عزّة فهمي: فرادة التكامل الصياغي العربي المعاصر

2015-04-08
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/6b89ed50-7daf-47a6-a0f6-bf286d0a8290.jpeg
نَقَشَتْ عزّة فهمي إسمها في تاريخ الصياغة بتكامل الفنّ، والإبداع اللّافت، والإقتدار التقني اليدوي، والتأليف الأكاديمي، والتأسيس التعليمي، وجمع الحلي المصرية التراثية. فسادت بذلك على المشهد الصياغي العربي؛ وقدّمتْ إلى مصر والعالم وساماً ودمْغَةً فنّيةً – صياغيّةً – تجاريّةً: " عزّة فهمي صنع في مصر ".

تُمثِّل عزّة فهمي أحسن تمثيل الفنانين الصاغة الذين يجمعون بين التراث والمعاصرة، بتحديث الحُلْية الاسلامية دون الاخلال بوقعها الأصلي والأصيل. وجلّ هؤلاء يتّخذ من الفضة أساساً لانتاجه. ومنهم ذوي ثقافة بالفنون، الذين يتعاونون مع المواد الأوليّة الخام بالتحويل والخيال والاسباغ والتقدير لاستخراج القيمة الأساس للمصاغ : سِمَة الابداع الفني، والاتقان الحرفي، والاخراج الجمالي. وهم كثيرون، ومنهم في بلدان مثل مصر والمغرب والصين والهند ... بتراثاتها الثقافيّة والفنيّة والصياغيّة المديدة والعريقة والمتميّزة ... ممّن يرتقون بحرفة الصياغة الى فنّ الصياغة. وهنا الاختلاف بين صائغ حرفي، وفنان أكاديمي يمتلك في نفس الوقت ناصية الاتقان التقني.  
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/48904335-7371-49cc-894d-842d20f52882.jpeg
وينتج هؤلاء مختلف أنواع الحلي، وخاصة العقود والقلائد التي تتوسطها دلاّيات عبارة عن تحف إبداعية، أغلبها تعبيري مستوحى من عالم الحيوان والنبات؛ وأخرى لزخارف كتابيّة، ومنها على ألواح شفّافة من أحجار ثمينة؛ وثالثة بتركيبات هندسيّة؛ ورابعة بتشكيلات تجريديّة .

وللاختزال نُرَكِّز على أعمال الفنّانة الصائغة عزّة فهمي. ليس لأنها فنّانة صائغة فحسب، فهناك فنّانين صاغة وفنّانات صائغات لا يقلون عنها أستاذية وحِرَفِيَّة. ولا لكونها إمراة، ففي كلينتان في ماليزيا مثلا عشرات الصائغات ... ولكن لتكامل مشروعها الصياغي – الفني – الثقافي: 

تأثّرَتْ عزّة فهمي بنشأتها في بيئة فنيّة. وتخرّجت رسّامة ومهندسة ديكور في كلية الفنون الجميلة في القاهرة. وعملت في حقل اختصاصها قبل أن تستهويها وتتملّكها الصياغة. فانْغَمَسَتْ بتحدّي وقناعة لتتعلّم أسرار الحِرْفَة في حيّ الصاغة في خان الخليلي التاريخي. ثم طوّرت أستاذيتها في كلية لندن للفنون. وهذا بخلاف من يتدرّب في ورش الصاغة، أو في مراكز الصناعة التقليدية، التي لا تلتفت الى الأفق المعرفي والتكوين الفني التشكيلي للمتدربين... الذين يتخرّجون حِرفيون مُتْقِنون، ولكنهم ليسوا فنانين صاغة يجمع عملهم بين فيوض وومضات الخيال، ومعرفة ورؤية الفنان، وإتقان الحرفي؛
إن مصادر إستلهام عزّة فهمي لاحياء التراث الصياغي العربي والاسلامي متعددة. وتبرز في واجهتها إنبهارها بالصورة التأثيرية الفريدة للحلي البدوية والقروية التقليدية وتصاميمها التي تفاجئ البصر، وتستحضر إيماءآت وتأويلات الجماليات والموضات المتنوعة لقبائل وأقوام المسلمين. كما هو الحال بالنسبه للتراث الصياغي في شبه جزيرة العرب، والمغاربي، والمصري، والآسيوي: الهندي، والأفغاني، والتركماني، والكازاخي ... ... الذي تستقي منه مايلائم أفكارها التصميمية، التي تقترب إلى الأصل أحيانا. أو تأخذ منه عطره الروحي، فيشعر المتلقي بصدى الفكرة. أوتجترح المُبْهِر المُدهِش. أو أنها تبتكر الجديد تماماً، لكنه من الذي لا يزال يصبّ في نهر التراث العربي والاسلامي؛ 
يعمل مِشْغَل عزّة فهمي أساساً بالفضة، ثم الأحجار الكريمة والثمينة، ومَسٌ من الذهب: " فضّةٌ مَسَّها ذَهَبُ "، الذي يُذَكِّر بتقاليد المصاغ العُماني، والمغربي: " شمس وقمر " ... وفي طريق نجاحها المتواصل، وزيادة الطلب على منتجاتها، فقد أصبحت تُكَثِّف استخدام الذهب والاحجار الكريمة كالماس والزمرد والياقوت؛ والثمينة كالعقيق واللازورد والتورمالين .. إضافة إلى العنبر واللؤلؤ والمرجان ... فتُقَدِّم مصاغاً فنياً لا يقاس ثمنه بجرام الفضة أو الذهب ... بل برقي صياغته، وجمال وجاذبية صورته الفنية، التي تعيد أمجاد وألق تراث صياغة الحلي بالعمل اليدوي؛
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/3ca69c27-f2da-4b31-adee-bf74969ee3fc.jpeg  
تقوم طريقة بحثها التصميمي، على أساس الدراسة العلميّة. وذلك بإنشاء وإدارة نظام رقمي لعناصر من التراث الصياغي، الذي يُكوِّن قاموساً مفتوحاً للتطور على شكل مفردات مُجسّمة. ولكل منها موضوعاً ورقماً في الكمبيوتر. وهي مقسّمة إلى كائنات حيّة: الانسان، والحيوان، والطير، والسمكة... إضافة إلى عناصر الزخارف الكتابيّة، والنباتيّة، والهندسيّة.
وهذا الأرشيف الرقمي للمصوغات وعناصرها هو بمثابة دماغ المؤسسة، وسند الالهام. وهو طوع فكر ويد الفنان الذى يستدعي العناصر التي يحتاجها وينتخب منها عبر شاشة الكمبيوتر؛ حيث توظَّف للتجريب الفعّال لضبط نِسَبِها، وتجاورعناصرها بالتوليف والتعديل والاضافة والحذف ... قبل إخراج المصوغة على الورق، ونحتاً بالجبس لانتاج صورة مُجَسَّمة لها. ثم صياغتها بالفضة بعد تحقيق الغاية المُثلى لإخراج الحُلية. وقبل التسويق هناك عمليّة امتحان المصوغة: فبالنسبة للقلادة مثلا، تحملها إحدى العاملات لعدّة أيام لموازنة ثقلها وسلامة قفلها وراحة إستخدامها. ثم تدخل الحُلْية إلى قاموس النظام الرقمي كتوثيق إنتاجي، ومرجع مستقبلي. وفي نهاية المطاف يتمّ ختم المصوغة وإخراجها إلى السوق للبيع.
ويُذَكِّر هذا النظام المفتوح بالورش الفنية والصياغية التي كانت تضمّها قصور العثمانيين، والمغول المسلمين... والتي تَرَكَتْ تراثاً فنياً – صياغياً – اسلامياً - عالمياً فذاً.
كما يشبه فكرة تصنيع البناء من ألواح وعناصر تتكوّن منها شقق سكنية متنوعة، ونسبة كبيرة من مباني أخرى، كالمستشفيات، والأسواق، والمدارس ...
ومثلما يُساعد هذا النظام للابتكار، فإنه يستوعب تطوير رغبات الزبائن، التي تُقَدِّمها لهم المؤسسة على شكل نموذج أو أكثر لانتخاب ما يتلائم مع مرامهم. وفي هذا جانب إبداعي مهم في تكامل انتاج المصاغ بين قدرات المؤسسة، ورغبات وأذواق المجتمع ... وبإستمرار. 

وبذلك يفرز هذا النظام العلمي - الفني الحلي كنتاج ظاهر لقوى مؤسساتية ثابتة الأساس والبنيان؛
ومن مواضيع التكامل الصياغي في مشروع عزّة فهمي، ترقية عملها الفردي بانشاء مؤسسة للصياغة يعمل فيها مايزيد على مائتي مُتخصّص: فنّان مُصَمِّم، وصانع حرفي ماهر، وإختصاصي في التسيير الاداري والتجاري ... 
وإقامة " مدرسة تصميم عزّة فهمي للحلي "، بالتعاون مع " مدرسة التصميم المعاصر " Alchimia في فلورنسا لتنشئة وإعداد أجيال جديدة من الصاغة؛ ومشاركة مصمّمين من الغرب بتقديم حلي شرقية مُعَوْلمة من الفضة، والفضة المذهبة تتناغم مع تصاميم الازياء الغربية؛ وافتتاح محلات تجارية في مصر ودبي وقطر والبحرين والأردن؛ وإقامة معارض محلية وعالمية لمنتجاتها الصياغية؛ وتكوين مجموعة فريدة وكبيرة من تراث الحلي المصرية التقليدية  أصبحت خزّاناً زخرفياً لابتكار تكوينات معاصرة؛ 
ونشر كتاب: " فتنة الحلي المصرية ، الفنون والحرف التقليدية، القاهرة 2007 "، الذي يتضمّن معلومات ثمينة مستقاة مباشرة من بيئة الصياغة. والكتاب بحث ميداني عن مجموعات الحلي المصرية. فيه وصفا للقرى التي زارتها، والصاغة المعلمين الذين تَحَدَّثَتْ معهم، وأجواء عشق النساء لمصاغهنّ ... وتسجيل حكاياتهنّ ومعارفهنّ، وتصوير ذلك لكتابها وأرشيفها؛ واقتناء ما تضمّه إلى مجموعتها ...
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/1a27ddbe-608c-4f1e-a6ff-5d6dd397a0fd.jpeg  
وتكمن فرادة هذا الكتاب في أصالته وتأصيله: فهو نتاج عمل صائغة مُحترفة تسكن وتعمل في بلدها، وهي جزء عضوي من هذا الميدان، ومُعايِشَة للصاغة الذين كَتَبَتْ عنهم، ولأسواق الصياغة، ولنتائج أسفارها إلى مواقع رائدة وبارزة لصياغة الحلي التقليدية: جزيرة سيناء، وواحة سيوة، والوادي الجديد، والنوبة ...  فتجمع بين الصياغة والصاغة، ومواقع الانتاج الصياغي، ومجتمع الاستهلاك. وهذا الكتاب هو الوحيد لحد الان الذي يعكس بأفضل شكل الخبرة العميقة من قلب الاشياء، مما يساهم في توثيق وحفظ ذاكرة مصر الصياغية؛ وإلى جانب مواصلة انتاج المصاغ، تطرح مؤسسة عزّة فهمي دورياً مجموعات من الحلي تضمّ قلائد ومشابك وأساور وأقراط وخواتم ... مما يعانق الشَعَر والعنق والصدر والرسغ والعضد والاصابع ... أو تطلقها بمناسبات محدّدة مثل شهر رمضان، وعيد الفطر، وعيد الأم ... ومنها حلي الرجال: الخواتم والمسبحات وأزرار القمصان وزينة محافظ النقود ودبابيس ربطات العنق وعلاّقات المفاتيح ...
 وكل مجموعة هي دراسة وبحث وتجربة، مثل :
إستلهام تفاصيل من بيوت وأبراج الحمام والنخيل في سوهاج، التي حوّلتها عزّة فهمي إلى مشابك وخواتم وأقراط؛ " المجموعة الصوفية "، المتّسمة بتوشيح الحلي بمقولات بعض مشاهير الصوفيين المسلمين كمصادر لايحاءآت تعكس الحكمة والحب والخيال، وقوى وطاقات تثير الراحة والسكينة في النفوس؛ " المجموعة الكلاسيكية "، التي  تستند إلى إستيحاء تركيب الحلي العربية، وخاصة القلائد، المتميزة بسلاسلها، وتطعيمها بالاحجار الثمينة :
- " مجموعة الصحراء "، التي يسمع الناظر اليها زينة نساء البدو والقرى والواحات  التي تسودها الاصالة والبساطة .
-  " مجموعة قالوا في حب مصر "، منها قلائد بدلاّيات تحمل عبارات مثل : " أنا مصري "، أو لمقطع من أغنية لأم كلثوم: " لك يامصر السلامة  .   
    -  " مجموعة رموز "، التي تستعرض مفردات تقليدية مثل: الكف " الخامسة "، العين، السمكة، المفتاح، اللون الأزرق ...    
  -  " المجموعة الفرعونية "، بإحياء حلي من التراث الصياغي الفرعوني الثري .  
   -  " مجموعة أم كلثوم "، التي تستحضر عبارات وكلمات هادفة من أغانيها مثل " أمل حياتي "؛
    -  وعلى هامش معرض " الحج : رحلة الى قلب الاسلام "، الذي اقيم في المتحف البريطاني، عَرَضَتْ أربع حلي مستوحاة من رحلة الحج : الزمزمية، مفتاح الكعبة، سواران يتمثلان زخارف كسوة الكعبة .
وتبعث عزّة فهمي الزخارف الكتابية، التي كانت من سمات المصنوعات الفنية الاسلامية التاريخية،  فتُقَدِّم مصاغاً يحمل نصوصاً كتابية: آيات قرآنية، ومأثورات وحِكَم، وأشعار صوفيّة من الرومي، وابن الفارض، والحلاج، والخيّام، وابن حزم الاندلسي... وأخرى من شعراء كالمتنبي، ونزار قباني ... وكلمات من أغنيات شائعة ... 
ومن هذه الرسائل عبارات مثل: الله خير حافظا. ماشاءالله. من شر حاسد إذا حسد. إلهي خذ بيدي. يامُفَتِّح الابواب. كن جميلا ترى الوجود جميلا. الصحة أخت الحكمة. الصحة في البدن والحكمة في النفس. إفرح ياقلبي. لقد جمعنا الحب فمن يُفُرِّقنا. تكلّم حتى أراك ... وكلمات مثل: سعادة. بركة. الوصال. الحب. العشق. محبّة. تفاهم. القناعة. المودة ... وتُزيِّن هذه الكتابات واسطة عقد، أو فص خاتم، أو جسد سوار، أو دلايات ومعلقات، أو مشابك للشعر، أودبابيس للشدّ، أو زينة  للمحافظ ...
 وفي إضفاء نصوص هادفة وأساليب زخرفيّة كتابيّة متنوِّعة ومميّزة على المصوغات، فانها تسبغ مزيداً من السعادة على حاملتها وعلى البيئة التي تتحرك فيها. فتصل المجتمع بثقافته وتراثه وبفن الصياغة. حيث تتنقَّل مغازي ومعاني وحكم النصوص الكتابية بجمالها الحيّ في البيئة محمولة على المصاغ. أي مُضاعَفَة: الجمال والفائدة: المَسَرَّة ببهجة الحلية، ومضامين ووقع كلماتها ورسائلها الثقافية والفنية إلى العالم .
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/4adbf742-82e2-4ff6-8304-10381c51e299.jpeg
مانقترحه على عزّة فهمي ومجموعة الفنّانين – الصاغة الذين يجمعون بين التراث والمعاصرة :
كانت مجتمعات المسلمين تعجّ بالفنّانين ومهَرَة الصنّاع الحرفيين الذين ينتجون كل مايستخدمه النّاس من مصنوعات واحتياجات في حياتهم اليومية.  وقد حلّت بعض هذه المصنوعات تحفاً في متاحف الغرب والشرق .
وكانت فنون الصياغة جزء من منظومة الصورة الفنية الاسلامية المتميّزة، الحاضرة في بلاد المسلمين وثقافتهم. وقد كان للحلي، وخاصّة الشعبية منها دوراً وظيفياً وجمالياً في اقتصاد ومعتقدات وزينة وأذواق الناس. وقد اختُزِلَت هذه الظواهر في الاستعمال اليومي للحلي، وعلاقة ذلك بالمستوى الاقتصادي الذي يعكس حجم الحلية ومواد صياغتها: ذهب، فضة، أحجار كريمة، ثمينة، خرز ... و كذلك العلاقة العضوية بين الحلي والازياء: تكويناً وألواناً؛ وبينها وبين العمارة بوحدة إطار زخارفها. إضافة إلى مصنوعات من الفضة هي جزء من أثاث أثرياء القرى والمدن والفئة العليا من الطبقة المتوسطة، كالأباريق والدِلال والأكواب والصِحاف والمباخر والعلب والشماعد والمزهريات ...
وتتميّز حلي مجموعة التراث والمعاصرة عن دُوْر المصاغ العالمي بأسمائه التجارية الشائعة مثل " بولغاري "، و " كارتييه "، و " تيفاني "، و بياجيه "، و " فان كليف "، و " بوشرون " ... التي تنتج تصاميم بالجُملة، وتَستخدم المَكْنَنَة، وتبيع منتجاتها في محلات فخمة في عواصم وحواضر العالم. فرغم انها مصنوعة باتقان، ومن معادن نفيسة وأحجار كريمة وثمينة، لكنها: أولاً، مُعَوْلَمة ولا تمييز يُذكًر بين هذه " الماركة " وغيرها. وثانياً، تظهر وكأنها بلا روح، تماماً كالعمارة الألمانية: مضبوطة وجامدة. مع أنّ الأثرياء يدفعون ثمن الماركة، إضافة إلى مُكَوِّنات المصوغة، ومهارة وساعات العمل الصياغي ... فان حلي عزّة فهمي مثلاً تنافِس الماركات العالمية: أولاً، باستيحاء أصولها من الذاكرة الثقافية العربية والاسلامية. وثانيا، باستخدام العمل اليدوي، الذي يجعل لكل قطعة جمالياتها الفريدة، حيث لا توجد مصوغة طبق الاصل لأخرى. إذْ تفرز طبيعة العمل اليدوي السمة الاساسية في الصناعة التقليدية وهي عدم وجود قطعتين متطابقتين تماماً. فعند صياغة زوج من الأساور أو الأقراط ... لابدّ من تباين ما ناجم عن إختلاف إبداع اللّحظة ونفسيّة ومزاج وظروف الفنان الصائغ آنذاك.
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/dbb7906b-7dd6-47cf-92d5-ad6f898233f3.jpeg  
ونتيجة لمعرفتي بعزّة فهمي التي تمتد إلى عام 1982، وزيارتي لورشتها في القاهرة، ومتابعتي لانتاجها وأفكارها، وعرضي لبعض أعمالها في معرضي عام 2008 في قاعة أولمبيا في لندن، وقراءتي لكتابها ... أتفائل بتواصل رحلتها القويّة وتطوُّر مؤسستها المرموقة والمضيّ قُدُماً في الابداع والامتداد الى المستقبل الذي يمكن تنويع آفاقه بتطعيمه بالجديد. خاصة وأنّ النجاح مسيرة مستمرة من العطاء. والمشروع الناجح هو ذلك الذي لا يرى نفسه من منظور حياة صاحبه بل مما يتواصل بعده. كما أنّ المجتمع لا يطلب المزيد إلاّ من الناجحين المُبَرِّزين المُتَمَرِّسين المجتهدين القادرين على مواصلة الابداع والتجديد والابتكار لانتاج أسلوب صياغي اسلامي معاصر يؤرخ لهذه المرحلة، كجزء من الاحياء الاسلامي الشامل .
وبذلك نقترح :
إحياء منظومة الصياغة التقليدية الاسلامية، التي كانت تُغَطِّي مختلف أنواع الحلي اللازمة لزينة المرأة من شًعْرِها إلى أصابع قدميها. وإنتاج مصوغات تناسب كل الأعمار، من النساء، والرجال، والأطفال ... ولمختلف المناسبات تبعاً لتقاليد المسلمين التي تمتد من الولادة والختان والخطوبة والزواج ... وغيرها من مناسبات إجتماعية ووطنية. فليس هناك اليوم مصاغاً فنيا – تجاريا: أولاً، لا يقتصر على إحياء الحلي، بل يبعث النظام التقليدي التاريخي على أسس معاصرة. وثانياً، ينتشر شعبيا؛ 
إشاعة ثمار النجاح والتطوّر لتكون في متناول مختلف فئات الناس. أي أن يكون الاحياء الصياغي المعاصر في خدمة المجتمع والثقافة والتاريخ . وألا يكون نخبويا للأثرياء القادرين على الدفع. خاصة وقد أثبتَتْ الفضّة عبر تراث مختلف الثقافات بانها تمثل قاموس الصياغة، أساساً لمعقولية سعرها الذي يجعله في متناول محدودي الدخل كذلك. فهل سيبتكر هذا التيّار الجديد: التراث والمعاصرة، نظاماً فنياً - صياغياً يستجيب لظروف الحاضر ويستند الى مرجعية الصورة الفنية الاسلامية؟؛
تطوير وتوسيع إطار إنتاج الحلي إلى إخراج المصنوعات الصياغية: مباخر وعلب ومرشّاة ماء الورد وشمعدانات وأدوات خدمة المائدة والأباريق والدِلال والمزهريّات والتماثيل المَسطّحة والمُجَسّمة ... مما يبعث جانباً من صورة الأثاث المنزلي التقليدي؛ ويجذب أثرياء العرب الذين يقتنون  المصنوعات الفضية من الغرب ويدفعون أموالا طائلة لاستخدام طرز تغريبيّة في بيئتهم؛ 
صناعة هدايا الدولة التي تعكس إبداعات الفنّ ودرجة الاتقان في بلادها. ومن ذلك انتاج السيوف والخناجر والنياشين والأوسمة والمسكوكات التذكارية ... مما يجعل مؤسسات الصياغة العربية وليس الغربية مرجعاً لصياغتها؛
تطوير معاصر لفنون المينا: الملونة والسوداء في الصياغة؛ 
عرض مجموعة عزّة فهمي الخاصّة من الحلي المصرية التقليدية التاريخية، ونشر ثَبَت لها؛ 
إغناء كتابها ليشمل مصاغ المدن. خاصة وأن مصر، وبالذات القاهرة والاسكندرية شهدت  فيضاً من الانتاج الصياغي، ومنه بالفضة والذهب والاحجار الكريمة والثمينة ... من حلي ومصنوعات متنوعة ... مما لم يُدرس لحد الان. ومنه روائع صياغية تعود إلى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مما تواصل عن التراث الصياغي الفاطمي، والمملوكي، والعثماني؛ ومما تأثر بالطرز الاوربية؛ 
 وضع كتاب آخر عن الانتاج الصياغي الابداعي لعزّة فهمي ومجموعة التراث والمعاصرة من الفنانين الصاغة ليكون دليلاً عربياً واسلامياً وعالمياً للاصطفائية المُمَيَّزة في الابداع الصياغي: للتواصل بين التراث والمعاصرة: اللاحق لايقطع الوصل مع السابق للتحاور مع امكانيات ومتطلبات عصره. وسيجذب هذا الاتجاه في خَلْطَته الناجحة الصاغة الموهوبون الشباب الذين يدعمون تصاميمهم بأفكار تُعَزِّز وتُراكِم وتوسِّع الطريق الصحيح لتشكيل تيّار الحداثة الصياغية الاسلامية – الامتداد الوظيفي والجمالي لاسترداد مقام الصورة الفنية الاسلامية المهجورة. وفي هذا جانب مهم  لإثبات هوية الشخصية المسلمة، ولو في حقل " مغمور " كالصياغة، بانتاج مصاغ مُتوهِّج يتكلم لغة العصر، مُفيد وجميل، سهل وممتنع، يُستخدم في كل يوم، وفي المناسبات الاجتماعية والوطنية، ويوضع في المتاحف. إضافة الى التصدي لتفريغ العالم الاسلامي من آثاره وتحفه، ومحاولات القضاء على الصورة الفنية الاسلامية الفريدة  لاحداث فراغ تملأه آلهة الأرض بفنون الحداثة العبثية التي تنتشر في العالم كسرطان مُرعب يضرب مختلف ثقافات الشعوب والأمم .
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/8a91e9b5-8a82-49e6-8a41-06589d10b64a.jpeg 
 فهذه الاصطفائية على نجاحها وجاذبيتها، فإنها لم تفرز بعد مدرسة واضحة المعالم والسمات في فنون الصياغة الاسلامية تصبح: أولا، ذات صورة فنية ساطعة. وثانيا، مسبوكة بتلبية إحتياجات المجتمع سواء في زينة الانسان، أم البيئة المحيطة في مجالات السكن والعمل. وهذا يذكِّر بالرسامين والنحاتين العرب والمسلمين المتميّزين الذين هم بقامات كبار الفنانين العالميين، لكنهم لم يُقَدِّموا مدرسة إسلامية معاصرة في الفنون ... وبالروائي الكبير نجيب محفوظ الذي خرج من أحياء القاهرة الشعبية الى نوبل والعالمية نتيجة إبداعه الروائي، وقوّة الصور الفنية التي عالج فيها خصوصية المجتمع المصري؛ علماً بأنه لايتقن غير العربية، ولم يكتب عن بيئة بعيدة عن القاهرة ... فان عزّة فهمي ومجموعتها يتخرّجون من أحياء الصاغة إلى العالمية بفن جميل يجيد جميع لغات العالم مما لا يحتاج إلى ترجمة؛ لكنه لم يفرز بعد نظاماً ومدرسةً عربية إسلامية في فنون الصياغة.
وسيكون للدولة دورها الحيوي في دعم هذا الاتجاه بعدة طرق؛ منها توفير الفضة، والأحجار الثمينة ... وكلها موجود بكثرة في أراضي المسلمين. وتوسيع تجربة وزارة القوى العاملة المصرية بافتتاح معاهد لتخريج صاغة مصريين يحدِّثون الصياغة المصرية. وكذلك بالنسبة لاهتمام المغرب بإحياء الفنون الصناعية. اضافة الى تخفيض الضرائب. وتسهيل استيراد المكائن التي تدعم العمل اليدوي. وكذلك إقامة فعاليات مساندة مثل " مهرجان فن الحلي " في دورته الاولى في يناير 2002 في مركز الجزيرة للفنون في مصر... وتوسيع ظاهرة عرض الحلي جنبا الى جنب مع الأعمال الفنية الأخرى .. كما في قاعة " دروب " في القاهرة؛ بما يُذَكِّر بمعرض الصيف للفنون الذي يقام سنويا في الاكاديمية الملكية بلندن، التي تُعْرض فيه نماذج فنية من المصوغات إلى جانب الرسم، والنحت، والفوتوغراف، والتخطيطات المعمارية و " الماكيتات " ...

تحيّة من القلب إلى مُشِيْعَة البهجة والجمال ... من الفضّة والخيال ... إلى الفنّانة الصائغة المُبْدِعة الأستاذة عزّة فهمي.
www.al-jadir-collect.org.uk
jadir959@yahoo.co.uk

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved