نصحبُ الزهاويَّ، شاعرَنا المميَّزَ، في اطروحته حول دورانِ السيّاراتِ على محاورها فنقول :
بادِئَ ذي بَدءٍ، تُطلَقُ كلمةُ السَّيّاراتِ على الكواكبِ التي هي في حركةٍ مستمرةٍ حول الشمس. هذا لا يعني ألاّ وجودَ لكواكبَ سيارةٍ خارجَ نظامِنا الشمسي، أحطْنا بها أم لم نُحِطْ، فالكونُ عظيمٌ، أبدعهُ خالقٌ عظيمٌ، سمعتُهُ يُقْسِمُ حينَ أقسم " فلا أقسِمُ بمواقع النجومِ، وإنَّه لقسمٌ لو تعلمون عظيم"، في سماءٍ قال عنها "والسماءَ بنيناها بأيدٍ وإنّا لَموسِعون"، " وهو الذي خلق الليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ كلّ ٌ في فَلَكٍ يسبحون" .
ربما تبدو تسميةُ السيّاراتِ قديمةً في عالم اليوم، إذ أنَّ السيّارَ من الكواكب يُسَمّى كوكبًا، اما الكواكبُ الثابتةُ فتُسَمّى نجومًا، إلاّ أنَّ الزهاويَّ على ما يبدو حافظ على التسميةِ القديمةِ فقد وردت كذلك في ما كتب المتقدمون. اما الجُرم فيُطلقُ عمومًا على كلِّ جسمٍ موجودٍ في الفضاء الخارجي دون تحديد .
يعلِّلُ الزهاويّ دورانَ الجرمِ السيّارِ على محوره على أنَّه نتيجةُ دورانِه حول الشمس، فحين يبتعدُ الجرمُ بقوةِ الاسْتمرارِ عن الشمس جاريًا في طرفٍ منها، يدفعه الاثير اليها من جانبه فيدور على نفسه قليلًا، ويستمرُّ هذا الدفعُ من الجانب فيدور اكثرَ فأكثر، ويستمرُّ هذا الدورانُ المكتسبُ اذ ليس هناك ما يوقفُه بل يزدادُ كلَّما مرَّ بقرب الشمس في طوافِه حولها .
ثم يذهب الزهاوي معلِّلًا سببَ دورانِ معظم السيّارات من الغرب الى الشرق فيقول :
امّا اتفاقُ دورانِ السيّاراتِ كافَّةً في جهةٍ واحدةٍ حول الشمس من الغرب الى الشرق فهو لأنَّها عند سقوطِها لا تقع في الجانب الامامي من الشمس بل في الجانب الخلفي من جهة انتقالها للسبب الذي قدمناه فهي تتبعها من ورائها الى جهة حركتها فتدور حولها جميعا من جهة واحدة .
واما دوران بعض الأقمارحول بعض السيارات بالعكس من هذه القاعدة فهو لأنَّها عندما بدأ الاثير يدفعها الى مركز السيّار، كانت امامه فأخذت تسقط متقاربةً منه في الجانب الامامي والسيار يبعدها عنه بما يرسله من الالكترونات فهو يدور لذلك حوله من الامام الى الوراء، وهذا النوع من الأقمار او ذوات الاذنابِ قليل العددِ، لأنَّه في اخر الأمر يسقط على المركز الذي يدور حوله وذلك لعدم كفاية الدفع الآتي من ذلك ألمركز لمقاومة سرعة حركته اليه بدفع الاثير. واما الذي يدور من الوراء الى الامام فلا يخشى عليه من السقوط على المركزِ لانه لا يسبق المركزَ بل يَلْحَقُه، هكذا قال .
نقول، واحترامُنا للرجلِ ثابتُ، أنَّ الشمسَ في نظامنا الشمسي تمثل المحورَ الذي تدور عليه بقيةُ الكواكبِ الثمانيةِ وهي:
اربعةٌ داخليةٌ قريبةٌ من الشمس ومثلُها عددًا خارجية هي أبعد. أما الأربعة الأولى فتشمل عطاردَ والزهرةَ والأرضَ والمريخ، وتسمى بالكواكب الارضية لأنَّ سطوحَها تمتاز بصخريَّتها، اما الأربعة الخارجية العملاقة حجمًا فتشمل المشتري وزحل، عملاقَي الغاز لانهما يتكونان من غاز، ولو ان مركزيهما يمتازان بصلابتهما، وأورانوس ونبتون عملاقَي الجليد لما يتوافر فيهما من الماء بالاضافة الى توافر الجليد في الغلاف الجوي لكل منهما .
اما دوران هذه الكواكب بسرعٍ مختلفةٍ اعتمادًا على قربها من الشمس فيُعزى الى جاذبية الشمس، حيث تشدُّ هذه الجاذبيةُ الكواكبَ اليها فتجعل حركتَها محكومةً في مداراتٍ (orbits) ثابتة، ولولا هذه الجاذبية لسارت هذه الكواكب بمسارٍ مستمرٍّ مستقيمٍ دون قيودٍ الى الابد، بموجبِ خاصيةِ القصورِ الذاتي على مذهبِ نيوتن. هنا تجدر الإشارة الى أنَّ بعضَ هذه الكواكبِ تضم قمرًا واحدًا في مداراتِها كما هو الحال في مدار كوكبنا الارض. وهناك من المدارات ما يخلو من هذه الاقمار كما هو الحال في مدارَيْ عطارد والزهرة، اما المريخ فيدور في مداره قمران، ثم زحل والمشتري واورانوس ونبتون فيدور في مداراتها على التتالي 82 و67 و27 و14 قمرا فيما هو معروفٌ الآن .
لقد استوقفني استعمالُ الزهاوي كلمة (بعض) حينما قال (وأما دوران بعض الاقمار حول بعض السيارات) في الفقرة الخامسة من هذا المقال، لقد أحسن الإستعمالَ إذ كان تعبيرا ذكيًّا، فليس كل مدارات الكواكبِ تضُمُّ اقمارًا كما ذكرنا .
ان قوةَ الجاذبية هذه تتناسب طرديًّا مع حاصل ضرب الكتلتين المتجاذبتين اي كتلة الشمس وكتلة اي كوكب اخر من الكواكب المذكورة، وعكسيًّا مع مريع المسافة بينهما، وهذا هو التعريف الكلاسيكي للجاذبية كما ذهب اليه العم نيوتن .
هنا نيمِّم الوجهَ شطرَ نظرية النسبية العامة لأنشتاين ((General Theory of Relativity مرجِّحين، وفيها يعلِّل الأمرَ الى تحدُّب فضاء الزمكان (space-time) ، حيث أنَّ وجودَ أي كتلتين يسبِّب انحناءً في الفضاء المحيط بهما، وهذا يقود الى التجاذب بينهما .
إنَّ مسألةَ دورانِ الكواكبِ حول الشمسِ من الغرب إلى الشرق كانت وما زالت موضعَ اجْتهاداتٍ لم يُبَتَّ بها، اقربها انها تعود الى حركةِ السُّدُم الغازيةِ التي كوَّنتْها، ثم تحولت بعدها إلى كياناتٍ محددة نتيجة ابْتلاع الكتلِ والصخورِ الفضائيةِ منذ بلايين السنين، فأخذت سرعةَ واتجاهَ تلك السُّدُم، إلاّ أنَّ الزهرةَ وأورانوس خالفا الاتجاهَ بعد ذلك نتيجة الاصطدامات الهائلة التي تعرضا لها، فغيَّرا اّتِّجاههما فأصبحا يدوران من الشرق إلى الغرب، وربما كان لقوة جاذبية الشمس في حالتي المد والجزر تأثير على طبيعة دوران كوكب الزهرة خاصة. وهناك تعليلات أخرى لسنا بصددها، ولكننا بصددِ تحيةِ زهْوٍ نُلقيها على شاعرنا جميل صدقي الزهاوي، علَّها تُتَرْجَم رحمةً على روحه، سلام .