية وأرتبطت بالقضايا الديمقراطية وفي الهيئات المنظِمة والنقابات كما ارتبطت بالحزب الشيوعي، فلا عجب أن تساهم المرأة العراقية في ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 في التحولات السياسية والديمقراطية وتسنمت أعلى منصب في أول وزارة في الجمهورية متمثلة بالمناضلة الدكتورة نزيهة الدليمي وزيرة للبلديات أول وزيرة في الدول العربية والشرق أوسطية.. وساهمت المرأة العراقية بشكل فعّال في توعية النساء بحقوقهن وكانت حملات التثقيف قد وصلت إلى أقصى الأرياف من الشمال حيث نضال المرأة الكردية وفي الوسط والجنوب المرأة العربية.. وقد لمعت أسماء نسوية ثقافية تقدمية في الشعر والأدب والفن والصحافة والعلوم وخاصة في مجال الطب والهندسة ما رفع اسم العراق عاليا..
في يوم المرأة نستذكر المناضلات العراقيات اللائي وقفن مع المناضلين الرجال جنباً الى جنب في مختلف العصور وضحين بأرواحهن كشهيدات، وتحملن شتى ظروف القسوة والتعذيب في نكسة الثامن من شباط عام 1963 إثر الانقلاب الفاشي وفي عصور البعث المتعاقبة، ناهيك عما تحمَّلن في ظروف الحروب والحصار أبان حكم الدكتاتور صدام حسين، وتجسدت بطولاتهن أيضاً في الانخراط في الكفاح المسلح كنصيرات خضن ميادين المعارك المسلحة لا ضد الحكم الديكتاتوري فحسب بل ومن سار في ركابه وقتئذ من قبل قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني حين طُعن الأنصار الشيوعيون والشيوعيات بغدر وجبن في واقعة بشت آشان في بداية أيار عام 1983.. راح ضحية هذه المجزرة أكثر من ثمانين مناضلاً ومناضلة، المجد لهم والخزي والعار لقتلتهم !
ونستذكر وقفة المرأة العراقية في الانتفاضة - التي انبثقت في 19 تشرين1/ اكتوبر - مع أخيها الرجل، حيث تعرضت الناشطات للاغتيال والخطف لكسر شوكتهن والى اغتيال أبنائهن، فقد جسَّدت المرأة بطولات في تزويد المتظاهرين والمعتصمين بالأغطية والغذاء والمواد الطبية ومن ينسى الكادحة بائعة الورق الصحي؟ ومن ينسى تلك الطبيبة الشابة التي اضطرت لعبور الجسر المغلق من خارجه متشبثة بالدعامات الجانبية معرضة نفسها لمخاطر الرمي بالذخيرة الحية وللسقوط في النهر الخالد، لقد ذكرتنا بالمناضلة فتاة الجسر في الخمسينيات !
مرّ يوم المرأة حزيناً ونحن نشاهد النساء والأطفال يحاولن اللجوء في اوكرانيا الى مناطق آمنة توفر لهن الأمن والغذاء، فقد كان مشهد طوابير النساء والأطفال تحت السماء المثلجة الباردة حيث الإنتظار يستمر لساعات، وأما الذين بقوا محاصرين في بناياتهم مع شح الطعام والماء والخوف من القذائف بأعداد هائلة لم يستطع عدها وحصرها..
هكذا يكون ضحايا الحروب من المدنيين الأبرياء الذين دمرت ممتلكاتهم وبيوتهم في حرب لا ناقة لهم بها ولا جمل !
نتطلع إلى السلام وإلى الجنوح إلى السلم من خلال المفاوضات السلمية من أجل حقن الدماء ومن أجل إصلاح الحال وتنقية البيئة من أجواء البارود والدخان ومن أجل أن يعمّ السلام !
التاسع من مارس 2022