تمر هذه الأيام الذكرى الأولى لرحيل عازفة البيانو العراقية الأولى والشهيرة بياتريس اوهانسيان التي كانت دوما تتفاخر بعراقيتها .. وهكذا عاشت طيلة حياتها أمينة لانتمائها العراقي .
إنها الإنسانة الرقيقة الشفافة المولودة في بغداد ضمن عائلة سكنت منطقة ( المربعة ) واحدة من محلات بغداد الشهيرة . .. ولدت في عائلة كان البيانو يتصدر صالة جلوسهم .
وجدت بياتريس ضالتها لتعلم الموسيقى بدراسة العزف على البيانو والترتيل والإنشاد ضمن جوقة الإنشاد المدرسية في مدرسة الراهبات وكان ثمة ( صوت ) يدندن في دواخلها أنها لن تكون غير موسيقية محترفة .. وازدادت دندنات هذا الصوت كل لحظة تعيشها ليصل الأمر بها ومنذ صغرها إلى نوع من الهوس والعشق .. هكذا كانت بدايتها في تعلم الموسيقى .
ترددها كل يوم احد إلى كنيستها الارمنية ببغداد لتنعش نفسها بالألحان الكنسية التي كانت تؤديها مجموعة الإنشاد .. وتطور الأمر لديها فأخذت تعزف في الكنيسة على آلة الأرغن الهوائي قطعا موسيقية وتراتيل .
وفي بيتها كانت تستمع الى جهاز ( الحاكي ) للموسيقى الكلاسيكية من أعمال كبار المؤلفين الموسيقيين الأوربيين أمثال شوبان ، باخ ، موزارت ، بتهوفن ، لكن أعمال البيانو أخذت تجذبها وتشد انتباهها بشكل متميز .
قدمت طلب انتساب إلى المعهد الموسيقي العراقي عام 1937 لتدرس في فرع البيانو وقدمت العديد من القطع والتمارين أمام لجنة المعهد ونالت استحسانهم وتم قبولها باستثناء شرط العمر لصغر سنها وعرفت ب ( شوبان الموهبة المبكرة ) .
وبدأت الدراسة الفنية بالشكل العلمي الجيد على يد الأستاذ الروماني جوليان هرتس وتخرجت عام 1944 بدبلوم فن عال بدرجة امتياز .
استخدمها المعهد للتدريس فترة قصيرة لحين حصولها على بعثة دراسية من الأكاديمية الملكية البريطانية للموسيقى في لندن .
نالت شهادة التخرج وعادت للعراق لتواصل التدريس والعزف مع مختلف المجموعات الفنية في المعهد .. بعدها انطلقت في سياحة موسيقية مستمرة ومتواصلة داخل العراق وخارجه في لبنان وتركيا وأوربا وأمريكا ..
شاركت الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية كعازفة منفردة في حفلاتها على صالات بغداد وعدد من محافظات العراق الأخرى وكذلك في جولات الفرقة للخارج .
انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1996 مع عائلتها .
وفي منتصف تموز من العام الماضي رحلت الفنانة .. الموسيقية العظيمة التي عزفت لنا أرق ألوان الموسيقى وأبدعها .. الفنانة التي تناقلت قاعات مهمة من عالم الفنون صدى روائعها .. وجب علينا جميعا تكريم قامتها العالية وتأريخها المشرف بكل طرق التقدير والإكبار .
بياتريس التي آمنت أن الموسيقى لغة الحب والسلام .. كانت حقا مفخرة عراقية ....