السيادة لترجمة الروايات، وحصة الشعر المترجم، مقارنة بالرواية، كانت ضئيلة . لكن منذ عشر سنوات وأكثر، صار الشعر ينافس الرواية بالترجمة . وصرنا نحصل مجموعات شعرية لشعراء من أمريكا وأوربا .
منهم ماهو بين يدي (مسافات) لشاعر من مالطا اسمه أدريان كريما، ترجمة وليد نبهان و(عزلة مُكتظّة بالوحدة) للشاعر الأمريكي بوب كوفمان، ترجمة وتقديم الشاعر العراقي : محمد مظلوم . وعلى مكتبي (الأمل وحيداً) للشاعرة الكورية كيم سنغ هي، وقد فازت الشاعرة بجائزة (سوول) أرفع جائزة أدبية كورية، وقد تمت ترجمة المجموعة الشعرية من اللغة الكورية من قبل محمود عبد الغفّار.. شخصيا كنت قد عزمت على البدء بالشعر الكوري . لكن لا أدري أي مغناطيس شعري وجهني لمجوعة الشاعر الصربي زفونكو كارانوفيتش، تعاملت ُ مع قصائده، تعاملي مع حديقة ملأى بالدهشة، والتنويع. والشاعر يرسم بانوراما شعرية، جعلني أرى الغزير جماليا، كما لو أنني أمام كاميرا تنقل لي ما يحيط بها من مشاهد، وما تشعره ازاء تلك المشاهد، هكذا كنت وأنا ابحر مع ( أجمل القصائد دائما ما تتحدث عن الإشتياق والزجاج والسيارات المسرعة وتلك الأشياء الهشة) للشاعر زوفونكو كارانوفيتش .
اتخيله واقفا في تقاطع الطرق لكنه لا يكترث لدوارة الريح :
( وحدهم العاجزون
يكتبون لإيجاد المعنى
في مكان آخر) .
أحيانا أرى مشهدا شعريا.. يجعلني اتوغل في ثناياه ثم أُحدق بالمشهد وصولاً إلى تحريك السطور سينمائيا :
(في الحافلة المتوجهة نحو المقبرة
وحدها الرياح
أشد وحدة منا/ ص72)
(تدخل غرفتي
تلمس شعري إلى أن
يتحول إلى غبار
داخل الأيدي التي ترتعش
تحت المطر/ ص34)
( بالكاد تؤلم
مثل العزلة
مثل رائحة فتاة شقراء
غسلت شعرها للتو
تشممته وأنا مار بالصدفة) .
(المسجون
في دور بطل دائم الخضرة/ 28)
(الحياة قاسية
لمن لا يملكون روح النكتة/ ص21).
أخطو مع الشاعر.. خطوة يصفها باليأس .. لكنني حين انتهيت من القصيدة شعرتني كما لو أنني كنت داخل القصيدة :
(دخلت غرفتي وقالت :
لم يعد هناك من يكتب الآن
قصائد حب
من يحتاج اليوم
إلى مناديل
وحدهن الفتيات الوحيدات
اللواتي يقرأن حظوظهن في فناجين القهوة
في أماسي الأحد البطيئة) .
كاميرا حرة بما ترى وتلتقط..
ومثل كل الأشياء التي لها قدرات محدودة
لا يمكن أن تستوعب كل ما فينا وكل ما علينا، يعلن الشاعر في قصيدة (التعب العظيم) :
(لا أستطيع حتى احتمال
جِلدي بعد الآن
.....
لا أستطيع الإحتمال بعد الآن
آلهة كرة القدم صاحبة الجلالة
الإشعاع الذي يتضاعف كل يوم
...............
لا أستطيع احتمال
أكوام الغسيل المجعلكة
أكوام الفواتير غير المدفوعة
أكوام بوليصات التأمين المندرجة
وكل الأكوام المتخصصة بأخذ النقود
والهرب
لم أعد أحتمل
الرقص مع الآخرين).
ما يقوله إنطباع التلقي لديّ يخصني وحدي . هل قراءتي للمجموعة قامت بإنسنة الكاميرا ؟ ربما ..
........................................
مختارات شعرية/ أجمل القصائد دائما ما تتحدث عن الاشتياق والزجاج والسيارات المسرعة وتلك الأشياء الهشة/ زفونكو كارانوفيتش.
ترجمة مايا أبو الحياة عن الانكليزية/ منشورات المتوسط/ إيطاليا / ط1/ 2021