الاحد : 18 / 1 / 2009
ما أدينُ به لأصدقائي كثير. ولكن ما أدين به لأْعدائي أكثر"
(اندريه جيد)
كان الفتى الفلسطيني - وهو استشهد منذ ساعات قليلة فقط - يبتسم عندما رفع المُسْعفُ القماشة البيضاء عن وجهه.
كان حسن، وهذا هو اسمه، يحلم، أو يطير حالماً.
كان حسن يقاتل "إسرائيل" بطريقته الخاصة. سلاحه كتاب مدرسته، مدرسة "الأونروا" التي تعرضت الى القصف "الإسرائيلي" أكثر من مرة، ومع ذلك بقي يطالع في كتابه، ومات مبتسماً.
استشهد حسن، مثل غيره من الفتية في العراق ولبنان، وهو يحلم، أو يحلم أنه يطير، وكان يبتسم لأنه رأى جناحيه كبيرتين.
يقول المذيع "الإسرائيلي": "مات حسن الفلسطيني مهزوماً"، وهو يقصد الفتى حسن، الذي لا يعرف انه فتى، قتل غدراً. فبالنسبة لهذا المذيع، الفلسطيني هو فلسطيني، سواء كان اسمه عمراً أو حسناً أو معاذاً.
ولأنه، أي حسن، "مات مهزوماً"، فقد كان منتصراً، وأفقد "الاسرائيلي" لذة رؤية حسن الفتى، وحسن الشاب، وحسن الكهل.. مهزوماً.
قبل قرون، كان افلاطون يتحدث في شأن حسن الفلسطيني، وحسن العراقي، وحسن اللبناني، حتى وهو يموت مهزوماً، لكنه منتصر، لأنه يبتسم فقط.
يخاف العدو من المقاتل المبتسم.
تخاف الطائرة المزمجرة من شفتين باسمتين.
يخاف الفوسفور الأبيض من جميلة الفلسطينية، مقطوعة الساقين.
تماماً، كما خافت أمريكا، من عيني مريم العراقية اللتين لا تريان سوى النور في العتمة.
يطير حسن الفلسطيني، مثل حسن اللبناني، وحسن العراقي، بجناحيه اللتين ريشهما صبر وإرادة وعزيمة، وصمت أيضاً.
فوق طابوقة بسور بابلي، رسم صغير لرضيع يطير في الهواء، بعدما قذفت به أمه النفساء، الى السماء. كانت تقول لخالقه: خُذ أمانتك.
الآن في سماوات غزة والنبطية وقانا وبيروت وسيناء وغطفات والقدس، أطفال يحلقون في الأعالي بأجنحة ريشها دم عبيط.
وفي بعض الفضاءات، ثمة من يحلق بأجنحة غيره.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com
juma_allami@yahoo.com