بلَدُ فاشستيٌّ مُمطِرٌ !

2016-12-23
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/bf7943d8-f0e7-436f-b580-a187ca3910c9.jpeg

قبل يومَين وصَفَ كاتبُ عمودٍ في " الغارديان " بَلده، بأنه فاشستيٌّ ممطرٌ، ثم حاولَ أن ينفي تهمةَ الفاشستيّة، وإنْ لم يحاولْ ( وهذا مفهومٌ تماماً ) نفيَ المطر !
والحقُّ أن المملكة المتحدة، بعد استفتاء الخروج من أوربا، بدتْ عاريةَ المساويء والسَّوءاتِ .
لقد أجهزَ الأغنياءُ على البلاد والعباد، ولم يتبقَّ من إصلاحات 1945 سوى دائرة الصحة الوطنية
 المثقلة بالديون، والمنهَكة من الخصخصة، سواء ٌ في حكم العمّال أو المحافظين .N.H.S
قُبَيل الاستفتاء، هدّد وزيرُ الخزانة جورج أوزبورن باقتطاع 30 مليار من النفقات العامّة، الشحيحة أصلاً .
ومعروفٌ أن أوزبورن هو تجسيدٌ صارخٌ للنظام البريطاني العتيق، وللمافيا الماليّة الأوربية أيضاً .
لم يتبقَّ من دولة الرفاه العامّ شيءٌ . المكتبات العامّة، حتى مكتبات القرى، تُغلَق . وما لم يُغلَق منها، في أسوأ حال . مرة، أخذتُ حاسوبي المحتضَن ( اللابتوب ) إلى مكتبة هَيرفيلد، حيث أسكنُ، وأردتُ أن أصل اللابتوب بمَقبَسِ الكهرباء، فقال لي المكتبيّ بكل لُطفٍ : هذا ممنوع . خيرٌ أن يكون  حاسوبُكَ مشحوناً، لأننا حريصون على تخفيض قائمة الكهرباء في المكتبة، التي هي في ضائقةٍ دائمة !
استولى الأغنياءُ على سكك الحديد وقطاراتها، على المطارات وطائراتِها، على المسْكنِ الاجتماعيّ وأهلِه،
على الأرض وكنوزِها .
المجالس المحلّيّة لا تكاد توفِّرُ خدماتِها المألوفة للمواطنين، بسبب تقليص النفقات المستمر تحت الإدارة ذات التقاليد الثاتشريّة .
في المملكة المتحدة، على حدّ قول جون بلجر: اشتراكية للأغنياء، ورأسماليّة للفقراء ! 
63 بالمائة من الأطفال الفقراء يكْبرون في أُسَرٍ ذاتِ مُعِيلٍ واحد .
وهناك مليونان من سَكَنة مانشستر ( ثاني مدينة في البلاد ) تحت خطّ الفقر .
في حملات الاستفتاء جرى التهويل من شبح الهجرة .
لكنّ المتسبِّب في هذه الهجرة، هي النُّخبة الحاكمة إيّاها التي دمّرت الحياة الطبيعية للناس في فلسطين والعراق وسوريا ويوغسلافيا، بحروبها العدوانيّة .
لم يَعُد الناسُ ذوو الدخْل المحدود قادرين على دفع نفقات الجامعة لأبنائهم، وهي نفقاتُ باهظة حقّاً .
هكذا صار التعليم الجامعيّ حكْراً على الأغنياء، كما كان الأمر في العصر الوسيط .
قولة " لا " في الاستفتاء الأخير، كانت صيحةً، لكنْ في وادٍ ...
ذلك لأنّ النخبةَ الحاكمة ستظل حاكمةً، بل قد تزيد من وطأتِها على الناس والنقابات .
*
" المملكة المتحدة " ليست متّحدةً الآن .
اسكتلندا، وشماليّ إيرلندة ( المقتطَع من إيرلندة الأمّ ) صوّتتا  للبقاء في أوربا .
انجلترا وويلز صوّتتا للخروج من أوربا .
أسكتلندا تستعدّ منذ الآن لاستفتاء جديد، بُغْيةَ الخروج من المملكة المتحدة، بلاداً مستقلّةً .
*
إذاً ؟
هل سيَصْدُقُ وصفُ كاتبِ العمود في " الغارديان " :
بلدٌ فاشستيٌّ مُمطِرٌ ؟

لندن في 27.06.2016


سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved