هي فدوى بنت عبد الفتاح طوقان وشقيقة الشاعر المرحوم إبراهيم طوقان . ولدت في مدينة نابلس بين عامي 1919-1920 في فصل الشتاء . تلقت دراستها في نابلس ، ولم تتح لها الظروف إتمام تعليمها الجامعي في الخارج فأكبت تسد هذا النقص بالدراسة الشخصية ، وكان ابراهيم طوقان شقيقها ، يتعدها بعنايته بالإضافة إلى دروس خاصة في اللغة الإنجليزية التي ما انفكت تطالع آثارها بجد واستمرار.
تعرفت الى عالم الشعر عن طريق أخيها الشاعر ابراهيم طوقان.- عالج شعرها الموضوعات الشخصية والجماعية، وهي من أوائل الشعراء الذين عملوا على تجسيد العواطف في شعرهم وقد وضعت بذلك اساسيات قوية للتجارب الانثوية في الحب والثورة واحتجاج المرأة على المجتمع. تحوّلت من كتابة الشعر الرومانسي بالأوزان التقليدية، الذي برعت فيه، إلى الشعر الحر في بدايات حركته، وعالج شعرها عدداً كبيراً من الموضوعات الشخصية والجماعية. وبعد سقوط بلدها في براثن الاحتلال الصهيوني هيمنت على شعرها موضوعات المقاومة.
لقد شكلت علاقة الشاعرة فدوى بشقيقها الشاعر إبراهيم علامة فارقة في حياتها, إذ تمكن من دفع شقيقته إلى فضاء الشعر, فاستطاعت -وإن لم تخرج إلى الحياة العامة- أن تشارك فيها بنشر قصائدها في الصحف المصرية والعراقية واللبنانية, وهو ما لفت إليها الأنظار في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي ومطلع الأربعينيات.
يروى أن فدوى طوقان ألتقت بشاعر مصري اسمه "إبراهيم نجا" قدم إلى فلسطين كصحفي أثناء حرب 1948 و أحبت فدوى هذا الشاعر الرقيق الذي أحس بمعاناتها وقررت الزواج به ولكن عائلتها رفضت حفاظا على تقاليدهم وعاداتهم التي لا تسمح للفتاة بالزواج من شخص غريب خارج العائلة ، و بذلك بقيت شاعرتنا أسيرة العادات والتقاليد الظالمة فلم تتزوج طيلة حياتها التي تعدت الثمانين عاما .
عرفت بقصة حبها مع الناقد المصري أنور المعداوي التي وثقها الناقد رجاء النقاش في كتاب ظهر في أواسط السبعينات. وكانت قصة حب أفلاطونية عفيفة عن طريق الرسائل فقط.
توالت النكبات في حياة فدوى طوقان بعد ذلك ، حيث توفي والدها ثم توفي أخوها ومعلمها إبراهيم ، أعقب ذلك احتلال فلسطين إبان نكبة 1948 ، تلك المآسي المتلاحقة تركت أثرها الواضح في نفسية فدوى طوقان كما يتبين لنا من شعرها في ديوانها الأول (وحدي مع الأيام) وفي نفس الوقت فلقد دفع ذلك فدوى طوقان إلى المشاركة في الحياة السياسية خلال الخمسينيات .
سافرت فدوى طوقان إلى لندن في بداية الستينيات من القرن الماضي, وأقامت هناك سنتين ، وفتحت لها هذه الإقامة آفاقًا معرفية وإنسانية, حيث جعلتها على تماسٍّ مع منجزات الحضارة الأوروبيّة الحديثة و بعد نكسة 1967 خرجت الشاعرة من قوقعتها لتشارك في الحياة العامة بنابلس فبدأت في حضور المؤتمرات واللقاءات و الندوات التي كان يعقدها الشعراء الفلسطينيون البارزون من أمثال محمود درويش و سميح القاسم و توفيق زياد .
وفي مساء السبت الثاني عشر من شهر ديسمبر عام 2003 ودعت فدوى طوقان الدنيا عن عمر يناهز السادسة والثمانين عاما قضتها مناضلة بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين ، وكُتب على قبرها قصيدتها المشهورة : كفاني أموت عليها وأدفن فيها
و تحت ثراها أذوب و أفنى
و أبعث عشباً على أرضها
وأبعث زهرة اليها
تعبث بها كف طفل نمته بلادي
كفاني أظل بحضن بلادي
تراباً ،وعشباً ، وزهرة ...
خصائص شعر فدوى طوقان
استخدمت فدوى طوقان الرمز في شعرها بصورة كبيرة ومن ذلك ما تقوله في قصيدتها (إلى السيد المسيح وعيده) :
قتل الكرامون الوارث يا سيد
واغتصبوا الكرم
وخطاة العالم ريّش فيهم طير الإثم
فأين صاحب الكرم
والمقصود هنا استحضار الدلالة الرمزية والتي جاءت في إنجيل مرقس حيث إن صاحب الكرم " يأتي ويهلك الكرامين " .
كما وظّفت فدوى طوقان التضمين بطريقة غير مألوفة حيث إنها لجأت في أحد المرات على سبيل المثال إلى استخدام اللغات الأجنبية في قصيدة لها من بحر المتدارك فتقول :
وبنو عبس طعنوا ظهري
في ليلة غدر ظلماء
Open the door
Oeuvre la Porte
افتاح آت هاديلييت
افتح الباب
وبكل لغات الأرض على بابي يتلاطم صوت الجند
فهي هنا استخدمت اربعة لغات : الإنجليزية ، العربية ، العبرية والفرنسية لتعبر عن تعدد ثقافات وأصول الجنود الإسرائيليين المختلفة .
ولقد اعتمدت فدوى طوقان على الشعرالحر في نظم قصائدها وإن كانت كتبت في الشعرالعمودي كقصيدتها في رثاء جمال عبد الناصر على بحرالوافر (مرثية فارس) .
آثارها ومؤلفاتها النثرية والشعرية
صدرت للشاعرة عدة دواوين و المجموعات الشعرية نذكر منها :
وحدي مع الأيام، دار النشر للجامعيين، القاهرة ،1952 م.
وجدتها، دار الآداب،بيروت ، 1957م.
أعطني حبا ً.
أمام الباب المغلق .
الليل والفرسان، دار الآداب، بيروت، 1969م.
على قمة الدنيا وحيدا ً.
تموز والشئ الآخر .
اللحن الأخير، دار الشروق، عمان، 2000م.
ومن آثارها النثرية أيضا :
أخي إبراهيم، المكتبة العصرية، يافا، 1946م
رحلة صعبة- رحلة جبلية (سيرة ذاتية) دار الشروق، 1985م.
الرحلة الأصعب (سيرة ذاتية) دار الشروق، عمان، (1993) ترجم إلى الفرنسية.
مواضيع كتاباتها
أ - حزنها لفقدها أخيها إبراهيم طوقان : فقد كان إبراهيم معلمها الأول الذي أخرجها بتدريسه إياها مما كانت تعانيه من انعدام تقييم المجتمع لإبداعاتها ومواهبها ، ويظهر أثر موت أخوها إبراهيم جليا عندما نراها تهدي أغلب دواوينها إلى " روح أخي إبراهيم " ويظهر أيضا من خلال كتابها " أخي إبراهيم " والذي صدر سنة 1946 إضافة إلى القصائد العديدة التي رثته فيها خاصة في ديوانها الأول " وحدي مع الأيام " .
ب - قضية فلسطين : فقد تأثرت فدوى طوقان باحتلال فلسطين بعد نكبة 1948 وزاد تأثرها بعد احتلال مدينتها نابلس خلال حرب 1967 فذاقت طعم الاحتلال وطعم الظلم والقهر وانعدام الحرية . يقول عنها عبد الحكيم الوائلي : " كانت قضية فلسطين تصبغ شعرها بلون أحمر قان ففلسطين كانت دائما وجدانا داميا في أعماق شاعرتنا فيأتي لذلك شعرها الوطني صادقا متماسكا أصيلا لا مكان فيه للتعسف والافتعال "
ج - تجربتها الأنثوية : لقد مثلت فدوى طوقان في قصائدها الفتاة التي تعيش في مجتمع تحكمه التقاليد والعادات الظالمة ، فقد منعت من إكمال تعليمها ومن إبراز مواهبها الأدبية ومن المشاركة في الحياة العامة للشعراء و المثقفين ومنعت من الزواج ، كل ذلك ترك أثره الواضح في شعر فدوى طوقان بلا شك وجعلها تدعوا في كثير من قصائدها إلى تحرر المرأة و إعطائها حقوقها واحترام مواهبها وإبداعاتها ، مما جعلها محط احترام وتقدير غيرها من الأديبات اللاتي شاركنها نفس الفكر ، فتقول عنها وداد السكاكيني : " لقد حملت فدوى طوقان رسالة الشعر النسوي في جيلنا المعاصر يمكنها من ذلك تضلعها في الفصحى وتمرسها بالبيان وهي لا تردد شعرا مصنوعا تفوح منه رائحة الترجمة والاقتباس وإن لها لأمداً بعيداً هي منطلقة نحوه وقد انشق أمامها الطريق "
جوائز وأوسمة
كرست فدوى طوقان حياتها للشعر والأدب حيث أصدرت العديد من الدواوين والمؤلفات وشغلت عدة مناصب جامعية بل وكانت محور الكثير من الدراسات الأدبية العربية إضافة إلى ذلك فقد حصلت فدوى طوقان على العديد من الأوسمة والجوائز منها :
1. جائزة الزيتونة الفضية الثقافية لحوض البحر البيض المتوسط باليرمو إيطاليا 1978م.
2. جائزة سلطان العويس ، الإمارات العربية المتحدة ، 1989م.
3. وسام القدس ، منظمة التحرير الفلسطينية ، 1990.
4. جائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة، ساليرنو- إيطاليا.
5. جائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة - إيطاليا 1992.
6. وسام الاستحقاق الثقافي، تونس ، 1996م.
دراسات وبحوث
- صدرت عنها دراسات أكاديمية (للماجستير والدكتوراة) في عدد من الجامعات العربية والأجنبية، كما كتبت عنها دراسات متفرقة في الصحف والمجلات العربية، إلى جانب كتابات أخرى لكل من إبراهيم العلم، وخليل أبو أصبع، وبنت الشاطئ وروحية القليني، وهاني أبو غضيب، وعبير أبو زيد وغيرها .
ومن الكتب الجديدة حول الشاعرة فدوى طوقان كتاب : ( من إبراهيم طوقان إلى شقيقته فدوى) ، وهو كتاب جديد يكشف دور الشاعر إبراهيم طوقان في تثقيف أخته عبر الرسائل. وفيه يطالب بها الشاعر إبراهيم أخته الشاعرة فدوى - بمطالب تتعلق باللغة والوزن والصورة، وفي سبيل تطوير أدواتها، وكان المصدر الأول الذي يحقق ذلك هو القرآن .
وصدر عن دار الهجر للنشر والتوزيع-بيت الشعر-في مدينة رام الله بفلسطين كتاب آخر " رسائل إبراهيم طوقان إلى شقيقته فدوى". وعلى هذا الصعيد تكشف الرسائل مدى العنت والجهد الذي يبذله الطرفان للوصول الى الهدف فهو يرشدها الى قواعد اللغة والى قوانين الشعر، ويقترح لها فيما تقرأ ، وفيما تكتب ويصحح لها، وحين يطمئن إلى مستوى معقول يدفعها لتدفع بشعرها للنشر.
الشعر من 1948- 1967
- كانت فدوى طوقان أشهر من عرف في عهد الانتداب من الشعراء وكذلك أبو سلمى الذي استقر في دمشق، وقد تميزت قصائد أبو سلمى بعد 48 باهتزاز الرؤية وفقدان الثقة، أما فدوى طوقان فقد تطورت بشكل مختلف فأغنت الشعر العربي بالشعر الرشيق الذي يعبر عن اكتشاف الأنثى لذاتها.
مراحل شعـر فدوى طوقـان
- لقد نسجت في المرحلة الأولى على منوال الشعر العمودي وقد ظهر ذلك جليا في ديواني(وحدي مع الأيام) و(وجدتها) وشعرها يتسم بالنزعة الرومانسية.
-وفي المرحلة الثانية اتسمت أشعارها بالرمزية والواقعية وغلبه الشعر الحر وتتضح هذه السمات في ديوانيها (أمام الباب المغلق)و (والليل و الفرسان).
- بدأت الشاعرة فدوى طوقان مع القصيدة التقليدية العمودية، لتقتنع بعدها بقصيدة التفعيلة، مشيرة إلى أنها تعطي للشاعر فسحة ومجالا أكثر. كما إنها تقول إن قصيدة التفعيلة سهلت وجود شعر المسرح.
تعدّ فدوى طوقان من الشاعرات العربيات القلائل اللواتي خرجن من الأساليب الكلاسيكية للقصيدة العربية القديمة خروجًا سهلاً غير مفتعل, وحافظت فدوى في ذلك على الوزن الموسيقي القديم والإيقاع الداخلي الحديث. ويتميز شعر فدوى طوقان بالمتانة اللغوية والسبك الجيّد, مع ميل للسردية والمباشرة. كما يتميز بالغنائية وبطاقة عاطفية مذهلة, تختلط فيه الشكوى بالمرارة والتفجع وغياب الآخرين.
إحدى الأمسيات الشعرية التي حضرتها فدوى طوقان في الإمارات
- للشاعرة فدوى طوقان نشاطات على الصعيد العربي والعالمي، وتتحدث الشاعرة فدوى طوقان في أمسياتها عن المعاناة التي لازمتها منذ احتلال اليهود للأرض العربية الفلسطينية، حتى إن كثيرا من قصائدها خرج إلى الوجود من خلال هذه المعاناة.وفي هذه الندوة تقول: إنها مازالت تشعر بالمهانة والإذلال كلما رأت الأراضي العربية تدنس بأقدام اليهود.
* تعتبر سيرة فدوى طوقان" الرحلة الأصعب" خير نص أدبي وثائقي يعكس ماعرفته الأمة العربية بصفة عامة وفلسطين بصفة خاصة من نكسات متكررة ونكبات تراجيدية في ظل الانتداب البريطاني والاحتلال الصهيوني. كما يعتبر هذا النص أيضا أقرب وثيقة إلى الصدق الموضوعي في تحديد ملابسات بعض الكتابات النثرية والقصائد الشعرية التي كتبنها فدوى طوقان؛ لأنه يبرز لنا السياقات والحيثيات المرجعية والتاريخية التي كانت وراء إبداعها وسجالها السياسي والأدبي والفكري . علاوة على كون هذه السيرة النصية تسعفنا كثيرا في فهم دواوين فدوى طوقان وتفسيرها على ضوء بواعثها ومقصدياتها التداولية.
1- المستـــــــــــــوى المناصــــي:
لقد امتزجت في مذكراتها كثير من صور التشريد والطرد والنفي والرعب والمجازر التي ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني. وعايشت الشاعرة مجموعة من النكسات والنكبات والحروب والهزائم كنكبة 1948م، ونكسة 1967م وحرب أكتوبر 1973م ومعاهدة الصلح لسنة 1978م وانتفاضة الشعب الفلسطيني وثورة أطفال الحجارة وانبثاق حركة فتح لتحرير فلسطين. وقد جمعت فدوى طوقان في شعرها بين المنزع الرومانسي والتحدي الثوري الملتزم بالقضية و الدفاع عن الإنسان الفلسطيني على غرار الشواعر الفلسطينيات الأخريات كسلمى خضراء الجيوسي ودعد الكيالي وسميرة أبو غزالة وأسمى طوبى. وتوفيت المبدعة الشاعرة سنة 2003م بعد تكريمها في كثير من الملتقيات الأدبية والشعرية داخل الوطن المحتل وخارجه.
لقد صدرت سيرة فدوى طوقان (الرحلة الأصعب) في طبعتها الأولى سنة 1993م عن دار الشروق للنشر والتوزيع بعمان الأردنية، ويندرج هذا العمل ضمن السيرة الذاتية التي تجمع بين التوثيق التاريخي والكتابة الأدبية ذات الطابعين: الإبداعي والنقدي.
وتحيل صورة الغلاف الخارجي على المرأة الفلسطينية التي تحب السلم والأمان والتعايش مع الآخر، وفي نفس الوقت هي قادرة على النضال والمقاومة والاستشهاد في سبيل الوطن بالنفس والنفيس. وتحضر الأم في الصورة الأيقونية رمزا للوطن والهوية القومية الفلسطينية. أما صورة الغلاف الخارجي الخلفي فتشير إلى صورة فدوى طوقان المبدعة الشابة سنة 1967م بصورتها الهادئة المعبرة عن البركان الذاتي الداخلي الذي يمكن أن ينفجر في أي وقت تحتك فيه المبدعة بالعدو الصهيوني الحاقد. وتدل كلمات الغلاف الخلفي على رفض الشاعرة فكرة الهروب والفرار خارج الأرض المحتلة وإصرارها على التحدي والصمود والنضال والتمسك بأهداب الأرض وجذورها إلى آخر نفس من أنفاس صيرورة حياتها.
2- المستــــوى الدلالــــــــــي:
ترصد فدوى طوقان في سيرتها" الرحلة الأصعب" معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي والغطرسة الصهيونية منذ نكبة 1948 م مرورا بمجموعة من المآسي والنكسات ومن أسوئها هزيمة حزيران 1967م التي أثرت سلبا على الأمة العربية بصفة عامة وفلسطين بصفة خاصة.
وتبدأ السيرة بتصوير ذلك اليوم المشؤوم الذي ستعلن فيه حرب ستة أيام التي حققت فيها إسرائيل انتصارا كبيرا على مصر بقيادة جمال عبد الناصر، إذ استولى جيش العدو على منطقة سيناء، وضم كثيرا من الأراضي الفلسطينية، وانتزع الجولان من سوريا، وتوسع في كثير من أراضي البلدان المجاورة. وكانت لهذه الحرب آثار وخيمة على نفسية فدوى طوقان وأسرتها الصغيرة والكبيرة . وأشارت الكاتبة في مظان سيرتها الروائية إلى ما كانت تستوجبه هذه الحرب الحزيرانية من إعداد مسبق وتموين مدعم وما تفرضه من قسوة المعايشة والبقاء والاضطرار إلى الهجرة والهروب والارتحال أوالصمود والمقاومة ضد العدو المتغطرس.
وتستحضر الكاتبة في بداية سيرتها صديقها الغريب الذي أخبرها بالاستعداد للحرب عن طريق التموين والهروب، ولكن فدوى اختارت الصمود والبقاء في أرضها وخاصة في مدينتها العتيدة نابلس مع رجالها ونسائها وأطفالها. وفي هذه الفترة كتبت قصيدتها " إلى الصديق الغريب" وتمنت لو كتبتها تحت عنوان" لو". وفي تلك الفترة تضاربت الأنباء حول نتائج الحرب، ومن الظافر فيها؟! وأذيعت أخبار عسكرية عربية مبالغ فيها لتنكشف الهزيمة في اليوم الأخير، وتظهر خيانة المشير عبد الحكيم عامر الصديق المقرب إلى جمال عبد الناصر ورئيس القوات الحربية المصرية.
وبعد ذلك ، شد الصهاينة الخناق على جميع المدن الفلسطينية وحوصرت الجبهات والحدود والممرات، وكان من الصعب الانتقال داخل الأرض المحتلة من مدينة إلى أخرى بدون مراقبة ومحاسبة وإذلال وتفتيش مخافة من رد الفعل العربي والفلسطيني. وعقب الهزيمة، ساد فلسطين السليبة حزن داخلي عميق وتآكل ذاتي وحالة هستيرية جنائزية وتمزق مأساوي فظيع، ترتب عن ذلك مباشرة احتلال الضفة الغربية والمدن الأخرى قصد تهجير اليهود للاستيطان فيها مع طرد سكانها الأصليين خارج الأرض المحتلة نحو الملاجئ ونفيهم خارج الحدود.
وقد نشرت إسرائيل الهلع بين السكان وعاثت في الأرض فسادا وأثارت الرعب وارتكبت المجازر وقنبلت المنازل وجوبهت المقاومة بعنف وقتل وإرهاب شديد للقضاء على كل شرارات الانتفاضة ورموزالصمود في كل أراضي فلسطين المحتلة. وعلى الرغم من هذا الحصار السياسي والعسكري الإسرائيلي، استطاعت فدوى طوقان أن تقيم نوعا من التواصل وترسي حبال المودة والصداقة مع مجموعة من الكتاب الفلسطينيين قصد إثراء حركة الشعر والأدب كما هو الحال مع القاص توفيق فياض والشاعرين محمود درويش وسميح القاسم. وقد أعجبت الشاعرة برموز المقاومة والهوية الفلسطينية وروح التضحية والاستبسال كما عند سالم جبران وتوفيق زياد. ومن ثم، أصبحت حرب حزيران شعلة لتوهج الشعر الفلسطيني وانطلاق شرارة أدب الكفاح والمقاومة الذي كان يدعو القارئ إلى التشبث بالأرض وعدم التفريط فها ولو في شبر واحد مع اختيار سبيل المقاومة والنضال قصد تحرير فلسطين من قبضة العدو الصهيوني المستبد. وبدأت الصحف التقدمية في الانتشار والذيوع ولاسيما في الضفة الغربية والقطاع. وعادت جريدة "الاتحاد" ومجلتي "الجديد" و"الغد" إلى الصدور على الرغم من الحظر المضروب على هذه المطبوعات الصحفية . و تعرفت فدوى طوقان عبر صفحاتها مجموعة من الأدباء والمفكرين الفلسطينيين الذين يكتبون في مختلف الأجناس الأدبية كإميل حبيبي والدكتور إميل توما والأستاذ صليبا خميس والأستاذ علي عاشور وسواهم كثير...
وفي هذه الفترة بالذات، نشرت فدوى طوقان خمس قصائد ثورية في جريدة "الاتحاد" وهي: مدينتي الحزينة، والطاعون، وإلى صديق غريب، والطوفان والشجرة، وحي أبدا، و حررت هذه القصائد في هذه الجريدة بتاريخ22 أيلول 1967م. وتعرضت الشاعرة بعد ذلك أثناء تنقلاتها داخل الأرض المحتلة لكثير من المضايقات والمراقبة الشديدة والمحاسبة الصارمة، وأحست من جراء تلك المعاملة اللاإنسانية القاسية بالاغتراب الذاتي والمكاني والشجا الدامي. وفي هذا الموقف العصيب أبدعت قريحتها قصيدة" لن أبكي" للتعبير عن صبرها وصمودها وتمسكها بجذور وطنها و عزمها على مقاومة العدو المحتل. كما نظمت الشاعرة قصيدتها"الفدائي والأرض" على إثر استشهاد البطل الفلسطيني مازن أبو غزالة في معركة طوباس، تلك المعركة التي قامت بين رجال المقاومة والجيش الإسرائيلي بعد مرور شهور قليلة على الاحتلال الصهيوني للوطن. وقد توطدت علاقة الشاعرة بشعراء الرفض وتكررت زياراتها لشعراء الهوية القومية كسميح القاسم ومحمود درويش على الرغم من المراقبة الشديدة والتسجيل يوميا لدى مركز البوليس.
ولقد كان هذا التواصل بداية " التفاعل الحيوي المثمر الذي ظل محافظا على استمراريته من جراء التحام كتاب الضفة والقطاع بالكتاب والشعراء الفلسطينيين المقيمين في الجزء المحتل من فلسطين منذ العام 1948، بالرغم من حرص السلطات العسكرية على إقامة حواجز المنع وعرقلة نشوء أي تفاعل أدبي أو تلاحم فكري بين أبناء الشعب الواحد الذي شطرته المأساة سنة 1948. فكم من مرة، حين أدعى- تقول فدوى طوقان- إلى المشاركة في مناسبة أدبية وطنية في الناصرة أو القدس مثلا، كانت ولا تزال- توجه إلي الأوامر العسكرية بعدم مغادرة نابلس في ذلك اليوم بالذات".( ص:23 من الكتاب)
وقد ساهم الاحتلال مدة سنتين بعد الهزيمة في خلق فراغ ثقافي في الساحة الأدبية والنقدية في الضفة والقطاع بسبب الإرهاب الصهيوني العسكري وغياب الصحافة الوطنية والمجلات الصادرة عن البلاد العربية، ناهيك عن غياب المؤسسات الوطنية والكوادر الثقافية. وفي هذه الفترة ستنشر الشاعرة سيرتها الأولى" رحلة صعبة- رحلة جبلية " في شكل حلقات متسلسلة في مجلة "الجديد" ما بين العامين1977و 1978 م حين كان يرأس تحريرها الشاعرالقديروالمتميز سميح القاسم. و كانت فدوى قد نشرتها قبلها في باب صفحات من مفكرة في مجلة "الجديد" الذي أصبح رئيس تحريرها الجديد الشاعر الكبير محمود درويش.
وأصبحت فدوى سفيرة مفوضة بدون حقيبة بين الرؤساء والقيادات العليا وممثلي الشعب ومنتخبي السكان من أجل إيجاد صيغ التفاهم والتعايش والتوسط لإيجاد الحلول لكل المشاكل الفردية والجماعية ، و البحث عن المخرج الحقيقي لتحقيق الحياة الكريمة والاستقلال المشرف للشعب الفلسطيني. وكم كانت فدوى حزينة لما سمعت بموت الكاتبة الفلسطينية المرموقة سميرة عزام أثناء انتقالها من عمان عبر دمشق مسرعة إلى مدينتها عكا لمعانقة الوطن السليب بعد غربة طويلة مشحونة بالشوق والحنين! وقد أثارت قصيدة فدوى " آهات أمام شباك التصاريح" ضجة كبيرة في إسرائيل وتناقلتها وسائل الإعلام والصحافة ؛ لأن تلك القصيدة الثائرة تدعو إلى كراهية إسرائيل ومقاومتها بشراسة ووحشية. بيد أن هذه القصيدة كتبتها فدوى أثناء الحصار المفروض على الممرات والحدود الفاصلة بين المدن الفلسطينية، والتي تظهر الإنسان الفلسطيني كأنه أجنبي مغترب في أرضه مجسدة إياه في صورة مذلولة مشوهة يسود فيها الانتظار الطويل لما يأتي ولا يأتي، والعذاب المحترق الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني وهو مصطف مع إخوانه من أبناء فلسطين في طوابير تنتظر الإفراج والإذن بالمغادرة لرؤية أحبابهم وأسرهم وأهاليهم. ولم تكن الشاعرة بمعزل عن هذا العذاب السيزيفي القاهر، وهذا ما دفعها لتكتب هذه القصيدة الشعرية التي تحرض فيها على الرفض والمقاومة والنضال ومقاتلة الأعداء الصهاينة . .
3- الخطـــاب الســردي:
تندرج " الرحلة الأصعب" لفدوى طوقان ضمن جنس السيرة الذاتية الذهنية؛ لأنها ترصد حياتها الإبداعية و الثقافية والفكرية ومسارها الحيوي في المقاومة والكفاح والنضال المستميت من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل. وتعتمد فدوى طوقان على الذاكرة لاسترجاع الأحداث مع العلم أن زمن الكتابة والطبع و النشر هو 1993م وهو يشكل حاضر الكاتبة وواقعها الراهن. ومن ثم تعود الكاتبة بذاكرتها إلى الماضي لاستقراء سنوات الهزيمة ومأساة حزيران 1967م وآثارها على الإنسان العربي بصفة عامة والإنسان الفلسطيني بصفة خاصة. ومن هنا، فالزمن هابط في استقراء الذاكرة واستنطاقها القصصي والسردي، وإن كان الزمن داخل المتن تعاقبيا كرونولوجيا يخضع للترتيب والتداخل ويبدأ من فترة 1967م إلى سنة 1978م مع الرجوع إلى فترة 1948 لاستحضارها كنقطة لبداية المأساة والاقتتال الدموي بين الفلسطينيين والإسرائيليين حول الأرض والقدس الموعودة.
ويتميز الإيقاع السردي بالسرعة في إيراد الأحداث والقفز على مجموعة من الحوليات والسنوات داخل عقد الستين والسبعين نظرا لعدم أهميتها لدى الكاتبة أو ربما لفراغها ثقافيا وأدبيا وخمودها نضاليا بسبب الرعب الصهيوني وعمله على إسكات المناضلين والمثقفين الغيورين على بلدهم الحبيب.
ويستند المنظور السردي إلى المنظور الداخلي الذاتي والرؤية "مع" في نقل الأحداث وروايتها، وبذلك تتداخل الساردة مع الكاتبة فدوى طوقان في المعرفة المتساوية وتذويت المسرود. ويمتزج في السيرة الجانبان : التاريخي والأدبي، أو الجانب السياسي والجانب الإبداعي. وتحصر وظائف الساردة في التوثيق والتأريخ والتصوير والتعبير والتنبيه وتبليغ أطروحة المقاومة والنضال ضد الأجنبي الصهيوني المحتل. ويحضر ضمير المتكلم باعتباره ضميرا بؤريا أساسيا يتحكم في الضمائر الأخرى التفاتا وإرصادا وإضاءة وتوجيها.
وتتسم كتابة فدوى طوقان بالمزج بين السرد والحوار واستخدام الأسلوب التقريري المباشر في نقل الأحداث التاريخية والصحفية وتوثيقها وتشغيل الأسلوب الأدبي البياني الشاعري أثناء عرض النصوص الشعرية. كما يحضر الأسلوب الوصفي الموضوعي العلمي أثناء ذكر مناسبات القصائد وسياقاتها الحدثية والمرجعية وممارسة النقد تحليلا وتقويما وتوجيها. أي إن الكاتبة تجمع بين الوظيفة المرجعية أثناء التوثيق التاريخي والوظيفة الشعرية أثناء استعراض النصوص الشعرية وتذوقها ، والوظيفة الوصفية أثناء قراءة النصوص الإبداعية ونقد كتابات المبدعين وتقويمها دلالة وصياغة ووظيفة.
من قصائدهـــا
بعض القصائد للشاعرة فدوى طوقان.
يا نخلتي يحبني اثنان
كلاهما كـورد نيسان
كلاهما أحلى من السكر
وتاه قلبي الصغير بينهما
أيهما أحبة أكثر؟؟
أيهما يا نخلتي أجمل؟
قولي لقلبي ، إنه يجهل
في الرقصة الأولى
بين ظلال وهمس موسيقى
وشوشني الأول
وقال لي ما قال
رفّ جناحا قلبي المثقل بالوهم، بالأحلام، بالخيال
لم أدر ماذا أقول أو أفعل
في الرقصة الأخرى
حاصرني الثاني وطوقت خصري ذراعان
نهران من الشوق وتحنان
وقال لي قال
رفّ جناحا قلبي المثقل
بالوهم، بالأحلام، بالخيال
واحيرتي! يحبني اثنان كلاهما كورد نيسان
كلاهما أحلى من السكر أيهما أحبة أكثر؟
- وفي ملحمتها (نداء الأرض) تصور فدوى طوقان شيخاً فلسطينياً في لحظة التساؤل المرير عن المصير الذي آل إليه حاله وحال شعبه:
أتغصب أرضي؟
أيسلب حقي وأبقى أنا حليف التشرد أصبحت ذلة عاري هنا
أأبقى هنا لأموت غربياً بأرض غريبة
أأبقى ؟ ومن قالها؟ سأعود لأرضي الحبيبة
سأنهي بنفسي هذه الرواية
فلا بد ، لا بد من عودتي
كان بعينه يرسب شيء
ثقيل كآلامه مظلم
لقد كان يرسب سبع سنين
انتظار طواها بصبر ذليل
تخدره عصبة المجرمين
وترقد تحت حلم ثقيل
أهوى على أرضه في انفعال يشم ثراها
يعانق أشجارها ويضم لآلى حصاها
ومرغ كالطفل في صدرها الرحب خداً وفم
وألقى على حضنها كل ثقل سنين الألم
وهزته أنفاسها وهي ترتعش رعشة حب
وأصغى إلى قلبها وهو يهمس همسة عتب
رجعت إلي
وكانت عيون العدو اللئيم على خطوتين
رمته بنظرة حقد ونقمة
كما يرشق المتوحش سهمه
ومزق جوف السكوت المهيب صدى طلقتين.
- وتقول فدوى طوقان في قصيدة الأفضال:
إلي أين أهرب منك وتهرب مني؟
إلي أين أمضي وتمضي؟
ونحن نعيش بسجن من العشق
سجن بنيناه، نحن اختياراً
ورحنا يد بيد..
نرسخ في الأرض أركانه.
ونعلي ونرفع جدرانه.