مفرداتٌ تعبق بأريج الأنثى، ومساحاتُ عشقٍ رحبةٍ مكتظة بظلالٍ قاتمة، ايقاعاتٌ متفاوتة مختزلة، ومشاعرٌ مسربلةٌ بحزنٍ أبدي، بحثٌ متعثرٌ عن كوةِ نورٍ تفضي الى حريةٍ ضائعة، انوثة محترقة .. فوانيس مطفأة .. روحٌ محاصرة .. نفسٌ عطشى .. هذا ما تضمنته المجموعة الشعرية الثانية للشاعرة المغربية فتيحة النوحو
كي اقدم ديوان النوحو عليَّ ان اتقمص شخصيتها واغدو راهبة في حضرة مؤمن في لحظات التوحد، كما عشقها للشعر.. كما عشقها لّلغة.. وعشقها للانسان.. ان اغرق معها في بحر تساؤلاتها المبثوثة بين السطور.. عن الكون.. الحياة.. والحب.. وان لا اخشى رهبة الانزلاق نحو المجهول ...
في قصائد ديوانها الثاني تمارس طقساً مؤثثاً بشحنات عاطفة متأججة، تتعرّى فيه الّلغة، وتخلع اغلالَها قطعةً قطعة، كراقصةٍ فاتنةٍ من راقصات معابد آشور، تحسن الغواية والبوح في حضرة آلهة الشمس .. وفي حضرة عشتار آلهة الحب ..
قوام قصائد النوحو وبطلاتها، هي الحروف، هي الّلغة، حيث استحالت الى تدرجات لونية متناغمة تعتمر لوحات تشكيلية، كلما نازعتك روحك الغوص في اعماقها، كلما وجدت الحاجة لسبر اغوارها اكثر، كي تستمتع بمعاني يخيل اليك انها غادة عصية المنال، غادة تحسنُ الغواية، والعزف على اوتار المشاعر..
في قصيدتها "دعيني لفتنتي " تأسرك بطلتها، كنغمة في لحن من الحان معابد يسجد على نغماته كبار الكهنة في اوقات التجلي ...
دعيني
أراقص
عنفوان
الانفلات
قليلا
لعل زهوي
يهمس لي
بعبق
المفردات
الولوج الى عوالم الشاعرة فتيحة النوحو المضمخة بعطر واريج الانوثة والعاطفة الجياشة، لا يعدو ان يكون رحلة على اجنحة طائر الزاجل، لبثِ رسائل قوامها أناقة الكلمة، وقوة جذبها سحر المعاني المبهمة، حيث يشدك اليها افضاؤها الى المجهول آملاً في اكتشافه ..كمافي قصيدتها ندب الهزيع :
إلا أيها
الهجيع
تمهل
ثمة جرعتان
في الكاحل
رشفة
ديوان( لن يستلنا العدم ) هو اعلان لحضور طقوس توحد بين الحب والحلم، هو دعوة مفتوحة لمشهد ممارسات حب تفتح نوافذ واسعة لكل ما هو متخيل، وهو دعوة لكل من يغويه فتح ابواب سحرية تفضي الى المجهول ..
* لوحة الغلاف والرسوم الداخلية للفنانة نعيمة الملكاوي التي تماهت والتحمت بمساحاتها اللونية وجرأة فرشاتها مع المفردة الشعرية، فقد توحدت وتوازت فكرتها وأبعادها الفنية مع مضامين أشعار النوحو الايحائية، حيث أحالت الإشارات والعلامات والخطوط والألوان إلى استراتيجية توحد وإبحار في اعماق الشاعرة، وترجمة لأدق خلجاتها واحاسيسها...
كما جاءت ترجمة صوفيا شهاب لتحاكي لغة فولتير للابحار في عوالم الشاعرة الروحانية، عبر قاموس شعري فرنسي عتيق استجاب للغة فتيحة النوحو التي تجنح اكثر نحو اصالة المفردة وكلاسيكيتها، وتطويعها في البناء الحداثي للنص .
عالية كريم
رئيسة تحرير مجلة معكم الثقافية
www.maakom.link