نعرف الحسين شهيدا بمرتبة قدسية ومعه البطل المغوار أخيه العباس عليهما السلام . والميامين أنصاره الغيارى.ومن صغري تعطرت روحي وأنفاسي في رحاب عتباتهم القدسية في كربلاء والنجف وبغداد وسامراء وقضاء بلد. وأصغيتُ ورأيتُ الفاجعة بصوت المقرئ عبد الزهرة الكعبي وهو يجهش في قراءة كتاب أبي مخنف .
قرأتُ منذ سنوات مسرحية عبد الرحمن الشرقاوي (الحسين ثائرا) و(الحسين شهيدا) وللأسف لم أقرأ مسرحية الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد (الحر الرياحي) وفي السياق نفسه قرأت (المسيح يصلب من جديد) للروائي نيكوس كزانتزاكيس و رواية أوبير برولونجو (قبلة يهوذا)
و(الرجل الذي صلب المسيح) للروائي إيريك إيمانويل شميت، وأثناء كتابتي عن الرواية التي ترجمها الأستاذ مجيد الكعبي ( موت هاسفيروس) عدت ثانية لرواية(باراباس) للروائي بيرلاغركفيست وها أنا أعاود قراءة رواية (دم الحسين) للروائي إبراهيم عيسى ..المشترك بين هذه العنوانات هو الشخصية ذات المثل العليا التي تفتدي البشرية لتصنع حياة جميلة للناس من خلال نشر العدل والمساواة والخير والأمان لكن للأسف لحد الآن هناك مَن لا يريد أن يفهم مجريات الظلم في تلك الحقبة المستبدة. والمؤلف إبراهيم عيسى في روايته ( دم الحسين) يرتكز على شاهدين تاريخيين هما أبن كثير والطبري وكلاهما من المعادن النفسية فيما يكتبان (ليس – إذن – من قبيل المصادفة أن يكون المفسّر العلاّمة أبن كثير، صاحب أهم التفاسير الشارحة للقرآن الكريم، هو نفسه صاحب المجلد الضخم(البداية والنهاية) أهم مراجع التاريخ الإسلامي. وليست مصادفة أن يكون (تاريخ الرُّسل والملوك) للإمام الطبري، واقفا على قدم المساواة مع عطاء الطبري الفكري والديني والتفسيري/ ص8/ إبراهيم عيسى) نستقرأ من خلال ذلك أن المؤلف يغترف نصه الموسوم( دم الحسين) من هذين الجهبذين الإسلاميين : أبن كثير و الطبري .
وهكذا يقوم المؤلف بتدوير السرد التاريخي وتحديثه بلغة عربية معاصرة تصل للقارئ العادي والنوعي، والمؤلف لا يكتفِ بذلك بل يطرح السؤال الحق (هل وقته الآن الكلام عن الحسين؟) ويجيب المؤلف بضرورة القول
(نعم،في كل وقت نحن في حاجة إلى هذا الزمن، ومع كثرة ما كُتب – وما قرئ عن الحسين سيد شباب أهل الجنة(جعلنا الله من شبابها... يارب) فإن كثيراً من العيون والأقلام أغفل الحديث عمّا بعد مقتل الحسين). هنا يخبرنا المؤلف عن تداعيات ما بعد فاجعة كربلاء، التي تهمه سرديا أيضاً .
بعدها ينتقل المؤلف إلى فقرة تخص تقنياته الكتابية (ستجد في هذا الكتاب شيئا مما أريد أن أقوله، لكن لن تجد كل شيء تمنيت أن أقوله، وعليك أن تقرأ وتخرج بما تريد) إذن الأمر يمكن أن يكون كالتالي : ضيق العبارة وسعة الرؤيا لدى المؤلف, وضمن العلاقة التعاقدية بين المؤلف والقارئ يخبرنا المؤلف: ( لكن ما أضمنه لك : أنك ستُحِب الحسين وأنك سترى هولاً لا تطيقه، ودماءً لم تعهدها، وأحداثا أغرب من أن تتخيلها، وكل هذا حقيقي، وسنده الأساسي أبن كثير والطبري) .
ترى قراءتي إن أهمية هذا الكتاب الذي سرده يتجاور مع السرد الروائي أنه يحمل رسالة ً تنويرية عن فاجعة كبرى، وأن أسلوبية الكتاب المبسطة والعميقة تجعله قريبا للقلوب التي تريد الحقيقة وتسعى لها.. وثورة الحسين هي أول ثورة إسلامية ستندلع بعدها ثورات وحركات ثورية لا تعد ولا تحصى في تاريخ الخلافة الإسلامية .
إبراهيم عيسى/ دم الحسين/ مؤسسة قطر/ الدوحة – قطر/ ط 7