علقت منظمة ( هيومن رايتس ووتش ) يوم الاربعاء المصادف 2018ـ08ـ08 على قصة جريمة مروعة وقعت في محافظة النجف بسبب "غشاء بكارة مطاطي"، وذكرت المنظمة أن جريمة القتل المروعة لأمرأة عراقية في منزلها يجب أن تدفع البرلمان العراقي القادم فور تشكيله الى اقرار مشروع قانون مناهضة العنف الأسري المعلق منذ عام 2015 وتابعت المنظمة أنه في أحد ايام الأسبوع الماضي أعاد عريس عروسه الى والديها بعد يوم من زفافهما بحجة أنها لم تكن عذراء، وحسب تقارير وسائل الأعلام أنه، عند سماع الأتهام ضربها أحد أفراد أسرتها حتى الموت .
وبحسب المنظمة، فانه على الرغم من أن القاتل سيحاكم على الأرجح على جريمته، وقد تخفف عقوبته بموجب نص في قانون العقوبات العراقي يسمح بأحكام مخففة في اعمال العنف ـ بما في ذلك القتل ـ لما يسمى ب " البواعث الشريفة "، لا يوجد "شرف" في مثل هذا القتل الوحشي الذي لا داعي له، علاوة على ذلك، فأن الضحية لم تكن سوى واحدة من مئات النساء والاطفال الذين يعانون من العنف على أيدي عائلاتهم في العراق كل عام . وحسب المصادر الاعلامية التي صدرت من النجف بتاريخ ( 2018ـ07ـ31 ) أن شقيق الزوجه هو الذي قام بقتلها، كما توفي والدها مباشرة بعد تلقيه الخبر، ولكن والدتها اصرت على تشريح الجثة، والذي تبين أن العروسة كانت باكرا، وأن غشاء بكارتها من النوع المطاطي الصعب الفض ويحتاج الى تدخل جراحي أو يفض تلقائيا بعد الولادة . وللمعلومات فقط، والى جانب تنوع اشكال غشاء البكارة، فهناك 30% من نساء العالم بدون غشاء بكارة منذ الولادة، أي بيولوجيا وتكونيا لا يمتلكن ذلك، فهل يستحقن القتل !!! .
لا اناقش الحدث لذاته فهو جريمة قتل مع سبق الأصرار، ولكن مهما قيل ويقال من استعباد للمرأة وانتهاك لكرامتها وتنوع أساليب اضطهادها وسوء معاملتها اليومية واستلاب حقوقها في الحرية والكرامة والاستقلال في شؤونها الشخصية وتحويلها إلى موضوع أو شيء تقع عليه أفعال الآخرين دون إرادتها أو فعل منها، إنما هو امتداد للملابسات التاريخية في نشأة عوامل اضطهادها الأولى، وما يحصل اليوم بحقها من ظلم وحيف وقهر ما هو إلا تنوع متردي وسيئ خطير في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المحيطة بالمرأة والتي تشدد من الخناق على حريتها واستلاب حقوقها، في ظل غياب بدائل إنسانية حقيقية لتوفير مستلزمات أنعتاقها من العبودية والأسر التاريخي الذي وقعت فيه .
هنا في عالمنا العربي والاسلامي أكثر من عشرين شكلا " للزواج " لا يشترط فيه غشاء البكاره، بل ان عدمها هو السائد، فلماذا يشترط ويتوجب غشاء البكاره على الزواج الدائم " مع استثناءات "، أم ان الاشكال الاولى المؤقتة هو نمط من الدعارة المشرعنة في ذهن ممارسيه، ولهذا الزواج مشرعيه وفقهائه والذين يبحثون دوما عن مظلة شرعية لحماية هذا النمط من الزواجات، فهناك الزواج العرفي والمنتشر في مصر حتى في أروقة الجامعات، وهناك زواج المسيار، وزواج المصياف، وزواج ألويك أند، وزواج الفرند، وزواج المصواب، وزواج المسفار، وزواج المطيار، وزواج المحجاج، وزواج المسياق، وزواج المهراب، وزواج المقراض، وزواج المتعة، وزواج التجربة، وزواج المزار، ونكاح الترزق، ونكاح الخوالي، ونكاح إعارة الفرج، والمتعة غير الجنسية، والمتعة الجماعية، والمتعة من اجل الإنجاب، وزواج المباركة، ونكاح التعدد، وزواج المردان، ونكاح المصاهرة، ونكاح الضيافة، والقائمة تطول، هذا هو نكاح في ظروف " السلم "، أما نكاح زمن الحرب فقد ضربت داعش مثالا سيئ اهتز له ضمير الإنسانية, من جهاد المناكحة، وسبي النساء، ومقايضتهن جنسيا، وبيعهن في أسواق " الدولة الإسلامية " .
ارتبط مفهوم العفة تقليديا في مجتمعات العالم العربي والإسلامي في الحفاظ على المواطن البيولوجية للأعضاء التناسلية للرجل والمرأة، واشتقت منها معايير الشرف والكرامة والشهامة والحفاظ على الأعراض بنسختها الدينية التقليدية، وربطها ربطا محكما بمواثيق شرعية ـ دينية لا يجوز التجاوز عليها أو الإخلال بها تحت أي ظروف متغيرة للحياة، ومفهوم العرض هنا مفهوم ثابت غير قابل للتعديل والحوار رغم تغير ظروف الحياة .
أ ما الأخلاق العامة من صدق وأمانة ونزاهة في التعامل اليومي ونبذ للفساد الأخلاقي خارج أمكنته الجنسية التقليدية فهي متغيرة نسبيا و لا تعني شيئا يذكر، والمهم في ذلك كله أن تكون المرأة حافظة لفرجها والرجل لعورته، وبالتالي ما يحل بالأمة من فساد وسرقة للمال العام وفساد إداري ومالي ومن إرهاب وقتل للنفس وتشويه للحياة العامة ودمار للتراث الإنساني وسبي للنساء ليست ذو قيمة تذكر أمام مفهوم العفة التقليدية .
السلوك الإنساني معقد جدا وتتضافر عوامل مختلفة لتشكيله، منها ما هو موروث أولي في الجينات، ومنها ما هو مكتسب بيئي وثقافي، ومع الوقت يهيمن ما هو مكتسب من الثقافة والتنشئة الاجتماعية على ما هو موروث، ومن هنا تأتي أهمية دراسة العفة في السلوك في ضوء الأداء اليومي العملي في مواجهة المشكلات اليومية للحياة العملية بعيدا عن المفهوم الغريزي التقليدي للعفة الذي لا ينفع كثيرا في ظل تعقيد ظروف الحياة وتشعب منظومتها القيمية .
فالعفة ليست في أمكنتها التقليدية البيولوجية، بل في انعكاس تلك العفة في التعامل اليومي، من نزاهة وصدق وإخلاص وحفاظ على المال العام والمقدرة في الحفاظ على الأمن العام، والشرف ليست في الحفاظ التقليدي على المقدمات والمؤخرات البيولوجية، ولا على التستر في الحجاب والنقاب وأشكال الاختفاء الشكلي الأخرى، بل في الكفاءة العقلية والفكرية في التكيف السليم لظروف العصر ومتغيراته المتلاحقة، فالشرف قطعا في الأداء وليست في إخفاء " العورة " .
التركيز المفرط والشديد على العورة الذكورية والانوثية " وخاصة الأنثوية " باعتبارها مقياسا للشرف المطلق يخفي وراءه اشد إشكال التنكيل والريبة والتحايل على القيم الفطرية الإنسانية وقيم التسامح بين الجنسين، في ظل عالم متطور لا يعرف الحدود بين الأفراد وبين الجنسين إلا من خلال الأداء الفعلي والمنافسة الحرة، وفرز الذكاء بين الجنسين القائم على تنوعهما المفيد في خدمة الحضارة الإنسانية والتقدم. أن عوامل الكبت والحرمان والفصل بين الجنسين وعرقلة نشأة حياة حرة كريمة هي احد عوامل نشأة حياة شاذة، قوامها الكبت والشذوذ والكيد والتحايل وخاتمتها داعش والقادم اسوء .
أن التعرض لهذه الظواهر في العراق او ما يسمى "بجرائم الشرف " والحديث عنها علنا في الإعلام والصحافة، إلى جانب توجه منظمات المجتمع المدني للمساهمة الفعالة في التوعية عن مخاطرها هو جهد ايجابي كبير في ظل بيئة تعصف بها مختلف تيارات التطرف وهيمنة فكر الكراهية للمرأة وللمساواة، وهيمنة السلوك العشائري والقبلي في المنظومة الاخلاقية، وبالتالي فأن الجهود الخيرة يجب أن تكرس صوب انقاد المرأة من سلوكيات الإذلال والحط من قيمتها الشخصية والاجتماعية وفسح كافة فرص المساهمة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للمساهمة في بناء مجتمع أفضل، لا تخضع فيه المرأة لمزاج الفتاوى الشخصية والاجتهاد المبتذل، فمكانة المرأة ليست موضوعا للاجتهاد حول شكل زواجها إشباعا لغريزة ذكورية، بل هي موضوعا للمساواة وتحقيق العدالة الاجتماعية بين قطبين متكافئين .