يوميات نصراوي: عن الثقافة والتهريج

2014-04-12
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/bf7dfaee-c13b-4385-b190-86dcb16f2878.jpeg

 زارني في بيتي في الناصرة صديق عزيز وشاعر مبدع اثبت نفسه على الساحة الأدبية، قال لي بمجرد ان اراح جسمة على المقعد في الصالون انه في سبيله لإصدار ديوانه الشعري الجديد.


قلت له بلا تردد، ان ذلك بشارة خير لعلها تساعد القارئ على التمييز من جديد بين الغث والسمين مما ينشر من شعر في بلاد صار الشعر فيها عقاب للقارئ.او كما قال أحدهم:"كثر الشعر وقل الشعراء"!!


قال : لكني خائف من النقد .


استهجنت خوفه .. فسارع يقول : لا أقصد الخوف من النقد الادبي ، إنما احتقر النقد الذي يسود صحافتنا ويسود بياض صفحاتها .


قلت : اذن اكتب مقدمة للديوان اذكر فيها ان نقد الديوان ممنوع إلا لمن يحصل على إذن مسبق من الشاعر، كل من يتجاوز ذلك سيجازى قضائيا بتهمة التشهير وتجاوز الحدود .


ضحك حتى كاد يختنق ..


عندما استعاد انفاسه اضفت : كنا في مشكلة ادبية واحدة فأصبحنا في مشكلتين .


سأل : ماذا تعني ؟


أوضحت : كنا نتحدث عن فوضى الشعر في بلادنا، المستوى المتدني لما ينشر، فبرز من يحول الفوضى والشعر المتدني الى شعر عبقري وإبداعات لا مثيل لها منذ فجر الحضارة ، حتى تبدو الياذة هوميروس بجانب الشعر غير الناضج الذي شحذ اقلام نقادنا "الأوادم" وسحرهم عملا ضحلا ساقطا .


وواصلت القول وهو مصاب من جديد بالإغشاء ضحكا : حتى محمود درويش لم يحظ بمثل هذا المديح المنفلت وهو في قمة عطائه قبل ان يغادرنا .. لا أذكر ان شعراءنا المعروفين، بدءا من توفيق زياد وسميح القاسم وحنا ابو حنا وحنا ابراهيم وجمال قعوار وفوزي عبدالله وسالم جبران وغيرهم، حظوا بمثل هذا التقييم كعباقرة الشعر، كما يحدث اليوم في ما يسمى نقدا .


التقط انفاسه وسأل : الحل ؟


قلت بلا تردد: أن نشترك بالتهريج !!


- كيف ؟


- من تجربتي الخاصة، اعرف أن المصارحة لا تنفع وتحولك الى عدو لئيم وحقود... لذلك الحل بإضافة المدائح بلا حساب، جعل الناقد قمة العبقرية .. والمنقود أبرع المبدعون وألمعهم.

 

- أي التخريب ..؟! سأل . فأجبت :


- الكلمة الصادقة لا تفهم .. المبالغة بلا منطق وبلا عقل هي أفضل تنبيه للمجزرة الأدبية التي ترتكب دون عقاب .


عبر عن خوفه من أن ذلك يقود إلى مزيد من الغرور، لدى من لا يفقهون معنى الأدب والإبداع الأدبي، ممن يحملون صفة الشعراء عنوة، أو يركبون حمار النقد بالشقلوب .. هذه المدائح الساخرة تزيدهم غرورا .


قلت: ربما.. لكن القارئ سيفهم، هذا هو المهم وأضفت: أحد أصدقائي المقربين والقريب من آرائي الثقافية أيضا، يمارس على موقع من مواقع الانترنت المديح المبالغ فيه... الموقع ينشر والمهزلة مستمرة ... بعض ردود الفعل التي وصلته تشير الى ان "السبت فات بقفا اليهودي" (تعبير نستعمله بمعنى ان المسألة صارت من الماضي ) . بدأ البعض يستهجن المديح .. ويبدو ان المدح بلا شواطئ أفضل من الكلمة الصادقة في عصرنا الشعري المريض ..


- " لكن من يستوعب ان المبالغة في المدح هي ذم ؟" وأضاف :


- المهم كيف سأحل مشكلتي بأن لا يتعرض لديواني من أحسنت وصفهم ...؟


قلت: كن جريئا واطلب مباشرة ممن لا تراه أهلا لمراجعة ديوانك أن يبعد شره عنك.. وإلا صنع منك شاعرا كبيرا، هذا أنت تستحقه بجدارة.. ولكنك كبيرا مع خنافسه الشعرية، بأسلوب ممجوج خلو من الفكر الثقافي والنقدي واللغوي.


قال بحزن : أنا في مشكلة .


سألته: هل تريدني أن أقوم بالمهمة بدلا منك.. أنا لا أتردد..؟


تأخر في الاجابة، فسارعت أقول : هل اعتبر صمتك صمت العروس ؟

 

فأجاب بحيرة واضحة: لا أستطيع أن أكون فظا.


غضبت : هل تعتبرني فظا ؟


اعتذر : اطلاقا لا، أعتبرك أجرأ من حمل القلم .. أتمنى أن يكثر أمثالك.


قلت: لا تمدحني أكثر من اللزوم حتى لا يصبح مدحك ذما..


انهينا الحديث، وصديقي الشاعر المبدع الأصيل، حائر كيف يطلب من بعض مهرجي النقد أن لا يكتبوا عن ديوانه الجديد.


nabiloudeh@gmail.com


نبيل عودة

 
- ولد في مدينة الناصرة (فلسطين 48) عام 1947.
درس الفلسفة والعلوم السياسية في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو .
كتب ونشر القصص القصيرة منذ عام 1962.
عمل نائبا لرئيس تحرير صحيفة " الأهالي 
شارك سالم جبران باصدار وتحرير مجلة "المستقبل" الثقافية الفكرية، منذ تشرين أول 2010
استلم رئاسة تحرير جريدة " المساء" اليومية .
يحرر الآن صحيفة يومية "عرب بوست".
من منشوراته : 1- نهاية الزمن العاقر (قصص عن انتفاضة الحجارة) 1988 2-يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها ( بانوراما قصصية فلسطينية ) 1990 3-حازم يعود هذا المساء - حكاية سيزيف الفلسطيني (رواية) 1994 4 – المستحيل ( رواية ) 1995 5- الملح الفاسد ( مسرحية )2001 6 – بين نقد الفكر وفكر النقد ( نقد ادبي وفكري ) 2001 7 – امرأة بالطرف الآخر ( رواية ) 2001 8- الانطلاقة ( نقد ادبي ومراجعات ثقافية )2002 9 – الشيطان الذي في نفسي ( يشمل ثلاث مجموعات قصصية ) 2002 10- نبيل عودة يروي قصص الديوك (دار انهار) كتاب الكتروني في الانترنت 11- انتفاضة – مجموعة قصص – (اتحاد كتاب الانترنت المغاربية)  

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved