في صباح يوم العيد ينهض صغار العائلة مبكرين، فتساعدهم أمهاتهم على ارتداء ملابسهم الجديدة التي كانوا قد وضعوها بالقرب من أماكن نومهم، وبعضهم يضعها "تحت وسادته، وبعد ارتداء الملابس ينطلقون للإحتفال بما يتوفر من ألعاب خاصة بالمناسبة، ومن أبرز أنواع الألعاب التي يلهو بها الأطفال هي المراجيح، الفرارات، والدواليب الهوائية، وهنالك عربات (ربل) تحملهم عبر الشوارع بملابسهم الزاهية وجيبوبهم العامرة بالعيديات، وهي مبالغ صغيرة تشكل بالنسبة لهم كنوزٌ كالتي تراودهم في أحلامهم، وللتعبير عن فرحهم يرددون الأهازيج الشعبية المحببة، فتتعالى أصواتهم الطفولية الجميلة، لتفرض الفرحة في القلوب المحتفية بالعيد .
* تبدأ الزيارات العائلية عادةً بعد تناول وجبة الإفطار في أول أيام العيد، وأول بيت يزوره العراقيون هو بيت الوالدين، أو بيت العائلة، ويبقون فيه إلى أن يحين موعد الغداء، بعدها ينطلقون لمعايدة الأقارب، والأصدقاء .
والعيد فرصة رائعة لتصالح المتخاصمين وتنقية النفوس، وللتدخل بين المتخاصمين للمصالحة، والعمل على أن تلتئم أرواحهم وتتجاوز الأخطاء التي مضت" .
* في العيد لا يمكن أن يخلو بيت من الحلوى الخاصة به، ما يسمى بال ( كليجة)، حيث تقوم ربة البيت بإعدادها قبل الإعلان عن العيد، وتقدم الكليجة في العراق عادةً مع الشاي، وعدد من الحلويات الأخرى كالمن والسلوى، والحلقوم، والمسقول .
ومن عادات العيد تبادل أطباق الكليجة مع الجيران، كما كانت العادة أيضاً ان تفرق على الناس عند زيارة المقابر، وزيارة الأموات تعتبر جزأ من طقوس العيد التي يحرص عليها العراقيون .
وبرغم انحسار الكثير من عادات العيد وطقوسه الشعبية، بحكم تغير الحياة وتطورها، وانشغال الكثير بهموم عيشهم، والهاجس الأمني، مازال العراقيون يحافظون على نكهة الماضي، والتراث الشعبي وبساطة العيش ورونق الحياة .
* لم تعد أجواء العيد في العراق كسابق عهدها بسبب جائحة كورورنا، فاصبحت وسائل الإتصال الألكتروني هي الرسول الذي يحمل التهاني والتمنيات بالعيد، ويتم الإحتفال داخل المنزل بين أفراد العائلة فقط . والأطفال الذين هم دائما الشريحة الأكثر تفاعلا في العيد، انزووا في بيوتهم بعد إجراءآت إغلاق الحدائق العامة والمنتزهات ومدن الملاهي والمتاجر الكبرى والمطاعم .
لمعرفة مشاعر وأفكار الناس عن العيد في ظروف الجائحة، كان لا بد لنا من لقاء - مع بعضهم (احترازياً) ، ليس وجاً لوجه كما اعتدنا، وعبر الهاتف، سألناهم ماذا عن طقوس العيد في العراق، وكيف تكون الأجواء في ظل الجائحة ؟ :
حسن التميمي :
هناك طقوسٌ معينة باتت مفقودة الآن، وهناك اختلاف في مظاهر العيد وطعمه ونكهته، العيد اليوم يختلف عن العيد أيام زمان . انحسرت مظاهر العيد بصنع الكليجة واستهلاكها من قبل العائلة فقط، وتبادل التهاني فيما بين أفراد العائلة، وتبادل التهاني مع الناس عبر وسائل الإتصال الإلكتروني ...
سهى النعيمي :
العيد هذا العام سيكون مختلف عما سبقه من الأعياد، "فلا منتزهات ولا مطاعم أو أماكن لهو للصغار، ولا سياحة أو سفر، ولا تجمعات في المناطق العامة" . تقتصرالطقوس هذا العام على تبادل المعايدات عبر الهاتف .
أحمد الشطري :
سوف لن نتمكن في هذا العيد من زيارة الأقارب والأصدقاء، وليس بوسعنا الإحتفاء بالعيد كما كنا نفعل دائما"، من المؤسف جدا عدم قدرتنا على زيارة الأجداد بهذه المناسبة بسبب حظر التجوال، وخشية عليهم من الإصابة بكورونا وخاصة أن كبار السن هم الشريحة الأكثر تعرضا للإصابة" . هذا العيد سيقتصر على عمل كمية قليلة من "الكليجة" تكفي الأسرة الصغيرة، و"لكي لا يحرم الأطفال بهجة العيد، اشترينا لهم ثيابا جديدة، ليرتدوها علّها تجلب لهم شيئا من الفرح " . وندعو بأن يعيد الله عيد الفطر القادم بالسلام وانقشاع الجائحة" .
أمل كامل :
كنا "نهيئ صينية الكليجة، ونرسلها إلى فرن قريب للشواء، لكننا الآن مجبرين على أن نشويها في البيت في الفرن الصغير وهذا ما يفقد الإحتفال بهجته .
كانت الأسواق العراقية في الأيام الأخيرة من رمضان، تشهد زحاماً شديداً لشراء ملابس العيد والحلويات استعداداً لاستقبال الضيوف، ويقرع المسحراتي وهو يجوب الشوارع والأحياء، إعلاناً بيوم العيد، ويأخذ عيديته من مال وحلويات من الأهالي، تثميناً ووفاءاً لمهمته في إيقاظهم وقت السحور في ليالي رمضان.. لا يمكن أن يحصل شيئاً من هذا في أيام الكورونا، لم يبق للعيد فرحته التي تنعشها مثل هذه الطقوس ...
هشام النجار:
من طقوس العيد أن رب البيت يقوم بإخراج مبلغ زكاة (الفطــــــــرة) وهو مبلغ بسيط عن كل فرد من أفراد العائلة حتى لو كان جنينا في بطن أُمه، وحتى عن الخدم، وتدفع الزكاة عادةً إلى الفقراء ليدخل الفرح إلى نفوسهم .
والجميع في هذه الليلة صغاراً وكباراً يحضّرون ملابس جديدة وفي يوم العيد ينهضون مبكرين لارتدائها، أما الشباب فكانوا يذهبون إلى المتنزهات والسينمات المنتشرة في بغداد، حيث كانت السينمات تعرض أكثر من دور .
هل نستطيع في هذا الظرف ان نمارس ظقوسنا التي اعتدنا عليها ؟ أكيد لا نستطيع في ظل الحجر والوقاية من فايروس كورونا، وسيقتصر عيدنا على أفراد العائلة داخل المنزل، ومع الأهل والأصدقاء عبر وسائل الإتصال ....
ليلى كريم :
فرح العيد نستمده من لمّة الأهل والأقارب والأصدقاء،، من انطلاق الصغار وفرحهم ولهوهم، من الإبتهالات المنبعثة في المساجد المكتضة بالمصلين، من صواني الكليجة التي ندخل بها للمنزل من أفران الخبازين، من اكتضاض المقاهي ودور السينما والمتنزهات... كيف يكون الفرح وكل شئ محضور بامر من كورونا ؟؟؟
- أخيراً، لا نملك تجاه مشاعر الأسى لدى الناس، والحنين الى عادات العيد العريقة، الّا أن ندعو لهزيمة الوباء، وعودة العالم صحيحٌ معافى، وان تأتي الأعياد ببهائها وفرحها، مع لمة الأحبة، وممارسة مظاهره الجميلة دون وجل أو خوف، والى أعيادٍ قادمة تمارس فيها طقوس الأهل والأجداد...