قطعة فريدة هذا الفتى، في صمته، ونزواته، ورفضه، هذا الذي يطرق بالكلمة الكبيرة كل صباح، الأرتاج الصدئة، ثم يمضي في طريقه بسيطاً كقمحة، كغصن نعنع، ولا يلوي وراءه ... القاص محمد الصباغ
عبد الجبار السحيمي اسم من الأسماء التي اكدت حضورها في ساحة القصة القصيرة بالمغرب، ومن هنا يمكننا ان نقول بأن مجموعاته القصصية تنتمي الى مرحلة متميزة ومتطورة عن المراحل التي سبقتها، سواءاً في الشكل أو المضمون، كما تعتبر فترة الستينيات التي كتب فيها السحيمي هي البوتقة الأولى لميلاد القصة في المغرب، القصة التي طغت عليها ألوان الواقعية التي تأخذ من الشعب وتعطي للشعب، فكتب عن هذه الجماهير الكادحة وصوّر صراعاتها المادية والمعنوية اللانهائية من أجل البقاء والاستمرار ...
يعتبر السحيمي من بين رواد القصة الحديثة بالمغرب حيث عبّر من خلال قصصه عن الواقع بكل اخلاص وشفافية .. وتمتع بحضور في الساحة الصحفية والسياسية والثقافية مما جعل كتاباته تعكس مراحل التطور وتُعايش صراعات متفاعلة متداخلة، وبالتالي تمثل كتاباته وجهة نظر واقعية صادقة، كما انه يعتبر من كتاب الستينيات الذي استوعب فترات المخاض والصراع السياسي والآيدلوجي، والموجة الوجودية، بالإضافة الى انه تفرد بالنسبة لكثير من كتاب القصة بالوعي السياسي الحاد، ويمكننا ان نقف على حدث هزه بعنف يتمثل في قضية حرية التعبير، فهو كصحفي التحق بالعلم لانه موهوب ولانه يحمل حلماً وردياً وتفاؤلاً غير محدود في اكتساب اسم ادبي، ولكن، وهو في صدد تلمس اطياف الحلم صدمه قرار فرض الرقابة على الصحافة في السنوات الأولى من الإستقلال، فترك ذلك هزة نفسية طوحّت بحلمه، وبين سلطة الرقابة ووقوفه امام المحكمة تشكلت فيه شخصية الكاتب المتمرد المتفرد.
اشتهر الراحل بعموده اليومي في جريدة 'العلم' الذي حمل اسم 'بخط اليد' والذي صدر بين دفتي كتاب ضمن سلسلة 'شراع' أواخر التسعينيات، كما سبق له أن نشر مجموعة قصصية في أواسط الستينيات بعنوان 'الممكن من المستحيل'، وأصدر كتابا مشتركا مع محمد العربي المساري وعبد الكريم غلاب حمل عنوان 'معركتنا العربية ضد الاستعمار والصهيونية (سنة 1967)، وكان قد أصدر رفقة محمد العربي المساري مجلة 'القصة والمسرح' سنة 1964، كما كان مديرا لمجلة '2000' التي صدر عددها الأول والوحيد في يونيو 1970، وشغل منصب مدير جريدة 'العلم' الناطقة بلسان 'حزب الاستقلال' منذ 2004، إلى أن أقعده المرض عن ممارسة نشاطه الإعلامي.
عن مجموعاته القصصية
انها قصص مروية بحس انساني وبتدفق عفوي بقدر عفوية الحياة وشاعريتها، فمن خلال اسلوب بسيط يتعامل مع الكلمة بطريقة فنية تجعله ذا خصوصية متميزة، ان حساسية السحيمي بالمفردة العربية والإصرار على التعامل معها بنقاء وبساطة يصل حد الحنو والشاعرية، وان ما يثير الإنتباه في قصص السحيمي هو هذا التمكن من اتباع المعالجة الواقعية والبساطة التي تطبع الإسلوب بحيث لا يشعرك بانه يظهر عضلاته اللغوية وانما يلجأ الى اللغة اليومية المستعملة التي هي ليست بالرخيصة المبتذلة ولا القاموسية المتفردة ...
*ولد عبد الجبار السحيمي عام 1938 في حي البحيرة والذي يمثل مركز مدينة الرباط التقليدي. تابعَ دراستَه بمدارس محمد الخامس. والتحق بالعمل الصحفي منذ أواخر الخمسينيات.
*اول قصة له نشرتها صحيفة العلم عام 1956 عنوانها ( انها تنتظر ) ضمّنها مقاطع من الشعر ونشرها ايضاً في المجلة المدرسية التي كان يصدرها مع بعض زملاء المدرسة .
*في نفس العام انتظم في دورة تدريبية صحفية نظمتها صحيفة العلم ومن ثم تم اختيارَه للعمل كمحرر في نفس الجريدة .
*صدزت له عدة مجموعات قصصية منها مولاي، الممكن من المستحيل، السيف والدائرة .
*عضو في اتحاد كتاب المغرب وشغل مسؤولية سكرتيره العام .
*ترأس تحرير جريدة العلم منذ 1969
*شارك في العديد من المؤتمرات
*وبعد صراع طويل مع المرض، فارق الحياة بالرباط فجر الثلاثاء عن سن ناهزت 74 عاما.
كان عبد الجبار السحيمي واضحا وحقيقياً، أخلاقيا في حدود أخلاق النشر، وحداثيا قبل الأوان وبعده، فهو يستحق الاحترام، ويستحق من كل المثقفين والكتاب أن يطبعوا قبلة على جبينه، اعترافا بريادته للحداثة الثقافية قبل الأوان وبعده، واعترافا بالجميل.