ظاهرةُ الانتحارِ فضيحةٌ بكلِّ المعايير! ؟

2010-07-01
ب//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/7fd4b353-3286-422c-be45-479f11749e09.jpeg ينَ زهرةِ الحياةِ المُذهلةِ، وشوكةِ الموتِ الخاذلةِ، تنغلقُ بتلاتُ الانتحارِ على كثيرٍ مِنَ الأسرارِ المُبهَمةِ، كأنّما المنتحرُ يحاولُ أن يدفعَ بأنفاسِهِ الخلاّبةِ، صوْبَ مرآةِ واقعٍ مريرٍ تحطّمتْ فيهِ رؤاهُ الذّابلة كي يُجمِّلها، أو كأنّما يحاولُ بأنفاسِهِ أنْ يُباغتَ مخاوفَهُ ويهزمَها، ويخلّصَ تلك الّتي زلزلتْ عتمةَ فِكْرهِ المتأرجحِ على حافّةِ هاويةِ الإنسانيّة، أو كأنّما يُعبّئُ بأنفاسِهِ ذاكَ الفراغَ الفاجعَ الّذي خلقتْهُ تناقضاتُ الحياةِ العصريّةِ، فيخلقُ فلسفةً أخرى ضدَّ واقع الحياةِ المقيتِ!
فكرةُ الانتحارِ تتسلّقُ سلالمَ اللاّمنطق لدى الكثيرين بنبْذِها وإسقاطِها من علٍ، لكنّها تتعربشُ بجنونٍ لا محدودٍ نفوسَ بعضِ المتعَبين وحاملي الأثقال النفسيّة، فتتمكّنُ من السّيطرةِ عليهم بإحكامٍ مطبَق، قد ينجحُ تنفيذُها أو يفشلُ بعزيمة المُقدِمينَ عليها، فهناكَ محاولاتُ انتحارٍ تنجحُ وأخرى تفشل، وتقفُ أنتَ بذهولِكَ، فاغرًا فاهَ استغرابِكَ لحقائقَ تُشابهُ الأكاذيب، وبعينيْكَ المشدوهتيْن المشدودتيْن لحقيقةٍ تقول:
الأردن يشهد "6" حالات انتحار في 12 يومًا في الأسبوعيْن الأوّليْن من العام الجديد 2010.
انتحار!؟ وابلٌ مِن الأسئلةِ اللاّسعةِ يهطلُ على الرّوحِ المُستهْجِنة مآلَها، وتَشْرُدُ إلى عالم الإحصائيّات القاسي بأرقامِهِ، وكلُّكَ ينتفضُ وجعًا.
هل هو نفسُهُ الموتُ الإراديّ، أم فضيحةٌ اجتماعيّةٌ كما يقولُ الطّبيبُ النّفسيّ رولف ديتر هرسش " Rolf Dieter Hirsch"؟
هل هو لحظةُ صدقٍ مع الذّاتِ، أم فكرةٌ جريئةٌ للخروجِ مِن دائرةِ الحياةِ ومسارِها، بعدَ أن أخذتْ تنوسُ نجومُ الآمال، وينطفئُ وهْجُها، فسارعتْ تُلبّي نداءَ الموتِ والأفول؟
هل هو خلاصٌ مِن بريقِ عذابٍ يَضجُّ في رفاهيّةٍ منافقةٍ، تتفكّكُ ألوانُها، فلا تواريه ولا تُوارِبُ موتَهُ البطيء؟ أم شكلٌ مِن أشكالِ التّعبيرِ عن الضّياعِ والعبثيّة، وسلبيّةِ الضّدّيّة والتّناقضات؟
هل هو لحظةُ توهّجِ الطّاقةِ في قبضةِ المنتحِرِ، بعدَ أن خَفَتَ عصبُ الرّغبةِ بالحياةِ؟ أم جُبنٌ وهروبٌ نحوَ العدَم، بعدَ اعتمارِ قبّعة الإيمانِ بمستحيلٍ، قد يُغيّرُ إلى الأفضل؟
هل يحدُّ الانتحارَ مكانٌ أو زمانٌ؟
في كلِّ 40 ثانية، هناك شخصٌ ينتحرُ في مكان ما مِن هذا العالم!
هل للانتحار أبعادٌ اجتماعيّةٌ وثقافيّةُ، واقتصاديّةُ ودينيّةٌ ونفسيّة؟
هل هناكَ تفسيرٌ وتعريفٌ معيّنٌ للانتحار، أم تتعدّدُ التّعريفاتُ والتّفسيراتُ وتتلوّن كلٌّ مِن منظور؟
التّعريفُ الموضوعيُّ للانتحار: "هو قرارٌ يتّخذُهُ شخصٌ لإنهاءِ حياتِهِ"!
لكن، هل الحياةُ مُلكُ فردٍ بعيْنِهِ، أم مُلكُ كلِّ مَن يرتبطُ بهِ مِن أهلٍ وأصدقاءٍ وأحبّةٍ، وهو جزءٌ مِن حياةِ جمْعٍ يعبقُ بالإنسانيّة؟ وهَل تتشفّعُ التّبريراتُ في تخفيفِ هوْلِ الصّعقةِ على ذوي المنتحِر، أم تُذكي قلوبَهُم بالذّنب والحسرة؟


يُطالعُنا التّعريفُ من المنظور النّفسيّ الدّيناميّ:
"الانتحارُ يشبهُ اللّغزَ أو الأحجية، لأنّهُ عدوانٌ أثيمٌ على الغريزةِ القويّةِ للحياة، فهو نوعٌ مِنَ العقابِ الذّاتيِّ والانتقامِ مِن الذّات، وإلحاقِ الأذى بها".
يقول فرويد: "الانتحارُ هو عدوانٌ تجاهَ الذّات، لأنّ المنتحرَ لا يستطيعُ أن يوجّهَ عدوانيّتَهُ باتّجاهِ شخصٍ آخر، ولا عنفَهُ باتّجاهِ المجتمع، إنّما تجاهَ حبيبٍ توحّدَ فيه".
أمّا إريك فروم فيقول: "هو صراعٌ بينَ الدّاخلِ والخارج"!
ويقولُ علماءُ الهندسةِ الوراثيّة: "الانتحارُ هو نقصُ هرمون السّيروتونين؛ المسؤول عن الشعور بالسّعادة ضدّ الاكتئاب"!
أمّا المدرسةُ المعرفيّةٌ فتقول: هو "تفكيرٌ غيرُ مَرِنٍ بمواجهةِ الحياة، وتعبيرٌ عن البكاءِ الرّمزيِّ للفتِ الانتباه".
لكن إميل دوركايم عالم الاجتماع الفرنسيّ فيقول: "الانتحارُ هو تكسُّرُ الرّوابطِ الاجتماعيّةِ والانعزال"، فحين تغدو الحياةُ بالمكتئبِ مجرّدَ مقامرةٍ تلهو به، جاعلةً منهُ أحدَ كراتِها الزّجاجيّةِ، تتقاذفُها الأرجلُ في ملعبِ الظّروفِ المستحيلةِ، وبعدما يفقدَ كلَّ التّعزيزاتِ المستقبليّةِ السّامية، في أجواءِ الأسرةِ والعمل والصّحّةِ والحُبِّ وما إلى ذلك، يلجأ إلى صوتِهِ المقموعِ المُعلّبِ في الرّغبةِ بالانتحارِ، إمّا للتّكفيرِ عن ذنبٍ ما، أو للانتقامِ مِن آخرينَ ليجعلَهم يشعرونَ بالذّنب، أو للهربِ مِنَ الضّغوطِ والألم الّذي لا يُطاق، إلى حياةٍ أفضل!
لكن، هل في الانتحار تعزيزٌ إيجابيٌّ لِما هو سلبيّ، من خلال تدميرِ الذّاتِ، والانتقال المُحدّدِ في النّمطِ الشّخصيِّ للتّعزيزات، كما قال "أولمان" وَ "كراسنر" عام 1975؟
هل الانتحارُ هو شكلٌ مِن أشكالِ التّمرّدِ، من أجل الحصولِ على حقِّ الحياةِ بمعناها الواسع؟ وإن يكنْ، فهل الموتُ هو الّذي يمنحُ الفردَ حياةً حقيقيّةً مطلقةً، كما افترضَ مي (May) عام 1958؟
يقولُ الشّاعرُ المعرّي في لزوميّاتِهِ:
لو لم تكنْ طُرُقُ هذا الموتِ موحشةً مخشيّةً لاعتراها النّاسُ أفواجا
وكلُّ مَن ألقتِ الدّنيا عليهِ أذًى يَؤُمُّها تاركًا للعيشِ أمواجا
كأسُ المنيّةِ أوْلى بي وأرْوَحُ لي مِن أن أعالجَ إثراءً وإحواجا
وأخيرًا: هل الانتحارُ هو حيلةُ الأنا في إنقاذِ نفسِها مِن همومِ الحياة والمجهول أم ...؟

xyzamara@hotmail.com

آمال عواد رضوان

كاتبة ، شاعرة وصحفية فلسطينية، محررة الوسط اليوم الثقافي 
 لها : *1- بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/ عام 2005. *2- سلامي لك مطرًا/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/عام 2007. *3- رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2010. *4- أُدَمْوِزُكِ وَتَتعَـشْتَرِين/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2015. *5- كتاب رؤى/ مقالاتٌ اجتماعية ثقافية من مشاهد الحياة/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2012. *6- كتاب "حتفي يترامى على حدود نزفي"- قراءات شعرية في شعر آمال عواد رضوان 2013. *7- سنديانة نور أبونا سبيريدون عواد/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2014 *8- أمثال ترويها قصص وحكايا/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2015 وبالمشاركة كانت الكتب التالية: *9- الإشراقةُ المُجنّحةُ/ لحظة البيت الأوّل من القصيدة/ شهادات لـ 131 شاعر من العالم العربيّ/ تقديم د. شاربل داغر/ عام 2007 *10- نوارس مِن البحر البعيد القريب/ المشهد الشّعريّ الجديد في فلسطين المحتلة 1948/ عام 2008 *11- محمود درويش/ صورة الشّاعر بعيون فلسطينية خضراء عام 2008 صدرَ عن شعرها الكتب التالية: *1- من أعماق القول- قراءة نقدية في شعر آمال عوّاد رضوان- الناقد: عبد المجيد عامر اطميزة/ منشورات مواقف- عام 2013. *2- كتاب باللغة الفارسية: بَعِيدًا عَنِ الْقَارِبِ/ به دور از قايق/ آمال عوّاد رضوان/ إعداد وترجمة جَمَال النصاري/ عام 2014 *3- كتاب استنطاق النص الشعري (آمال عوّاد رضوان أنموذجًا)- المؤلف:علوان السلمان المطبعة: الجزيرة- 2015 إضافة إلى تراجم كثيرة لقصائدها باللغة الإنجليزية والطليانية والرومانيّة والفرنسية والفارسية والكرديّة. * 
الجوائز:
*عام 2008 حازت على لقب شاعر العام 2008 في منتديات تجمع شعراء بلا حدود. *عام 2011 حازت على جائزة الإبداع في الشعر، من دار نعمان للثقافة، في قطاف موسمها التاسع. *عام 2011 حازت على درع ديوان العرب، حيث قدمت الكثير من المقالات والنصوص الأدبية الراقية. *وعام 2013 منحت مؤسسة المثقف العربي في سيدني الشاعرة آمال عواد رضوان جائزة المرأة لمناسبة يوم المرأة العالمي 2013 لابداعاتها في الصحافة والحوارات الصحفية عن دولة فلسطين. وبصدد طباعة كتب جاهزة: *كتاب (بسمة لوزيّة تتوهّج) مُترجَم للغة الفرنسيّة/ ترجمة فرح سوامس الجزائر *كتاب خاص بالحوارات/ وستة كتب خاصة بالتقارير الثقافية حول المشهد الثقافي في الداخل *ستة كتب (تقارير ثقافيّة) حول المشهد الثقافي الأخضر 48: من عام 2006 حتى عام 2015

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved