2
كنت أول من ارتقى الدرج باذلاً أقصى جهدي في الركض وأنا أرتقي الدرج سمعت صوت أخي يوسف يصرخ صراخاً مراً قاسياً يمزق القلب توقفت فجاة مسنداً يدي اليمنى على الجدار كيلا أرتد إلى الوراء وأسقط ثم التفت متسائلاً وأنا أمضي تجاه أخي ماذا جرى بحق السماء ؟ كان أخي يوسف منطرحاً على الأرض والدم ينزف من أنفه بغزارة صرخت بوجه صديقي يونس الذي كان واقفاً ازاء أخي شاحب الوجه حزين ماذا جرى ماذا جرى ؟ أجابني يونس متلعثماً زهي،ر زهير كان يركض وراء ماجد فارتطم رأسه بأنف أخيك يوسف فنزف، وأين زهير؟ ذاك أجاب يونس مؤشراً ناحية زهير الذي كان جالساً ليس بعيداً عناً مغطياً وجهه بكلتا يديه مبعثاً أنيناً يشبه الحشرجة .
3
قلت اسرع اسرع يا يونس وهات قليلًا من الثلج، مضى يونس مسرعاً وأتى بحفنة من الثلج فوضعتها على جبين أخي يوسف ولكن دون جدوى فلم يتوقف النزف إذهب واخبر المدير صرخت بوجه زهير غاضباً جاء بواب المدرسة صادق ذلك الرجل الطيب القلب وحمل أخي إلى غرفة المدير وسرنا نحن الثلاثة من وراءه محزونين كعصافير بلا أجنحة .
4
علا صوت صافرة الدخول إلى الصفوف فهرع يونس وزهير إلى الصف أما أنا فلبثت واقفاً عند باب غرفة المدير والبرد والقشعريرة يدبان في أوصالي أختلس النظر من خلال الباب، ناديت على العم صادق فاتاني مسرعاً، تساءلت هل خف النزف ؟
لا عليك إذهب إلى الصف، دقائق وكل شيئ يكون على ما يرام سرت باتجاه الصف بخطوات ذابلة كان باب الصف موصداً فطرقته .
– تفضل
فتحت الباب ودخلت اتاني صوت المعلم غاضباً مؤنباً أنت دائم التاخير يا صباح حاولت أن أشرح له الموقف لكنني لم أستطع كانت أوصالي ترتجف كما لو أن حمى باردة داهمتني، أخبره بعض التلاميذ لما جرى لاخي إذ ذاك هدأت فورة غضبه وأذن لي بالدخول حلست إلى رحلتي في الصف الأخير من الصف . كانت الريح في الخارج تشتد وقطع الثلج المتساقط تكبر شيئاً فشيئاً أخرجت دفتري ووضعته أمامي حاولت كتابة المسالة الحسابية والتي كان المعلم منهمكا في كتابتها على السبورة لكنني لم أستطع، لم أستطع أصابني دوار محموم وشعرت برغبة عارمة في التقيوء فتقيات فعلًا تنبه المعلم إلى صوت تقيؤي فاتجه بخطوات مسرعة نحوي ماساً جبيني بكفه قائلاً انت محموم يا صباح قم واذهب إلى البيت .
5
في الحقيقة لم أذهب إلى البيت بل ذهبت مسرعاً إلى غرفة المدير حيث أخي، كان البواب صادق واقفاً أمام الغرفة تساءلت :
كيف حال أخي ؟
انقطع النزف أجابني البواب بفرح وفي هذه الأثناء كان الطبيب داوود خارجاً من الغرفة .
6
وعند موعد الإنصراف خرجنا أنا وصديقي يونس وأخي متجهين إلى البيت، كانت عمتي جالسة أمام غرفتها تغذي جمر المنقلة بمزيد من الفحم وما أن رأت شحوب وجه أخي وثيابه الملطخة بالدم تساءلت باضطراب ماذا جرى بحق السماء ماذا جرى ؟
– لا شيئ لا شيئ أجبتها مهدئاً من روعها وبعد أن أجلسنا أخي في فراشه أتاني صوت أخي الصغير منير، صباح صباح لقد ماتت حماماتك الثلاث من شدة البرد يا صباح خرجت مسرعا لأتاكد من حقيقة الأمر كانت حماماتي الثلاث آه حماماتي التي أحببتها ملقاة على الأرض جثثا هامدة، عاودتني تلك القشعريرة اللعينه مرة ثانية آويت إلى فراشي مست جدتي جبيني قائلة أنت محموم يا صباح نم وغط نفسك بلحافك الصوفي فيما هي كانت تغذي جمر الموقد بالفحم حزينة وبين فينة وأُخرى تبعث شيئاً يشبه الحشرجة .